شهدت شركة "فيسبوك"، في الأيام القليلة الماضية، نزوحاً من تطبيق "واتساب" إلى تطبيقات أخرى أكثر أماناً، بعد أن لجأت الشركة إلى ممارسة الـ"دكتاتوريّة الرقميّة" في تعاملها مع المستخدمين، عبر إجبارهم على الموافقة على مشاركة بياناتهم مع "طرف ثالث"، وإن كان للمستخدم رغبة بالرفض، سيكون أمام واقع لا "واتساب" فيه، حيث ستمنعه الشركة من الوصول إلى البرنامج حتى الموافقة الكاملة على طلباتها.
تم إنشاء تطبيق "واتساب" في العام 2009 على يد المليونيرين برايان آكتون ويان كوم، اللذان عملا كمبرمجين لصالح شركة "Yahoo" لمدة 20 عاماً، بهدف توفير منصّة تؤمن للمستخدمين التراسل وإجراء مكالمات بشكل مجاني، في إطار تشفير تام للمحادثات بعيداً عن الإعلانات.
في العام 2014، استحوذ مارك زوكربيرغ، مؤسس "فيسبوك"، على "واتساب" مقابل 22 مليار دولار. هذا التحوّل أدى بعد مدّة إلى خلاف بين آكتون وزوكربيرغ، الذي قال في اجتماع بين الرجلين أن "واتساب هو عبارة عن مجموعة منتجات بالنسبة له كما تطبيق إنستغرام"، وفقاً لآكتون. هذا الأمر دفع المؤسس القديم إلى التخلّي عن منصبه في العام 2017، وفق بند في عقد الشراء، يسمح لمؤسسي "واتساب" بالحصول على جميع أسهمهما في الشركة إذا بدأ "فيسبوك" بتنفيذ "مبادرات تحقيق الدخل دون موافقتهما"، مقراً في حديث لمجلة "فوربس"، بأنه باع خصوصية مستخدميه "لفائدة أكبر".
بعد أشهر من ترك مؤسسي "واتساب"، آكتون وكوم، لـ"فيسبوك"، تفجرت فضيحة "كامبريدج أنالاتيكا"، التي أظهرت جمع "فيسبوك" بيانات متعلقة بـ87 مليون مستخدم، 70.6% منهم في أميركا، من دون علمهم واستخدامهم في إطار الدعاية السياسية، حيث باعتهم لمؤسسة "كامبريدج أنالاتيكا" البريطانية التي تختص في الاستشارات السياسية وتحليل البيانات، في محاولة للتأثير على المستخدمين. تزامن ذلك مع مرحلة الإنتخابات الرئاسيّة الأميركية في العام 2016، ما اضطر مجلس الشيوخ والكونغرس الأميركيين لاستدعاء زوكربيرغ والتحقيق معه للشهادة بشأن تسريب بيانات مستخدمين بشكل غير شرعي.
الفضيحة التي تعرض لها "فيسبوك"، فتحت أعين المستخدمين على موضوع الخصوصية الرقميّة ومدى أمانهم خلال استخدام التطبيقات التي باتت جزءًا لا يتجزأ من يومياتهم. فمن "فيسبوك" و"إنستغرام"، تحولت الأنظار نحو "واتساب"، وارتفعت التساؤلات عن كيفية تعامل زوكربيرغ وشركاءه مع مراسلاتهم، معلوماتهم وبياناتهم. وفي هذا الإطار، تؤكد "واتساب" أن تطبيقها آمن حيث أنها تستخدم "التشفير التام، وعندما تكون رسائلك ومكالمتك عبر واتساب مشفّرة تماماً فهذا يعني أنها محميّة، وبالتالي لا يمكن لأحد، بما في ذلك واتساب، قراءتها أو الاستماع إليها سواك أنت والطرف الآخر الذي تتواصل معه".
الإشكاليّة في هذا المنحى لا تتعلق بالأمان، بل بمدى احترام شركة "فيسبوك"، من ضمنها "واتساب"، خصوصية المتابعين، فالأخيرة تقرّ في سياسة الخصوصيّة التي تتّبعها أنها تجمع نوعين من المعلومات، أحدها يقوم المستخدم بتقديمه لتشغيل التطبيق على هاتفه، والمعلومات الأخرى تقوم "واتساب" بجمعها تلقائياً عن المستخدمين من دون استشارتهم أو مواقفتهم.
هذه الأمور رغم خطورتها إلا أنها لم تشكل عائقاً أمام المستخدمين، الذين لم يكن لديهم الاهتمام الكافي بخصوصية معلوماتهم الرقمية، بالإضافة إلى عدم وجود بديل آخر لـ"واتساب" حينها، من استخدام التطبيق بشكل طبيعي على مدى سنوات خلت. إلا أن التحديث الأخير لـ"واتساب" الذي أعلنت عنه "فيسبوك"، أثار حفيظة روّاد التطبيق، والمهتمّين بموضوع الخصوصيّة على الإنترنت محلياً ودولياً.
ففي أوائل العام 2021، أعلنت "واتساب" منع مستخدميها الذين يرفضون الموافقة على تحديث سياسة الخصوصيّة الجديدة من استعمال حساباتهم اعتباراً من الثامن من شباط المقبل، حيث تسمح هذه السياسية بمشاركة بعض بيانات مستخدمي "واتساب" مع شركة "فيسبوك" المالكة للتطبيق وتخصيص مساحة للتفاعل مع الإعلانات.
"فيسبوك" التي تعهدت عند استحواذها على "واتساب" بعدم المسّ بخصوصية مستخدميها، لاقت العديد من الاعتراضات على السياسة الجديدة، ما دفعها إلى إصدار توضيح، زاعمةً أن "ما حدث نتج عن وجود معلومات مغلوطة"، مؤكّدةً أن "الشركة ستظل دائماً تحمي خصوصية المحادثات الشخصية من خلال خاصيّة التشفير التام بين الطرفين". ولفتت إلى أنّ "التحديثات الجديدة ستتضمن خيارات إضافية للأشخاص الذين يراسلون الأنشطة التجارية على "واتساب"، بغرض تعزيز الشفافية فيما يخص طريقة جمعها للبيانات واستخدامها لها".
ولبث الطمأنينة في نفوس المستخدمين، قررت "واتساب" تأخير الموعد الذي سيُطلب فيه من المستخدمين مراجعة شروط الخدمة وقبولها، لتوضيح وإزالة اللبس حول المعلومات المتعلّقة بكيفيّة المحافظة على الخصوصية والأمان على المنصة، وحينها ستعرض "واتساب" على المستخدمين وبشكل تدريجي مراجعة السياسة مع إتاحة الوقت الكافي لهم قبل طرح الخيارات الجديدة للأنشطة التجارية في 15 أيار".
الجدير بالذكر أن التحديثات التي ستجريها "واتساب" لا تسري في الاتحاد الأوروبي، الذي يجبر الشركات على التقيد بقانون "general data protection regulation-GDPR"، لحماية بيانات مستخدمي الخدمات الإلكترونية، كما يفرض غرامات ضخمة تصل إلى 4% من دخل الشركة في العام السابق على المخالفين.
هذا القانون يلزم الشركة بإيضاح ماذا تجمع من بيانات ومتى والسبب وراء ذلك، وتترك الخيار للعميل ليقرّر ماذا إذا كان يريد للشركة ان تستخدم بياناته لخدمات أخرى، أو الاحتفاظ بالبيانات لنفسه، ما يمنع الشركة من استخدامها. كما يجبر القانون الشركات على إضافة آليّة تمكّن المستخدمين من معرفة أو تحميل جميع البيانات المسجّلة عنهم لدى الشركة منذ بداية عملها حتى تاريخه، ويحق له تحميل هذه البيانات ومراجعتها في أيّ وقت يريده. وبالتالي القانون ينص على أن "بياناتك ملكك أنت وليست ملكاً للشركات".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق