فتحي كليب / عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
تابع الشعب الفلسطيني واللاجئون في لبنان، وقائع الانتخابات الرئاسية الامريكية، ليس من زاوية الامل بتفضيل مرشح على آخر، او تمنيات بنجاح هذا الحزب او ذاك. بل من زاوية التنبه، ربما، لما ينتظرونه من صعوبات ينبغي الاستعداد لها، بعد ان عانى كثيرا من ويلات السياسة الامريكية، بغض النظر عمن كان يجلس في رأس الهرم الرئاسي، ديمقراطيا كان ام جمهوريا.. رغم ان الاغلبية الساحقة من الفلسطينيين قد فرحت بهزيمة ترامب، ولا نقول فوز بايدن، بعد ارهقتهم السياسة الامريكية واتعبتهم طيلة اربعة سنوات مضت.
كان واضحا الفارق بين ما كان يطمح اليه المستوى الرسمي الفلسطيني برهانه الصريح على سقوط ترامب، الذي تجاهل السلطة الفلسطينية، بعد طرحه لصفقة القرن ورفضها فلسطينيا، وبين الموقف الفصائلي والشعبي الذي لم يكن يجد فارقا كبيرا بين الحزبين في سياستهما تجاه القضية الفلسطينية. ونحن نميل الى ترجيح الرأي الثاني، انطلاقا من المواقف التاريخية للرؤساء الامريكيين الذين تحركوا في اطار اولويتين: الحفاظ على امن اسرائيل وضمان تفوقها على جيرانها ومدها بكل اسباب البقاء، والسيطرة على النفط وضمان وصوله الى الدول الصناعية الكبرى.
وبعيدا عن التقارب الكبير في نظرة الرؤساء الامريكيين منذ النكبة وحتى اليوم في طريقة حل الصراع العربي والفلسطيني الاسرائيلي، فقد حكم امريكا ثلاثة عشرة رئيسا ( 7 منهم ينتمون الى الحزب الجمهوري، و 6 الى الحزب الديمقراطي)، بينما تعاقب على الحكم منذ العام 1993(اي منذ التوقيع على اتفاقية اوسلو) اربعة رؤساء تقاسموا كرسي البيت الابيض خلال ثلاثة عقود (16 عاما للديمقراطيين و 12 عاما للجمهوريين).
في نظرة بسيطة الى سياسات الرؤساء الاربعة تجاه قضية اللاجئين الفلسطينيين تحديدا، فيبدو واضحا ان القاسم المشترك في استراتيجياتهم جميعا كان اتفاقهم على "تفهم خصوصية الوضع الديمغرافي لاسرائيل، واعتبار ان حق العودة يهدد طابعها الديمغرافي، كدولة ذات طابع يهودي"، خاصة بعد ان تبنت ادارة ترامب لما سمي بـ "قانون القومية اليهودية في اسرائيل" لعام 2018 الذي حصر حق تقرير المصير فوق ارض فلسطين بالشعب اليهودي فقط، وهذا ما كان يتطلب، امريكيا واسرائيليا، البحث عن بدائل جديدة لحق العودة شكلت بدورها قاسما مشتركا بين الاحمر والازرق.
- اولى هذه البدائل تجزأة قضية اللاجئين وفكفكة عناصرها السياسية والقانونية والتاريخية.
- ثانيها حل قضية اللاجئين الفلسطينيين وفقا لما طرحه الرئيس الامريكي الاسبق بيل كلينتون، بالاستناد الى عناوين اربعة، التوطين في الدول العربية المضيفة، التهجير الى منافي الارض البعيدة، لم شمل محدود لبعض الاسر في الاراضي المحتلة عام 1948 و"عودة" جزئية الى اراضي "الدولة الفلسطينية" المتوقعة في الضفة.
- ثالث البدائل اعطاء تفسير جديد للقرار 194، بما يطال جميع اللاجئين في منطقة الشرق الاوسط بضمه ما يسمى اللاجئين اليهود الذي غادروا الدول العربية في سنوات سابقة.
- رابعها الغاء وكالة الغوث وتسليم خدماتها، اما الى الدول المضيفة او الى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين.
- اخيرا تأسيس صندوق دولي يحل مكان وكالة الغوث، على ان يتولى مهمة تأمين تعويضات للاجئين الفلسطينيين، وربما للدول العربية المضيفة..
امام هذه الصورة، ما الذي يتوقعه ويأمله اللاجئون بشكل عام وفلسطينيو لبنان من الرئيس الامريكي الجديد، وكيف سيتم التعاطي مع الادارة الجديدة، بل كيف ستتعاطى هي مع اللاجئين الفلسطينيين؟ وهل يمكن ان يحمل دخول جو بايدن البيت الابيض تغييرا فعليا في السياسة الأمريكية التقليدية حيال قضايا الصراع في الشرق الاوسط؟ والتغيير المقصود هنا هو ليس تغييرا استراتيجيا يحدث انقلابا في السياسة الامريكية، ، بل، في حده الادنى، عودة الادارة الامريكية عن بعض الاجراءات التي اتخذتها الادارة السابقة في عهد الرئيس ترامب والتزامها قرارات الشرعية الدولية وبما يعيد التوازن إلى القضية الفلسطينية..
وبغض النظر عن ممارساتها واجراءاتها ودعمها المباشر لاسرائيل وسياساتها، الا أن الولايات المتحدة تبقى دولة تلعب المؤسسات فيها دورا هاما في رسم الاستراتيجيات الكبرى، داخليا وخارجيا.. وعلى ارضية لعبة المصالح الدولية والاقليمية.. لذلك فما سيحدث في عهد بايدن خلال السنوات القادمة ربما تغيير بسيط في التكتيك السياسي، وفي شكل التعاطي السياسي مع الفلسطينيين والعالم، لكن لا احد يتوقع ان يتخذ من الاجراات ما يغضب اسرائيل وحلفائها داخل الولايات المتحدة، الا اذا كان التعاطي الفلسطيني والعربي مختلفا عن المرحلة السابقا، وهذا امر ما زال مستبعدا خلال المدى المنظور.
ان ما اتخذته ادارة ترامب خلال السنوات الاربع الاخيرة، لم يخرج عن المسار العام للاستراتيجية الأمريكية، وهي قضايا يمكن للرئيس القادم ان يملك هامش مناورة لتغييرها، هذا ان صح انه يمتلك الرغبة في تغييرها. ومن هذه القضايا التي تشكل بالنسبة للبعض "شروط" لا بد منها لعودة الامور الى ما قبل ادارة ترامب:
1) اقفال مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن. (وهذه قضية من المتوقع الرجوع عنها)
2) الاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل ونقل السفارة الامريكية اليها. (والمرجح ان هذه القضية ستبقى قائمة بذريعة انها اقرت بقانون، ولا يملك الرئيس صلاحية الغاء القانون، وهناك توقعات بالاستعاضة عنها بافتتاح القنصلية الامريكية في القدس الشرقية.
3) اعتبار الاستيطان الاسرائيلي في الضفة الغربية امرا مشروعا لا يتناقض مع القانون الدولي، وعلى هذه القاعدة دعم ترامب المشروع الاسرائيلي بضم اجزاء واسعة من الضفة. (وهذه مسألة ايضا يملك الرئيس هامشا واسعا للمناورة فيها، خاصة وان هناك قرارا صادرا عن مجلس الامن رقم "2334" عام 2016، اي في نهاية عهد الرئيس الديمقراطي باراك اوباما.
4) قطع المساهمة المالية الامريكية عن وكالة الغوث والمقدرة بنحو (360) مليون دولار. (واذا كانت التوقعات تجمع على اعادة الرئيس هذه المساهمة، خاصة اذا ما وافقت السلطة على العودة الى المفاوضات، غير ان الضغط على قضية اللاجئين سيبقى قائمة خلال الفترة القادمة). وفي هذه النقطة تحديدا يبدو لبنان واللاجئون الفلسطينيون المقيمون فيه معنيون بما سيحدث.
فالقرار الامريكي بتخفيض المساهمة الامريكية في موازنة وكالة الغوث لم يكن وليد ساعته، او جاء كرد فعل على رفض الشعب الفلسطيني والعالم لاجراءات الرئيس الأمريكي، بل كان جزءا من سياسة ممنهجة سارت عليها الخارجية الامريكية والبيت الأبيض منذ فترة، وتعاقب الحزبين على حمل رايتها.. ويمكن رؤية هذا الاستنتاج في العديد من القوانين والقرارات التي سنها واتخذها الكونغرس الأمريكي، ومن اهمها قانون لمجلس النواب الأمريكي صدر عام 2013 تحت عنوان "تعديل تمويل المساعدات الخارجية"، حيث الزم هذا القانون وزارة الخارجية بالتدقيق في اعداد اللاجئين الفلسطينيين لمعرفة من منهم يستحق المساعدات من قبل وكالة الغوث ثم شطب الذين لا يستحقون هذه المساعدة.
وعلى ارضية هذا القانون، وغيره، ستواصل الولايات المتحدة واسرائيل ضغطهما لتصفية حق العودة والغاء المكانة القانونية للاجئين بالسعي، مجددا، الى إلغاء صفة اللاجىء عن أبناء الجيل الثاني والثالث من اللاجئين الفلسطينيين والمس بالتفويض الممنوح دوليا لوكالة الغوث.. وهنا يمكن فهم خلفيات الاصرار الامريكي على اعطاء تعريف جديد للاجيء بحصر اللاجئين في اطار من هجر منهم فلسطين عام 1948، واسقاط صفة اللجوء عن ابناءهم واحفادهم. وهذا ما فعله رئيس وزراء العدو حين دعا "الى دمج اعمال وكالة الغوث بالمفوضية العليا لشؤون اللاجئين"، وغير ذلك من اجراءات لا زالت على طاولة مهندسي القرار الامريكي..
واذا كانت الادارة الجديدة جادة في سعيها لتخفيف حدة الصراعات في المنطقة واطلاق حوار مع دول المنطقة، فهذا يعني ان لبنان سيكون احدى الساحات التي قد تنعكس عليه هذه السياسة بالايجاب. غير اننا ننتظر كيف ستقدم الادارة الامريكية نفسها الينا والى العالم. وهي تدرك ان اول من سيضرر من عملية استمرار الضغط على اللاجئين، فيما لو تواصلت، هي الدول المضيفة ومن ضمنها لبنان. وقد تكون هذه احدى اهداف "صفقة القرن" التي سعت للايقاع بين اللاجئين والدولة اللبنانية التي ستكون من ضمن ضحايا هذه الصفقة، خاصة فيما يتعلق راهنا بقضايا التعليم والصحة وغيرها وهي امور تتولاها راهنا وكالة الغوث.. غير انه لا ينبغي التعاطي مع الاونروا باعتبار وجودها مرتبط فقط بتقديم الخدمات، على اهمية ذلك، بل ان وجودها سياسي وقانوني مؤقت مرتبط بتنفيذ القرار 194.
ان وكالة الغوث بالنسبة للاجئين الفلسطينيين في لبنان هي اشبه بقطاعهم العام، لذلك فمن شأن استمرار الازمة المالية، ليس الاضرار بالخدمات التي تقدمها الوكالة فقط، بل وبالبيئة العامة لمجتمع اللاجئين ما يشكل خطرا حقيقيا يتعدى حدود الخدمات وبما يطال الامن الاجتماعي لمجتمع اللاجئين، وهو ما يعني دق جرس انذار امام جميع القوى الدولية، والدول المانحة خاصة، من نتائج سياساتها التي قد تقود الى اضطرابات سياسية وامنية، في ظل ترويج البعض لفتنة بين اللاجئين وبعض الدول العربية، عنوانها التوطين، خاصة في بلد كلبنان يتمتع بخصوصية سياسية وطائفية معينة جعلت بعض تياراته تعيش في هاجس مفتعل لدرجة المبالغة اسمه "التوطين"، مع كل ما يرافق ذلك من اجراءات وسياسات ومواقف تضع اللاجئين على هامش المجتمع، ما ولد ويولد نتائج تتعدى انعكاساتها الحدود الجغرافية للمخيم وتدفع الى اتخاذ اجراءات استباقية ضد اللاجئين بذريعة الحفاظ على الكيانية السياسية وعلى الامن.
ومع ان اصواتا سياسية وفكرية وروحية وازنة وذات تأثير ملموس في الحياة السياسية اللبنانية مثلا قد تنبهت الى ضرورة التعامل مع خطر التوطين بالموضوعية الكافية، لجهة التمييز بين المصدر الحقيقي للخطر وهو اسرائيل وبين الفلسطينيين، ضحايا التوطين الحقيقيين، بما في ذلك ابراز وحدة الموقفين اللبناني والفلسطيني في رفض التوطين، والتأكيد على ان حق العودة وما يترتب عليه من دعم الصمود الاجتماعي للاجئين هو الرد المنطقي على التوطين والبديل له، الا ن هذه المواقف السياسية الموضوعية لا تلغي وجود اصوات لا زالت ترى في الوجود الفلسطيني في لبنان نفسه الخطر الحقيقي على لبنان، وترى ان مجابهة هذا الخطر تستوجب الخلاص من هذا الوجود، وهو ما قد يجد، في بعض الاحيان، آذانا صاغية لدى اطراف معينة داخل الادارة الامريكية السابقة والقادمة.
ان المطلوب اليوم هو تقديم مقاربات مشتركة فلسطينية لبنانية لبعض العناوين الخلافية، والتي من شأن التوافق بشانها حل الكثير من الإشكالات الراهنة وفي مقدمتها اخراج موضوعة التوطين من دائرة المزايدات او ربطها بكل قضية محقة تتعلق بالحقوق الإنسانية للشعب الفلسطيني في لبنان. والبناء ايضا على ما تحقق من نتائج إيجابية تم الوصول اليها نتيجة حوارات فلسطينية ولبنانية مطولة وإزالة رواسب الماضي بالاستفادة من إيجابياته، والانطلاق بروح التعاون والحرص المتبادل على المصالح المباشرة نحو معالجة الإشكالات الموجودة في ملف العلاقات الفلسطينية اللبنانية وبما يحفظ مصلحة وحقوق لبنان ويصون الهوية الوطنية الفلسطينية، وهذا ما يقتضي نظرة جديدة للحالة الفلسطينية في لبنان باعتبارها حالة وطنية ووفقا لوثيقة الرؤية التي توافقت عليها كتل وتيارات لبنانية سياسية وبرلمانية عام 2017..
إن هزيمة ترامب هي "هزيمة لمشاريعه وصفقاته العدوانية لحل القضية الفلسطينية. ورغم ان حقوق الشعوب لا تنتزع بالعواطف والتمنيات، الا ان الشعب الفلسطيني بشكل عام، واللاجئين بشكل خاص، سيظلون على امل في دفع السياسة الامريكية للتغير، انطلاقا من اعتبار ان افول نجم ترامب يعني افول مرحلة صعبة عاشها العالم، وأن الشعب الفلسطيني الذي صمد في وجه إدارة ترامب وعدوانه، سيواصل الصمود في وجه السياسات الاسرائيلية التي من المؤكد ان ستتواصل.. وهو ما يتطلب من قيادة السلطة ومنظمة التحرير الفلسطينية ان تكون اكثر صلابة في المرحلة القادمة التي قد تشهد بعض الضغوط خلال المراحل الاولية في نقاش اسس وآليات استئناف العملية السياسية..
Fathi.alkulaib1966@gmail.com
0096176944958 - بيروت
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق