محمد أبو ليلى/
باحث في الشأن السياسي الفلسطيني
ينظر الشعب الفلسطيني داخل وخارج فلسطين، إلى أن تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية (م.ت.ف) عام 1964 مـ، انجازًا استراتيجيًا، استطاعت من خلالها (م.ت.ف) إيجاد البيئة المناسبة لتسخير أمكانات وقدرات الفلسطينيين في خدمة القضية الفلسطينية وخاصةالعسكرية منها. ومثلت (م.ت.ف) مع بداية تأسيسها، الإطار الممثل لقوى الثورة الفلسطينية المسلحة، وكانت مسؤولة عن حركة الشعب الفلسطيني في نضاله من أجل استرداد وطنه وتحريره والعودة اليه، وحق تقرير مصيره، في جميع الميادين العسكرية والسياسية والمالية وسائر ما تتطلبه القضية الفلسطينية على الصعيدين العربي والدولي.
وشكلت (م.ت.ف) بداية السبعينيات من القرن الماضي، مظلة للعمل العسكري والسياسي لفلسطينيي الشتات تحديدًا، إذ عملت على استيعاب عشرات الآلاف من الشباب الفلسطيني والحقتهم بصفوف "جيش التحرير " حيث اعتبرت (م.ت.ف) أن العمل الفدائي بشكل نواة حرب التحرير، و"يقتضي تصعيده وشموله وحمايته وتعبئة كافة الطاقات الجماهيرية والعلمية الفلسطينية وتنظيميها وإشراكها في الثورة الفلسطينية المسلحة".
ومع تلاشي وظهور انقسام في الموقف العربي الرسمي تجاه القضية الفلسطينية، ذهبت (م.ت.ف) إلى طرح البرنامج المرحلي بنقاطه العشرة لتتحول (م.ت.ف) من مشروع تحرر وطني إلى تبني المرحلية في النضال الوطني الفلسطيني.
وبخروج (م.ت.ف) من لبنان 1982، خسرت (م.ت.ف) برحيل قواتها واجهزتها، التي كانت تعد القاعدة الآمنة التي كانت توفر لها حرية التحرك السياسي والعسكري، ورقة الكفاح المسلح التي استخدمتها لتثبيت دورها كطرف أساسي في الصراع، لتنزلق بعدها في تحول دراماتيكي تنازلي كما يراها الراحل شفيق الحوت، وهو يوم التاسع من أيلول 1993، يوم الرسائل المتبادلة بين الراحل ياسر عرفات وإسحاق رابين، تمهيدًا لاتفاق أوسلو، والتي تحولت (م.ت.ف) بموجب هذا الاتفاق من منظمة لتحرير الوطن إلى منظمة لتبرير مسلسل التنازلات السياسية والوطنية، ومنها الاعتراف بـ "إسرائيل" والتنازل عن تحرير الأرض المحتلة عام 1948، والتخلي عن الكفاح المسلح كوسيلة أساسية أو وحيدة لتحرير الأرض، واعتماد طريق المفاوضات كإستراتيجية وحيدة لتحصيل حقوق الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1967.
ومع هذا التحول الاستراتيجي لأداء (م.ت.ف)، ما بعد أوسلو تحديدًا، بات فلسطينيي الخارج دون إطار قيادي يمثلهم، إذ تحولت (م.ت.ف) من مظلة تجمع شمل الشعب الفلسطيني داخل وخارج فلسطين، إلى وزارة أو دائرة أو لجنة من لجان السلطة الفلسطينية، وتحولت كافة دوائر مؤسسات (م.ت.ف) إلى غرف للانعاش السريري واصبح مجلس الوطني الفلسطيني الذي جرى عليه الزمن، إلى "مصفّر ومصفّق وراقص على أوتار التنازلات المخزية".
في السياسة، توصيف الواقع شيء أساسي لبناء قراءة مستقبلية محكمة يبنى عليها توصيات وخلاصات، وعليه يجب أن نقر أن (م.ت.ف) عام 1964 غير (م.ت.ف) 2021، وأنه آن الآوان إلى إعادة تصويب هذا الانجاز التاريخي في إعادة تشكيل هيكليتها وتحقيق طموح وتطلعات الشعب الفلسطيني في إعادة تطويرها وبناءها.
الدافع لكتابة هذه السطور أو هذا المقال، يعود إلى أن هناك فرصة حقيقية لإعادة بناء وتفعيل وإصلاح (م.ت.ف) على اسس استراتيجية، تتبنى المقاومة كخيار اساسي في مشروع التحرير، تقوم على صياغة ميثاق وطني يؤكد على الثوابت الوطنية ( الأرض ، الهوية الوطنية، إقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة، حق تقرير المصير، القدس)، وإعادة تفعيل دوائر ومؤسسات (م.ت.ف) المختلفة (النقابية – الإعلامية – الدبلوماسية – السياسية – التعليمية)، وفصل (م.ت.ف) عن السلطة الفلسطينية من حيث الرئاسة والخطط والبنى الإدارية والمؤسسية، والعمل على جعل (م.ت.ف) الهيئة العليا لتمثيل الفلسطينيين في داخل فلسطين وخارجها، وإعادة النظر في التنازلات التي أضرت بالقضية الوطنية والعمل على إلغائها.
الثابت الأكيد، أن فرصة تحقيق إعادة بناء وتفعيل (م.ت.ف) يكمن بانتخاب مجلس وطني جديد (هنا تكمن اهمية الانتخابات القادمة) يمثل الكل الفلسطيني (داخل وخارج فلسطين)، يفرز قيادة فلسطينية جديدة، يصيغ اسس منظمة التحرير الفلسطينية ومخططاتها وبرامجها، وينبثق عنه لجنة تنفيذية تشرف بشكل مباشر على برنامج عمل (م.ت.ف).
إن فلسطينيي الخارج، يتطلعون إلى اعادة بناء (م.ت.ف)، واشراكهم في التمثيل وصناعة القرار الوطني الفلسطيني، مما يعزز من إمكاناتهم وتسخيرها في خدمة القضية الفلسطينية، وينمي دروهم في مشروع التحرر الوطني من الاحتلال، ويعيد الزخم للقضية الفلسطينية على المستوى الإسلامي والعربي والدولي، مما يعطي زخم وقدرة عالية في إحداث تغيير في المعادلة السياسية الفلسطينية.
ختامًا إن القضية الفلسطينية تمر بظروف سياسية عالية الدقة، في ظل تغيرات استراتيجية على المستوى الاقليمي والدولي، تبدأ بسلم اولويات دول المنطقة ولا تنتهي بالانفتاح العربي على الكيان "الإسرائيلي" من باب تطبيع العلاقات السياسية والاقتصادية والامنية، كلها عوامل تدفع إلى ضرورة ترتيب البيت الفلسطيني الداخلي، والتوافق على برنامج وطني موحد يواكب المتغيرات ويقف في وجه العبث السياسي ويتبنى مسار عمل يصب في نهاية المطاف على خطى التحرير والعودة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق