نضال عبد العال
استكمالاً للمقال السابق، أود أن أناقش عنوانين يجري سوقهما لتبرير المشاركة في هذه الانتخابات المفصلية الخطيرة كما أراها.
يسوق بعض المتحمسين للمشاركة في هذه الانتخابات سبباً، يعتبرونه وجيهاً للمشاركة فيها، وهو أن مشاركة الجميع وتحديداً الفصيلان الأكبران، فتح وحماس، ستجعل عدم مشاركة بعض الفصائل أمر ليس ذو أهمية، بل وأكثر من ذلك، من لا يشترك يعزل نفسه، باعتباره أقلية ليس لها تأثير فعلي.
قد يكون هذا المنطق بشكل مجرد صحيحاً، لكن الموضوع المحدد والظروف والمعطيات المحيطة، تجعل من هذا المنطق ضعيفاً جداً، بل معكوساً لدرجة كبيرة. فطالما أن الموضوع المطروح مبدئياً، وليس تكتيكياً، فإن المسألة تصبح خلاف ذلك. ما نحن بصدده هو مسألة مبدئية غير قابلة للمساومة أو التكتيك. إن موضوع المشاركة في انتخابات تعطي الشرعية لاتفاق أوسلو ومدرجاته كافة، وتحديد منهج التنسيق الأمني وحماية العدو، وضمان متابعته للاستيطان بهدوء وأمن، هذا موضوع خطير وغير قابل للبحث من وجهة نظري. إن هذه الانتخابات في السياق المرسوم لها، بتشابك وتلاقي أجزاء المشهد الدولي والإقليمي، فإنها سوف توفر شرعية التعاطي مع تحسينات صفقة القرن، إنها مناسبة لإجراء تعديلات في خطة الاحتواء التي استخدمت طوال السنوات الماضية، حيث قامت الأطراف الإقليمية، التي تبدو أنها متعارضة مختلفة فيما بينها، المصري والقطري والتركي والسعودي والاماراتي، بعمليات احتواء بالمفرق لطرفي المعادلة في غزة والضفة، أما اليوم ومع اكتمال المشروع الإقليمي فإننا أمام عملية احتواء بالجملة، والانتخابات هي المكينة التي ستعجن هذا الخليط، وتجعله لزجاً طيعاً لتشكيل السلطة القادمة.
طالما أن القضية مبدئية، فإننا ننسجم مع مبادئنا في مقاربة هذا الاستحقاق، والذي ينطلق من مبادئه التاريخية وينسجم معها، لو كان أقلية، فسيكون أقلية صلبة ومتماسكة ويصعب عزلها وعدم احترامها واحترام دورها.
ثم إن فكرة العزل ذاتها بحاجة إلى نقاش، فهل نعزل أنفسنا في حال شاركنا؟ أم في حال لم نشارك؟
يجب أن نتحدث بوضوح وشفافية ولسنا في وارد خداع أنفسنا، إن دخول انتخابات المجلس التشريعي هو منافسة لفتح وحماس في ملعبيهما، هؤلاء حركتي سلطة، وجزء من تشابكات إقليمية سلطوية، هم في الحقيقة في ذات التموضع الاقليمي، ولولا فشل المشروع الإقليمي لما سمي بالربيع العربي، لما عادت حماس إلى التشابك مع محور المقاومة.
إذا، من الارتجال والخفة، حتى لا نقول غير ذلك، لاعتقاد بجدوى منافستهما في ملعبيهما. وعليه، إن مشاركتنا في الانتخابات، هي في الحقيقة عزل لأنفسنا عن قواعدنا وجمهورنا والنخب المستقلة التي نتقاطع نحن وهي في المبادئ وفي الخطاب السياسي، نحن نذهب إلى موضع ليس لنا، وفوق ذلك، نذهب عراة ومفككين ومختلفين على جدوى المشاركة من عدمها.
وارتباطا بالسؤال الأول، يساق سبب آخر لتبرير ضرورة المشاركة، وهو: اذا رفضنا المشاركة، ما هي الخطوة الثانية؟
اذا لم نشارك في الانتخابات، ماذا سنفعل، ما هي الخطوة الثانية؟ هذا سؤال مهم ووجيه، لكنه مطروح في الحالتين، اذا شاركنا في الانتخابات ماهي الخطوة الثانية؟ وإذا لم نشارك، ماهي الخطوة الثانية؟
علينا أن نتوقف أمام هذا السؤال بكل جدية ومسؤولية، إنه سؤال يتعلق بمستقبلنا كيسار، كيف نرى دورنا في مستقبل الصراع، والانعطافات الكبيرة والعميقة التي أفرزتها محطات عديدة على مختلف الأصعدة الفلسطينية والعربية والدولية.
وعندما يكون السؤال موجها لليسار، يفترض أن تكون الإجابات مبنية على أساس المنهج العلمي للفكر الذي ننتمي له. وهناك أسئلة كبيرة وجدية فيما يتعلق بقوى الثورة التي حددتها الإستراتيجية السياسية التنظيمية عام ٦٨، هل مازالت هذه القوى ذاتها؟ أم إننا أمام تشكيلات جديدة، لمعسكر قوى الثورة؟ هل ثمة شرائح فلسطينية باتت تتشابك مصالحها مع مصالح الاحتلال، وتحولت الى التبعية والسمسرة، هل ما زالت فتح تمثل حزب البرجوازية الوطنية، أم أنها أمام فرز عميق، كيف سيكون وما هي طبيعته؟
بالعودة إلى السؤال السابق الملقى على كاهلنا، ماهي الخطوة الثانية؟ في حال شاركنا في الانتخابات فإنه لم يعد هناك من خطوة ثانية، لقد أقفلنا الباب تمامآً، وسقطنا في المستنقع الطمي، ومن هو غارق في أوحال المستنقع من الصعب أن يمتلك برنامج انقاذ وطني، لشق طريق ثالث، لأنه ببساطة لا يستوي أن تكون في حالة شراكة مع الطرفين الأول والثاني، وتدعي أنك متمايز، وتريد أن تكون رائداً في شق الطريق الثالث، هذه فكرة ساذجة. الطريق الثالث حكماً خارج سياق أوسلو وكل لغواصته، ولا وهم بإمكانية اجراء انقلاب في الوظائف، في ظل المعطيات والوقائع المادية الداخلية والخارجية.
في حال المشاركة في الانتخابات تكون عملياً قد حسمت أمرك بأن تكون ذيلياً في موقع الشريك الضعيف والتابع لطرفين يحددان أصول اللعبة، وأنت والبقية يسيرون على الإيقاع المتفق عليه بينهما.
والعكس صحيح، في حال عدم المشاركة في الانتخابات التشريعية، فمن شأن هذا القرار أن يفتح الباب واسعاً للقيام بالخطوة الثانية، في الوقت الذي يكون فيه الطرفان السلطويان قد حسما أمرهما واختارا سبيلهما، فإنهما قد أفسحا المجال للطرف الذي قرر عدم المشاركة، ليملأ المكان الذي أخلوه في موقع المعارضة الوطنية الديمقراطية التقدمية، التي تقف خارج المستنقع، لتستقطب ما لا يقل عن ثلاثين إلى أربعين في المئة من قواعد شعبية ونخب ديمقراطية تقدمية، هي معارضة في النسق العام، ولكنها هائمة بدون محور استقطاب. والقوة المضافة في حال عدم المشاركة، أنك تلعب في ملعبك، التقدمي اليساري الثوري وأنت قوة أصيلة فيه، ولست تبارز الآخرين في ملعبهم.
لكن هذا ليس أمرا أوتوماتيكياً محسوماً تلقائياً ، بل يحتاج إلى قيادة كفؤة وقادرة وجريئة، تمتلك إرادة سياسية لشق الصخر وليس الرمل، قيادة تتخذ القرار بناء على رؤية واضحة مستندة إلى منهج علمي ومخزون نضالي وقيمي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق