العربي الجديد
لا يلبث اللبنانيون أن يستفيقوا على أزمة ليودعوا أخرى، وآخرها فقدان حليب الأطفال من الأسواق، لتضاف إلى أزمات انهيار العملة (الليرة اللبنانية) أمام الدولار بخمسة أضعاف السعر المعتاد، وصولاً إلى جائحة كورونا وما فرضته من تداعيات صحية واقتصادية، تبعها انفجار مرفأ بيروت وسط ملابسات لم تفصح حتى الآن عن الدافع والفاعل الحقيقي بعد مرور خمسة أشهر، والتي على أثرها شهد لبنان سقوط حكومة الرئيس حسان دياب تحت ضغط شعبي، ليتوقف بعدها مسار تشكيل الحكومة الجديدة بعد تكليف الرئيس سعد الحريري، جراء استفحال الخلاف وعدم الوصول إلى بر الأمان بين حكومة مستقلين غير حزبيين، كمطلب يراعي الظروف الدولية، وبين حصص الطوائف في بلد دخلت فيه الحسابات الطائفية والحزبية حتى آخر موظف في الدولة.كل هذه الظروف القاسية التي يشهدها لبنان ألقت بظلالها على أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وهم الحلقة الأضعف ازدياداً في نسب الفقر والبطالة. فقد سبقت كل هذه الظروف أزمات لا تقل سوءاً، أثارها قرار وزير العمل السابق كميل أبو سليمان بوجوب استحصال الفلسطيني على إجازة عمل في آب/أغسطس 2019، والتي تسببت بفقدان الفلسطينيين من طبقة العمال المئات من الوظائف، ليعايش الفلسطينيون أيضاً أزمة تداعيات ما عرف بثورة 17 تشرين في العام نفسه، فأغلقت البلاد لتداعيات أمنية، ولكي لا يزج بالفلسطينيين في أتون مستعر من الخلافات اللبنانية انكفأوا في مخيماتهم.
لكن ما يشهده اللاجئون منذ شهر بعد الإعلان عن إغلاق البلاد بسبب ارتفاع نسب المصابين بكورونا يكاد يكون هو الأقسى. شهر كامل من إغلاق البلاد وتوقف عن العمل من غير تقديم أي مساعدة لمجتمع أغلبه من طبقة العمال تسعى لسد رمقها عبر العمل اليومي، وممنوعة من الخروج إلى الطرقات تحت طائلة التعرض لعقوبات مالية وقضائية.
الكارثة الكبرى حالياً، هي الدخول إلى المستشفيات اللبنانية، والتي تعاني من اكتظاظ ولم تعد لديها القدرة على استقبال المواطنيين اللبنانيين، فما هو مصير الفلسطيني؟
يطرح هنا سؤال بديهي عن دور من صلب مهام الأونروا، والذي على أساسه تم إنشاؤها، "إغاثة وتشغيل اللاجئين". ويحتار الفلسطينيون بكيفية التعامل بين مطرقة من أياد عربية متآمرة لإلغاء عملها، ومطرقة الإهمال والتذرع بضعف التمويل.
وإن كانت الأونروا مسؤولية دولية، وهي الأولى أن تكون عربية تمويليلاً، إلا أن العرب مشغولون بالتطبيع، فهذا ربما لا يمنع أن نطرح سؤالاً عن أداء الأونروا في لبنان منذ انطلاق الجائحة فيه مع أول إصابة سجلت في 21/2/2020، فهو أداء يكاد يكون أشبه بالفضيحة.
فالأونروا، مع بداية الجائحة، كما أعلنت، اكتفت بأخذ الاحتياطات اللازمة في مستوصفاتها، والتي بالمناسبة يمكن أن تكون مستوصفاً واحداً "كمخيم برج البراجنة" في بيروت، والذي يبلغ تعداد سكانه، حسب الأونروا 16 ألف نسمة، هذا إذا لم نضف إلى تعداد سكانه في السنوات الماضية من النازحين الفلسطينيين والسوريين بسبب الأزمة السورية، ليربو، حسب تقديرات، على 50 ألفاً.
وكان من المتوقع في أقل تقدير أن تقوم الأونروا بتوزيع كمامات أو مواد تعقيم في مخيمات مكتظة ضاقت بأهلها، فهي حتى لم تكلف نفسها العناء، كما يقال، "بذر الرماد في العيون"، برش أزقة المخيم الضيقة بمعقمات، بل قامت بذلك الفصائل وبعض المؤسسات الصغيرة بجهود فردية.
وبعد طول مناشدة، وازدياد الأوضاع سوءاً، طالعتنا الأونروا ببشرى توزيع مساعدة مالية بقيمة 50 دولارا لكل عائلة، استلمتها العائلات بذل من المؤسسات المالية المكلفة بالتوزيع، تخللتها فوضى، وظهرت فيها الأونروا أشبه بمؤسسة صغيرة مهملة لم تقم بتحديث بيانات اللاجئين فضاع الحابل بالنابل.
أما الكارثة الكبرى حالياً، فهي الدخول إلى المستشفيات اللبنانية، والتي تعاني من اكتظاظ ولم تعد لديها القدرة على استقبال المواطنيين اللبنانيين، فما هو مصير الفلسطيني؟ ففي ما سمي في إطار جهودها لمكافحة الوباء، أعلنت تكفلها بقيمة العلاج للحالات الخطرة من المصابين حصراً في المستشفيات الحكومية التي امتلأت عن بكرة أبيها، وادعت أن مركز سبلين (معهد تدريب تابع للأونروا في قضاء الشوف)، مجهز للحجر، وهو بعيد عن باقي المحافظات، ولا يتوفر فيه، حسب معلوماتي، سوى فرش متواضع، ولا تقدم فيه أي خدمة صحية، فعن أي حجر صحي تتحدث؟.
كان من البديهي أن تقوم الأونروا بجهود للاستحصال على أجهزة تنفس اصطناعي لتوزيعها على مراكز صحية في المخيم لتخفيف الأزمة قدر الإمكان، في ظل إصابة ثلاثة آلاف لاجئ، توفي 150 منهم، والرقم معرض للازدياد، لكن للأسف، لا حلول، ولا جهود، بل موقف المتفرج، وكل يوم نفقد أشخاصاً في المخيمات.
أمام كل هذه المعطيات، هل نخطئ إذا طرحنا تساؤلاً عن التحقيق بشأن مؤسسة كهذه، في ظل أداء أقل ما يقال عنه إنه دون الحدِّ الأدنى المطلوب، وهل فتح ملفات الأونروا للتحقيق في ظل هذا الإهمال، وتحميل المسؤوليات، في ظل امتيازات للموظفين بدرجات متفاوتة، وعدم اتخاذ موضوع الأزمة المالية كشماعة وتهديد لكيانية الأونروا؟ فإن كان الفلسطينيون يتفهمون الأزمة المالية، فهل يجب أيضاً أن يتحمل اللاجئون سوء التخطيط والإدارة، وسوء التعامل الطويل في حده الأدنى مع الأزمات والكوارث؟.
لقد أثار فتح الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، في يوليو/تموز 2019، تحقيقاً حول تهم فساد في الأونروا في عهد المفوض العام السابق بيار كرينبول حفيظة الفلسطينيين، معتبرين ذلك مؤامرة إسرائيلية أميركية، لكن إليس ترك الفلسطينيين لمصير مجهول سياسي وصحي ويتهددهم الجوع هو جريمة تستحق التحقيق؟.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق