طلال سلمان
يومياً، منذ ساعات الصباح الأولى وحتى ساعة متأخرة من الليل، تتبادل “القيادات” و”الشعب” الاتهامات القاسية، بحيث يبدو لبنان وكأنه “بلد الخراب” الذي لا خير فيه ولا أمل منه لا في الحاضر ولا في المستقبل.
فأما القيادات، ومن ضمنها أهل الحكم والمراجع الروحية والأحزاب، فتوجه إلى المواطن مسلسلاً لا ينتهي من المواعظ والدروس فيها الكثير من اللوم والتأنيب، وفيها أيضاً من التحريض والإثارة، وفيها ما يخرجه من دائرة الفعل بوصفه “قاصراً” لم يبلغ سن الرشد بعد ويحتاج الى وصاية وترشيد وولي أمر جبري.. وخياره الوحيد بين “الحاكم” المستفيد من حصانة السلطة التي تحميه من الحساب، وبين رجل الدين المستفيد من حصانة الموقع الرمزي الذي يعطيه حق “محاسبة” الآخرين.
خلاصة الاتهامات التي توجه من هنا وهناك إلى المواطن انه متسبّب في ما آلت إليه حال البلاد من دمار وخراب وضياع وخروج على الأصالة والتقاليد الموروثة، تارة لأنه “ضالع” في المسؤولية بالمشاركة الفعلية في ما حدث، وطوراً لأنه استنكف واعتكف فلم يتحمّل مسؤوليته في منع الحرب، مثلاً، أو في وقف التدهور الاقتصادي أو في منع هذا التردي الخطير في العلاقات الاجتماعية نتيجة لما أسماه رئيس الجمهورية، أمس، “أخلاق الحرب”.
بالمقابل، لا يفتأ هذا المواطن يشكك في قياداته السياسية، حاكمة ومعارضة (ومعظمها كان حاكماً من قبل) زمنية وروحية، حزبية و»مستقلة« يرميها بأشنع الصفات ويحاسبها غيابياً في الغالب الأعم عن أسباب مآسيه جميعا والإخفاقات التي مُنيت بها آماله (الوطنية) والأزمات التي تعصف بموطنه الصغير كما بحياته الشخصية: الحروب بمختلف جولاتها وشعاراتها و”إنجازاتها” الاجتماعية والاقتصادية، النفسية منها والمعيشية.
لا المواطن يكبر ويبلغ سن الرشد ويتحمل مسؤولياته، في نظر”قياداته”،
ولا “القيادات” تكتسب الشرعية الضرورية، في نظر المواطن، لكي يمحضها ثقته،
لا ثقة،
لا الحكم متين الثقة بمواطنه، إذ هو في نظره “كسول”، “عنطوز”، يطلب حياة مرفهة بغير تعب، يطلب الربح السريع بأي شكل ومن أي مصدر، يتهرّب من واجباته ويبالغ في “حقوقه”، لا يدفع الضرائب ويريد بالمقابل خدمات أرقى من تلك التي في السويد،
ولا المواطن مطمئن إلى نزاهة حكامه وقياداته، عموماً، خصوصاً وهو يسمعهم يتهمون بعضهم بعضاً مرة بالهدر أو بالفساد والإفساد، ومرة بالتعصب الطائفي والمذهبي، ومرة ثالثة بعدم الكفاءة، وأحيانا بهذه “المزايا” جميعا.
باختصار، فإن اللبنانيين، حكماً وجمهوراً، قيادات سياسية وروحية، موضع شبهة، على الأقل، إذ يبدو وكأنهم غير مؤهلين لأن يكونوا شعباً ودولة.
كيف السبيل إلى وقف هذه المهزلة المأساة؟!
إن كل طرف يذهب بسمعة الطرف الآخر، ورصيده المعنوي وأهليته،
وتكون النتيجة أن نصبح جميعاً أمام أفق مسدود، ويتهاوى الارتباط بين الشعب و”دولته”، وبين المواطن والمواطن، ونضيع جميعاً.
فكيف سيكون الحال مع انفتاح باب الانتخابات، البلدية والرئاسية، على مصراعيه؟!
الخوف أن تكون النتيجة: لم ينجح أحد!
ومع ذلك يستمر الجميع في تسفيه الجميع وفي شتم الجميع على صدى أغنية: “راجع راجع يتعمّر راجع لبنان”.
نشر هذا المقال في جريدة “السفير” بتاريخ 5 كانون الثاني 1998
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق