د.انتصار الدّنّان
25-01-2021
25-01-2021
إن نكبة العام 1948 أثرت بشكل كبير على الجماهير العربية والمثقفين والعسكريين في بلدان المشرق العربي كافة، حيث إن تلك النكبة أخرجت الفلسطينيين من بلادهم ليحل محلهم أناس متعددو الجنسيات، خاصّة أنه كان هناك بعض الأنظمة التي تسير في ركب البريطانيين- بناة المشروع الصهيوني، والداعمين له، وبعضها الآخر كان يجد في الأمريكيين مرجعيته العظمى، كما أنه كان هناك فريق آخر كانت السلطة هدفًا بالنسبة إليه، ومطلبًا رئيسًا.
كل هذه المعطيات أشعلت النار في قلوب الطلاب الذين كان لهم دور سياسي نشط ومؤثر في بلورة ردود الفعل الشعبية الغاضبة والناقمة على مسيرة الصراع السياسي والعسكري في فلسطين[1]، وقد تميز أولئك الطلاب حينها بأنهم كانوا الأكثر إحساسًا بحقيقة المشروع الصهيوني، الذي زُرعت أوائل بذوره في فلسطين ليمتد لاحقًا في الدول العربية، وهذا ما نشهده اليوم جراء التهافت العربي نحو التطبيع مع الإسرائيليين بحجة السلام المزعوم معهم، بدءًا ب مصر مع الرئيس الراحل أنور السادات، إلى الأردن، وصولًا إلى الإمارات والبحرين وغيرها من الدول الأخرى.
وعليه، فقد بدأت نواة نشأة حركة القوميين العرب، التي تبنت الدعوة القومية العربية في مرحلة الخمسينيات والستينيات، والتي انطلقت دعوتها من بلدان المشرق العربي، وتحديدًا من بلاد الشام و العراق في مطلع القرن العشرين.
لاحقًا، كان لا بد من أن تكون هناك أحزاب فلسطينية تمثل الشعب الفلسطيني، وتزود عنه، وتطالب بحقوقه، فكانت منظمة التحرير الفلسطينية محصلة لظرف عربي موات، التي اعترفت بها الأمم المتحدة والجامعة العربية ممثلًا شرعيًّا للشعب الفلسطيني داخل وخارج فلسطين، حيث تأسست عام 1964، وكان الهدف الرئيس لها هو تحرير فلسطين عبر الكفاح المسلح، وقد وجدت منظمة التحرير الفلسطينية في مرحلة صعود الفكرة القومية العربية والمشاريع الكبرى، وحتى خلال الردود القومية على الهزائم. وعليه، ومهما كانت درجة الأهمية في دور الفواعل الفلسطينية لنشوء المنظمة، فإن الدور الأساسي والحاسم كان عربيًا، لكننا اليوم نرى أن موقف العرب يراوح بين إدارة الظهر للقضية الفلسطينية بكل مكوناتها، وبين التطبيع مع العدو الصهيوني، وشعار: نقبل بما يقبل به الفلسطينيون، وغالبًا ما يعني هذا الشعار في التطبيق: "نقبل بما تقبل به قيادة السلطة الفلسطينية".
وهنا لا بد من الإشارة إلى أنه وعند بدايات وضع الأهداف المبتغاة للأحزاب الفلسطينية المنضوية تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية لسبب نشوئها. كما تمحورت آراء مختلفة حول أولوية تحرير فلسطين أو ضرورة أن تتحقق الوحدة العربية، ومن ثم تحرير فلسطين. وهنا برز من كان يرى بأن تحرير فلسطين هو الطريق للوحدة العربية، وهكذا فقد كان هناك جدل حول هذا الأمر، فلماذا نختلف على ذلك؟
هنا يكمن مربط الفرس، فإذا كان هدفنا الأساسي كفصائل وأحزاب فلسطينية تحرير فلسطين؛ فلماذا نختلف على الشكل والطريقة، ولطالما كان هدف منظمة التحرير الفلسطينية وما زال تحرير فلسطين عبر الكفاح المسلح؟
الإجابة تكمن في ضرورة أنه يجب الإقرار بأن تحرير فلسطين هو الطريق للوحدة العربية، لأنه على مر اثنين وسبعين سنة من الاحتلال الصهيوني لفلسطين، والقضية الفلسطينية تخضع لتنازلات عديدة. فقد تعرضت القضية الفلسطينية بعد نكبة 48 لنكسات عديدة؛ أبرزها نكسة 67، حيث احتلت إسرائيل أراضي الضفة الغربية، وهي التي تشكل بما فيها القدس الشرقية مع قطاع غزة "دولة للشعب الفلسطيني"، التي يتم التفاوض عليها منذ عام 1993، أي منذ إشهار نكسة اتفاقية أوسلو التي تُعرف رسميًا باِسم إعلان المبادئ حول ترتيبات الحكم الذاتي الانتقالي، وهي "اِتفاقيّة سلام"، وقعتها منظمة التحرير الفلسطينية ودولة الاحتلال في ساحة البيت الأبيض بواشنطن، والتي جاء الإقرار فيها على أن منظمة التحرير الفلسطينية تنبذ الإرهاب والعنف، ما يعني أنها تمنع المقاومة المسلحة ضد إسرائيل، وتحذف البنود التي تتعلق بميثاقها الوطني، الذي نشأت من أجله، وهو العمل المسلح وتدمير إسرائيل.
في ضوء ما تقدم، وبعد مرور تلك الأعوام على احتلال فلسطين، وبعد سبعة وعشرين عامًا على اِتفاق أوسلو، أريد أن أقول إن تحرير فلسطين هو الطريق إلى الوحدة العربية، لأن تاريخ القضية الفلسطينية على مر تلك الأعوام ما زال يشهد ازديادًا بالتغول الصهيوني، من ازدياد في المستوطنات، وضم الأراضي الفلسطينية، وتهويد القدس، وصولًا إلى الانتهاكات التي يشهدها الفلسطينيون آلاف المرات في اليوم الواحد.
كما أنه وعلى مدى أربع سنوات مضت من الحديث عما سميت بصفقة القرن، إلى أن تم الكشف عنها في المؤتمر الصحافي للرئيس الأميركي، دونالد ترامب، يوم 28 يناير/ كانون الثاني الماضي، تحت اسم "خطة السلام من أجل الازدهار، رؤية لتحسين حياة الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي"، ظل سؤال أساسي غائبًا في مجمل ما كتب وقيل، أين دور الدول العربية؟ وأين الجامعة العربية من ذلك؟
نحن اليوم في مأزق كبير مع تلك الدول التي تهرول للتطبيع مع دولة الكيان، والاعتراف بها علنيًّا، بحجة السلام وبناء علاقات مشتركة لإنماء الاقتصاد فيما بينها، وكان السادات أول من زار دولة الكيان في التاسع عشر من تشرين الثاني من عام 1977، وألقى خطابه الشهير، الذي أكد فيه بأن السلام في الشرق الأوسط ممكن، إلى الأردن، ومن ثم الإمارات التي أعلنت التطبيع مع إسرائيل منذ أشهر قليلة، إلى إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن البحرين وإسرائيل توصلتا إلى اتفاق لتطبيع العلاقات، وكذلك المغرب.
كل ما تقدم يدعوني للقول: "إن تحرير فلسطين هو الطريق للوحدة العربية".
[1] - حركة القوميين العرب- نشأتها وتطورها عبر وثائقها 1951-1968. الكتاب الأول 1951-1961، الجزء الأول، تحرير: هاني الهندي، عبد الإله النصراوي، مؤسسة الأبحاث العربية.
كل هذه المعطيات أشعلت النار في قلوب الطلاب الذين كان لهم دور سياسي نشط ومؤثر في بلورة ردود الفعل الشعبية الغاضبة والناقمة على مسيرة الصراع السياسي والعسكري في فلسطين[1]، وقد تميز أولئك الطلاب حينها بأنهم كانوا الأكثر إحساسًا بحقيقة المشروع الصهيوني، الذي زُرعت أوائل بذوره في فلسطين ليمتد لاحقًا في الدول العربية، وهذا ما نشهده اليوم جراء التهافت العربي نحو التطبيع مع الإسرائيليين بحجة السلام المزعوم معهم، بدءًا ب مصر مع الرئيس الراحل أنور السادات، إلى الأردن، وصولًا إلى الإمارات والبحرين وغيرها من الدول الأخرى.
وعليه، فقد بدأت نواة نشأة حركة القوميين العرب، التي تبنت الدعوة القومية العربية في مرحلة الخمسينيات والستينيات، والتي انطلقت دعوتها من بلدان المشرق العربي، وتحديدًا من بلاد الشام و العراق في مطلع القرن العشرين.
لاحقًا، كان لا بد من أن تكون هناك أحزاب فلسطينية تمثل الشعب الفلسطيني، وتزود عنه، وتطالب بحقوقه، فكانت منظمة التحرير الفلسطينية محصلة لظرف عربي موات، التي اعترفت بها الأمم المتحدة والجامعة العربية ممثلًا شرعيًّا للشعب الفلسطيني داخل وخارج فلسطين، حيث تأسست عام 1964، وكان الهدف الرئيس لها هو تحرير فلسطين عبر الكفاح المسلح، وقد وجدت منظمة التحرير الفلسطينية في مرحلة صعود الفكرة القومية العربية والمشاريع الكبرى، وحتى خلال الردود القومية على الهزائم. وعليه، ومهما كانت درجة الأهمية في دور الفواعل الفلسطينية لنشوء المنظمة، فإن الدور الأساسي والحاسم كان عربيًا، لكننا اليوم نرى أن موقف العرب يراوح بين إدارة الظهر للقضية الفلسطينية بكل مكوناتها، وبين التطبيع مع العدو الصهيوني، وشعار: نقبل بما يقبل به الفلسطينيون، وغالبًا ما يعني هذا الشعار في التطبيق: "نقبل بما تقبل به قيادة السلطة الفلسطينية".
وهنا لا بد من الإشارة إلى أنه وعند بدايات وضع الأهداف المبتغاة للأحزاب الفلسطينية المنضوية تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية لسبب نشوئها. كما تمحورت آراء مختلفة حول أولوية تحرير فلسطين أو ضرورة أن تتحقق الوحدة العربية، ومن ثم تحرير فلسطين. وهنا برز من كان يرى بأن تحرير فلسطين هو الطريق للوحدة العربية، وهكذا فقد كان هناك جدل حول هذا الأمر، فلماذا نختلف على ذلك؟
هنا يكمن مربط الفرس، فإذا كان هدفنا الأساسي كفصائل وأحزاب فلسطينية تحرير فلسطين؛ فلماذا نختلف على الشكل والطريقة، ولطالما كان هدف منظمة التحرير الفلسطينية وما زال تحرير فلسطين عبر الكفاح المسلح؟
الإجابة تكمن في ضرورة أنه يجب الإقرار بأن تحرير فلسطين هو الطريق للوحدة العربية، لأنه على مر اثنين وسبعين سنة من الاحتلال الصهيوني لفلسطين، والقضية الفلسطينية تخضع لتنازلات عديدة. فقد تعرضت القضية الفلسطينية بعد نكبة 48 لنكسات عديدة؛ أبرزها نكسة 67، حيث احتلت إسرائيل أراضي الضفة الغربية، وهي التي تشكل بما فيها القدس الشرقية مع قطاع غزة "دولة للشعب الفلسطيني"، التي يتم التفاوض عليها منذ عام 1993، أي منذ إشهار نكسة اتفاقية أوسلو التي تُعرف رسميًا باِسم إعلان المبادئ حول ترتيبات الحكم الذاتي الانتقالي، وهي "اِتفاقيّة سلام"، وقعتها منظمة التحرير الفلسطينية ودولة الاحتلال في ساحة البيت الأبيض بواشنطن، والتي جاء الإقرار فيها على أن منظمة التحرير الفلسطينية تنبذ الإرهاب والعنف، ما يعني أنها تمنع المقاومة المسلحة ضد إسرائيل، وتحذف البنود التي تتعلق بميثاقها الوطني، الذي نشأت من أجله، وهو العمل المسلح وتدمير إسرائيل.
في ضوء ما تقدم، وبعد مرور تلك الأعوام على احتلال فلسطين، وبعد سبعة وعشرين عامًا على اِتفاق أوسلو، أريد أن أقول إن تحرير فلسطين هو الطريق إلى الوحدة العربية، لأن تاريخ القضية الفلسطينية على مر تلك الأعوام ما زال يشهد ازديادًا بالتغول الصهيوني، من ازدياد في المستوطنات، وضم الأراضي الفلسطينية، وتهويد القدس، وصولًا إلى الانتهاكات التي يشهدها الفلسطينيون آلاف المرات في اليوم الواحد.
كما أنه وعلى مدى أربع سنوات مضت من الحديث عما سميت بصفقة القرن، إلى أن تم الكشف عنها في المؤتمر الصحافي للرئيس الأميركي، دونالد ترامب، يوم 28 يناير/ كانون الثاني الماضي، تحت اسم "خطة السلام من أجل الازدهار، رؤية لتحسين حياة الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي"، ظل سؤال أساسي غائبًا في مجمل ما كتب وقيل، أين دور الدول العربية؟ وأين الجامعة العربية من ذلك؟
نحن اليوم في مأزق كبير مع تلك الدول التي تهرول للتطبيع مع دولة الكيان، والاعتراف بها علنيًّا، بحجة السلام وبناء علاقات مشتركة لإنماء الاقتصاد فيما بينها، وكان السادات أول من زار دولة الكيان في التاسع عشر من تشرين الثاني من عام 1977، وألقى خطابه الشهير، الذي أكد فيه بأن السلام في الشرق الأوسط ممكن، إلى الأردن، ومن ثم الإمارات التي أعلنت التطبيع مع إسرائيل منذ أشهر قليلة، إلى إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن البحرين وإسرائيل توصلتا إلى اتفاق لتطبيع العلاقات، وكذلك المغرب.
كل ما تقدم يدعوني للقول: "إن تحرير فلسطين هو الطريق للوحدة العربية".
[1] - حركة القوميين العرب- نشأتها وتطورها عبر وثائقها 1951-1968. الكتاب الأول 1951-1961، الجزء الأول، تحرير: هاني الهندي، عبد الإله النصراوي، مؤسسة الأبحاث العربية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق