د. محمود الحنفي
بعد استلام الرئيس دونالد ترمب للرئاسة الأمريكية في 20 كانون الثاني/ يناير 2017، حدث تغير دراماتيكي في السياسة الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية، حيث قام بخطوات انقلابية على القانون الدولي لم تتجرأ إدارة أمريكية سابقة على القيام بها. وعلى الرغم من أن ثمة محددات للسياسة الخارجية الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية تقوم بمجملها بالانحياز لصالح الاحتلال الإسرائيلي، إلا أن بعض الخطوات كانت تعتبر خطا أحمر لا يمكن تجاوزه، وهو يعتبر عرفا دوليا متبعا لا سيما في القضايا المتصلة بقرارات صادرة عن الأمم المتحدة (وضع القدس القانوني، تجريم الاستيطان، نقل السفارة إلى القدس المحتلة..).
ما هي أبرز محددات السياسة الخارجية الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية؟
- حماية أمن "إسرائيل” وضمان تفوقها، مع السعي لإقامة سلام دائم بين العرب وإسرائيل، حتى لو لم تتوفر الأسس الموضوعية وكذلك عناصر العدالة لذلك.
- إدانة أي عمل فلسطيني مقاوم واعتباره عملا إرهابيا، حتى وإن كان يقع في إطار الدفاع عن النفس ضد جنود احتلال أو مستوطنين مسلحين.
- عدم إدانة أي عمل عسكري إسرائيلي ضد الفلسطينيين، حتى لو تسبب بمقتل مدنيين فلسطنييين أو تدمير الأعيان المدنية.
- رفض التعامل مع أي مكون سياسي فلسطيني يرفض الاعتراف بدولة الاحتلال، حتى وإن جاء بطريقة ديمقراطية عبر صناديق الاقتراع.
وعلى الرغم من أن الدستور الأمريكي وتعديلاته يؤكدان على العلمانية والفصل بين الدين والدولة، إلا أن الدين كان وما زال يمثل عنصراً أساسياً من عناصر السياسة الخارجية الأمريكية. كما أن اللوبي الصهيوني له دور مؤثر على القرار الأمريكي، وتحصل "إسرائيل” على مساعدات أمريكية سنوية تقدر بحوالي ثلاثة مليارات دولار.
إن العلاقة الأمريكية الإسرائيلية لا يمكن مقارنتها بأية دولة أخرى في المنطقة، ولذلك فلا يمكن فصل الاستراتيجية الأمريكية عن الاستراتيجية الإسرائيلية، وأن المحافظة على أمن وسلامة "إسرائيل” تضمن سلامة المصالح الأمريكية في المنطقة. وهي من أهم المحددات الخارجية للسياسة الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية، وهي ليست مرتبطة بشخص الرئيس إنما بسياسات استراتيجية يتم رسمها في مراكز الدراسات والبحوث وتخضع للوبيات الضغط الاقتصادية والصهيونية.
سياسة ترامب الانقلابية:
أصدر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب سلسلة قرارات اعتبرت انقلابية من حيث الشكل وغير مألوفة في السياسة الخارجية تجاه القضية الفلسطينية، منها:
1-وكالة الأونروا: حسمت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب موقفها وقررت يوم 31 آب/ أغسطس 2018 وقف التمويل كلياً عن وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا). وكان التمويل الأمريكي للوكالة يمثّل سابقاً ثلث ميزانيتها السنوية البالغة 1.24 مليار دولار، وهو ما أثر جذريّاً على حياة ملايين اللاجئين الفلسطينيين في مناطق العمل الخمس (لبنان، الأردن، سوريا، قطاع غزة والضفة الغربية).
2-القدس المحتلة: في كانون الأول/ ديسمبر 2017، اعترف الرئيس السابق ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل، وأتبعها بنقل السفارة الأمريكية إليها في أيار/ مايو 2018. وفي تموز/ يوليو 2018، تبنى الكنيست الإسرائيلي قانون "الدولة القومية"، وهو القانون الذي منح اليهود - دون غيرهم من مواطني "إسرائيل” - حق تقرير المصير، ولم تصدر إدارة ترامب مواقف واضحة تندد بهذا القانون العنصري.
3-الاستيطان في الضفة الغربية: بدلت الولايات المتحدة موقفها من المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة، إذ لم تعد ترى وجودها مخالفا للقانون الدولي، كما قال وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في 19 تشرين الثاني/ نوفمبر 2019 في تصريح نقلته الـبي بي سي. وأضاف أن وضع الضفة المحتلة أمر يتفاوض عليه الإسرائيليون والفلسطينيون. ورفض الاتحاد الأوروبي الموقف الأمريكي الجديد، وأصر على اعتبار الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة مخالفا للقانون الدولي. وفي عهد ترامب تضاعف الاستيطان بشكل مخيف.
مواقف الرئيس باراك أوباما تجاه قضايا فلسطينية:
بخصوص القدس وهي من أهم القضايا العالقة في عملية السلام على الإطلاق، فقد عبر الرئيس السابق أوباما خلال خطاب ألقاه - أمام لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (AIPAC) وهي أكبر منظمات اللوبي – عن دعمه للقدس "غير المقسمة" كعاصمة لدولة إسرائيل.
وفي أيلول/ سبتمبر 2011 ألقى الرئيس أوباما خطابا غير مسبوق من رئيس أمريكي في مقر الأمم المتحدة أصر فيه على نقطة رئيسية واحدة، وهي أن قرارات الأمم المتحدة لا تساعد إلا قليلا في تسوية المشكلة بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
أما بالنسبة لموقف إدارة الرئيس أوباما من اعتراف الجمعية العامة للأمم المتحدة بدولة فلسطين، فقد اعتبرتها تصرفا أحاديا مرفوضا من السلطة الفلسطينية وأنها تعارض القرار لأن قيام دولة فلسطينية لا يتم إلا عبر المفاوضات بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل. أما بالنسبة لانضمام دولة فلسطين لمنظمة اليونسكو التابعة للأمم المتحدة، فقد اعتبرتها واشنطن خطوة مضرة بمسار السلام الفلسطيني الإسرائيلي، وقامت بقطع مساعداتها المقدمة لهذه المنظمة البالغة 22 في المئة من موازنتها، اعتبارا من 2011.
إن حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية بعد انتخابات 2009 قد أوقفت أية خطوات حقيقية نحو إمكانية عقد اتفاقية سلام. إن نتنياهو وشركاءه هم الأكثر تشددا في المنظومة السياسية الإسرائيلية، لا يعترفون بالحاجة إلى أية تسوية سلمية مع الفلسطينيين. وبالرغم من أن نتنياهو التقى أوباما عدة مرات في واشنطن، إلا أنه رفض الاستماع إلى الرئيس الأمريكي أو إلى وزيرة خارجيته هيلاري كلينتون عن ضرورة تجميد الاستيطان، ولم يتم اتخاذ أي موقف أمريكي حيال ذلك.
قاطعت إدارة أوباما مؤتمر دوربان (2) ضد العنصرية في نيسان/ أبريل 2009، بحجة معاداته للصهيونية، كما سجلت انتقادها ضد تقرير غولدستون حول الحرب على غزة، واستخدمت حق النقض الفيتو في 18 شباط/ فبراير 2011 ضد قرار مشروع عربي في مجلس الأمن يدين الاستيطان في الضفة الغربية.
ما هو متوقع من إدارة الرئيس بايدن تجاه القضية الفلسطينية
ليس من المتوقع أن تكون هناك تغيرات جوهرية وكبيرة من إدارة بايدن تجاه القضية الفلسطينية. كما أن ثمة استحاقات هامة في هذا المجال، قد تؤخر جلاء الصورة منها بانتظار نتائج الانتخابات الإسرائيلية المقررة في آذار/ مارس، وكذلك نتائج الانتخابات الفلسطينية التي صدر بشأنها مرسوم والتي ستعقد على ثلاث مراحل، أولها التشريعية في أيار/ مايو 2021، والرئاسية نهاية تموز/ يوليو 2021، كما سيتم تشكيل المجلس الوطني الفلسطيني في 31 آب/ أغسطس 2021. وعلى الرغم من ذلك نستطيع تسجيل التوقعات التالية:
* إن الرئيس الأمريكي جو بايدن قد يكون أكثر براغماتية في التعامل مع القضية الفلسطينية، لكنه لن يبتعد من حيث الجوهر عن السياسات الاستراتيجية المتبعة منذ عقود. وهو سيعود إلى سياسة إدارة الصراع، مع انحياز كامل لدولة الاحتلال.
* صحيح أن الرئيس بايدن يؤمن بحل الدولتين، إلا أن الوقائع الميدانية التي أحدثها الاحتلال الإسرائيلي على الأرض من خلال تسريع خطوات الاستيطان في الضفة الغربية والقدس المحتلة بشكل غير مسبوق لن تساعد أبدا على هذا الحل، وليس متوقعا أن يمارس الرئيس بايدن ضغوطا على "إسرائيل” لتغيير سياستها بهذا الخصوص.
* وسيعمل الرئيس بايدن على إعادة الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي إلى طاولة المفاوضات حتى ولو من الناحية الفلوكلورية، لأنه عمليا ليس أمام الفلسطينيين ما يتفاوضون عليه.
* سيعمل الرئيس بايدن على استئناف المساعدات للفلسطينيين إلى السلطة الفلسطينية والتي كانت تبلغ 300 مليون دولار أمريكي. وقد يواجه بايدن مصاعب بسبب سن قانون (1) تيلور فورس عام 2018، والذي يحظر وصول المساعدات الأمريكية إلى بعض المؤسسات الفلسطينية ما دام أن السلطة الفلسطينية تمنح رواتب لعائلات الشهداء الفلسطينيين الذين استشهدوا خلال تنفيذهم عمليات ضد مستوطنين أو جنود إسرائيليين.
* ومن المتوقع أن يعيد الرئيس بايدن المساهمة الأمريكية إلى وكالة الأنروا التي تقدم خدمات لملايين اللاجئين الفلسطينيين.
* ومن المتوقع أيضا استئناف تقديم الدعم للمستشفيات في الأجزاء التي يديرها الفلسطينيون من القدس الشرقية المحتلة.
* قد يعيد افتتاح مكتب تمثيل منظمة التحرير في واشنطن الذي أغلقته إدارة ترامب.
* ليس من المرجح أن يتخذ الرئيس بايدن قرارا باتخاذ انعطافة حادة بغلق السفارة الأمريكية في القدس، ذلك أن القرار متخذ في الأوساط الأمريكية منذ عام 1995، إلاّ أن الإدارات المتعاقبة جمدت تنفيذه، وترامب نفذ القانون فقط. إن إغلاق السفارة يحتاج إلى قانون آخر وقد يحتاج الأمر إلى سنوات لإقراره.
* من المتوقع أن يعيد الرئيس بايدن فتح القنصلية الأمريكية في القدس الشرقية، التي أغلقتها إدارة ترامب، كخطوة توحي بأن ثمة توازنا سياسيا بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
* ليس معروفا كيف سوف تتعامل إدارة بايدن مع نتائج الانتخابات الفلسطينية. وماذا لو فازت حركة حماس فيها؟ هل سوف تعترف بالحكومة التي سوف تشكلها؟ لكن وبحكم السردية السابقة فإن الإدارة الأمريكية سوف تتعامل بتحفظ شديد مع حركة حماس، أو أنها لا تتعامل أبدا، وهذا يتوقف على موقف "إسرائيل” من ذلك.
ما هو المطلوب فلسطينيا؟
إن المواقف الأمريكية تجاه القضية الفلسطنيية - بغض النظر عن الرؤساء - واحدة تقريبا مع تغير شكلي في الأداء. فالأهداف ثابتة لكن الوسائل متغيرة، مثلما تتغير الوجوه تماما.
وعلى الرغم من حالة الضعف والوهن العربي لا سيما خلال العقد الأخير، وكذلك حالة الضعف الفلسطيني الظاهر، إلا أن الشعب الفلسطنيي يمتلك الكثير من عناصر القوة، يمكن استخدامها ومنها:
* إن الحقوق الفلسطينية راسخة في القانون الدولي وهي غير قابلة للتصرف، وما دامت القيادة الفلسطنيية لم توقع أو تتنازل عنها (خدعة التفاوض والاشتباك التفاوضي ومسار السلام)، فإن أيا من قوى العالم لا تستطيع النيل من هذه الحقوق. هذه الحقوق تستند إلى قواعد القانون الدولي ومفاهيم العدالة الدولية وقضايا حقوق الإنسان.
* وكما أن الإدارات الأمريكية سواء كانت جمهورية أم ديمقراطية تتعامل معنا ببراغماتية وتسعى لتحقيق مصالحها ومصالح الاحتلال الإسرائيلي، فإننا يجب أن نتمتع كذلك بكفاءة دبلوماسية مميزة. وليس مطلوبا أن نقاطع الإدارة الأمريكية، فهي الدولة العظمى، بل أن نتعامل معها بحكمة واقتدار.
* إن تمتين الجبهة الداخلية وإجراء المصالحة على أسس واضحة وشفافة وديمقراطية؛ خطوات هامة جدا وتعطي مقومات صمود هائلة في مواجهة الضغوط الدولية أو الإسرائيلية. إن دول العالم تسيطر على قرارنا من خلال الانقسام والتشرذم، وتكون ممتنة لأي قرار هش لا يستند إلى أرضية شعبية متينة.
* ضرورة الاستفادة من شبكة العلاقات الدولية الداعمة للقضية الفلسطنيية، وضرورة تفعيل الآلة الدبلوماسية الفلسطينية والعربية والإسلامية بهذا الخصوص.
__________
الهوامش:
1-يحمل القانون اسم تايلور فورس، نسبة إلى جندي أمريكي قتل في يافا عام 2016
المصدر: عربي 21
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق