جهاد سليمان
عضو اللجنة المركزية للجبهة الديمقراطية
لتحرير فلسطين
تقف القضية الوطنية الفلسطينية، وفي قلبها الحركة
الوطنية، أمام مفترق طرق، بفعل حالة الترهل الغير مسبوقة للنظام السياسي الفلسطيني،
وآليات إدارة الحياة السياسية والمؤسساتية الفلسطينية، التي وصلت الى حائط مسدود،
بفعل تخلف المنهج والمنهجية في إدارة الدفة السياسية، مما أدخل النظام السياسي
الفلسطيني، ومنذ توقيع إتفاقية "أوسلو" في حالة اضمحلال تدريجي، باتت
ملامحه تظهر بشكل جلي وواضح، بعد الفشل الكبير، في المسار السياسي الأحادي الجانب،
الذي إختارته القيادة الرسمية الفلسطينية، والمهيمن على المؤسسات الرسمية
الفلسطينية، كممر وحيد وأوحد، لحل الصراع
القائم على الأرض والهوية والتراث والتاريخ، مع عدو إستيطاني إحلالي، يسعى في كل
يوم، الى تكريس سياسية الأمر الواقع، وفرض الوقائع الميدانية، لتنفيذ مخططه
الاستيطاني الإحلالي على الأرض الفلسطينية، تحت مظلة السلام المزعوم، وعلى أنغام
سيمفونية "المفاوضات" هي الطريق الوحيد والأوحد، للوصول الى الحل
الشامل، في السلام المزعوم إياه، الى أن خرجت من أدراج البيت الأبيض، وثيقة
نتنياهو واليمين المتطرف الصهيوني، التي عرفت "بصفقة القرن"، لتكشف عن
هشاشة النظام السياسي الفلسطيني "المغتصب"، من حيث ما تضمنته الصفقة، من
بنود سياسية، تضرب بعرض الحائط جميع الركائز التي قامت عليها سياسة المفاوضات، وعكست جوهر المشروع الصهيوني
ومستقبله على الأرض الفلسطينية، في ظل أوهام ما سمي بالمعركة الدبلوماسية
والسياسية، لدى فريق التفرد السياسي، الذي أصيب بوهم القناعة، بإمكانية الوصول الى
حل شامل للقضية الفلسطينية، في ظل إختلال موازين القوى الحاسم، لصالح العدو
الصهيوني، الذي وبالإضافة لتفوقه العسكري، إستطاع كسب معركة فرض سياسية الأمر
الواقع على الأرض، وتثبيت جميع المقومات التي تحول مشروع ما يسمى بدولة إسرائيل
الكبرى، الى حقيقة مقابل الوهم والتضليل، في إمكانية تحقيق أهداف حركة التحرر
الوطني، بالدخول إلى حلبة المفاوضات مجردين من
جميع عناصر القوة.
في المقابل، إنعكس الانقسام الفلسطيني بين مغتصبي السلطة
السياسية، في الضفة الغربية وقطاع غزة، بنتائج كارثية، فاقمت حالة إحتضار النظام السياسي الفلسطيني، الذي وضع بعد
(2007)، على سرير الإنعاش، وأدخل الى رئتيه مصدرين للتنفس، ترتفع نسبة ضخ
الأوكسيجين وتنخفض، بإرشادات أطباء الإنعاش، الإقليميين والدوليين، ووفق معيارية
الحاجة والتقدير، لكمية الأوكسيجين ومعدلها المرتبط بفتح معبر هنا، أو الافراج عن أموال هناك، ناهيك عن السقوط في
مستنقع الإحتراب السياسي والإعلامي، والوصول الى قعر التشويه في أدبيات العمل الوطني
السليم، الذي يضع مصلحة الوطن، والتناقض مع العدو الصهيوني في أولويات الحركة
الوطنية، وهذا أيضا ما وضع العثرات المتتالية، أمام تقدم الحركة الوطنية
الفلسطينية، نحو انجاز أهدافها الوطنية، وضرب جميع الإمكانيات، للوصول الى برنامج
نضالي (تنظيمي-سياسي)، ينطلق من واقع الاحتلال ومشروعه الاحلالي على الأرض، ويرسم
معالم المواجهة وفق الحاجة الفعلية للجماهير الفلسطينية، ورفع كلفة الاحتلال
وتدفيعه الثمن الباهظ، في معركة الاستنزاف المستمرة، بالتزامن مع نضال سياسي
ديبلوماسي، يقرأ جميع المتغيرات السياسية الدولية، ويتعامل معها انطلاقا من
المصلحة الوطنية الفلسطينية البحتة، ومن مفهوم أن الشعب الفلسطيني مازال يخوض
معركة تحرر وطني، وأن المرحلة الراهنة هي مرحلة كفاح ونضال للوصول الى أهداف
التحرر الوطني، بثوابتها القائمة على
انتزاع حق تقرير المصير على الأرض الفلسطينية، وفي الدولة المستقلة كاملة السيادة
بعاصمتها القدس وعودة اللاجئين الفلسطينيين كما أقرتها الشرعية الدولية ذات الصلة
بالقضية الفلسطينية،
في ظل حالة الترهل الشديد، والمخاطر الكبيرة التي تعيشها
القضية الوطنية، تأتي الانتخابات الفلسطينية الشاملة، لتعيد وضع النظام السياسي
الفلسطيني، على طاولة الحركة الوطنية الفلسطينية، وهي الانتخابات التي طال
انتظارها، وشكلت مطلبا وطنيا وجماهيريا، بعد فشل جولات الحوار المتعددة من حيث
المضمون والمكان، في الوصول إلى وحدة وطنية فلسطينية، تنهي حقبة الانقسام
والإحتراب الفئوي، التي أصبحت سمة المرحلة الفلسطينية، خاصة وأن مخرجات اجتماع
الأمناء العامين الذي انعقد بتاريخ (3\9\2020)، عبرت بشكل واضح عن حالة التعثر
الشديد، التي يمر بها النظام السياسي الفلسطيني، والحاجة الماسة للخروج من هذا
المستنقع، الذي هوت إليه الحركة الوطنية الفلسطينية، بفعل سياسة الفئوية والتسلط
والهيمنة، الممارسة من طرف الحزبين الحاكمين في الضفة الفلسطينية وقطاع غزة، وهذا
ما يجعل من محطة الانتخابات، حدثا مفصليا في مسيرة الحركة الوطنية الفلسطينية،
وحاجة ماسة عبرت عنها الجماهير الفلسطينية، من خلال نسبة التسجيل المرتفعة، لممارسة الحق الديمقراطي للمواطن الفلسطيني في
الانتخاب، وعدد القوائم المسجلة لخوض الانتخابات المرتفع، والذي وصل الى (36)
قائمة بين (فصائل وحركات شبابية وعشائرية ورجال اعمال ومستقلين)، وهي انعكاس طبيعي
وحتمي، وتعبير واضح عن تعطش الجماهير الفلسطينية، الى إحداث تغيير كيفي، في أسلوب
إدارة الحياة السياسية الفلسطينية، وهو تعبير نابع أيضا من تخوف واضح وحقيقي، من
تطور الهجمة الصهيونية على الأرض الفلسطينية دون رادع حقيقي، مما يضع حقوق الشعب
الفلسطيني الوطنية، على المحك، وعرضة لخطر الضياع والتلاشي، بعد أكثر من (72)
عاما، من التضحية والكفاح قدم الشعب
الفلسطيني خلالها آلاف الشهداء والجرحى والأسرى والمعاناة..
مما لا شك فيه، أن الانتخابات كحق ديمقراطي، تمثل أرقى أشكال إعادة إنتاج وبناء وتطوير
النظام السياسي في أي دولة في العالم، وأنه وفي حالات التعثر السياسي والاقتصادي،
تلجأ الدول المتقدمة الى الشعب، لإعادة تصويب المسار السياسي، إلا انه وفي الحالة
الفلسطينية، يجب الأخذ بعين الاعتبار، لشكل النظام السياسي المنوي إعادة إنتاجه
وهو الأساس، فالإنتخابات الفلسطينية بجميع محطاتها، يجب ان تعيد انتاج مسار سياسي
فلسطيني جديد، يتعامل مع الواقع المفروض على الأرض الفلسطينية، وينظر الى المرحلة
الراهنة، بإعتبارها مرحلة تحرر وطني، بكل
ما للكلمة من معنى، وبما تحتاجه هذه المرحلة من آليات وأساليب عمل، تستجيب لهذا
الواقع، وهو ما يعيد توجيه البوصلة الفلسطينية في الاتجاه الصحيح، أي الاتجاه
الاشتباكي مع الاحتلال، فالمؤسسات الفلسطينية في السلطة الفلسطينية وداخل منظمة
التحرير الفلسطينية، يجب أن تلعب الدور الإشتباكي وإدارة مرحلة التحرر الوطني،
خدمة لبرنامج سياسي نضالي جامع، يشكل القاسم المشترك للكل الفلسطيني، (فصائليا
وجماهيريا)، وأي محاولة لإعادة انتاج نظام سياسي فلسطيني، يخدم مصالح فئوية لأحزاب
السلطة، ويعيد تقسيم الامتيازات على قاعدة، "شرعنة"، إستمرار حالة
الهيمنة، والتفرد في إدارة الملفات الوطنية الكبيرة، في تجاوز لحقيقة المشروع
الصهيوني الآخذ بالتدحرج على الأرض الفلسطينية، فسوف يؤدي الى كارثة وطنية حقيقية،
ستدخل الشعب الفلسطيني في نفق مظلم، ومتاهة جديدة، لن تصب الا في صالح أعداء الشعب
الفلسطيني ومؤامراتهم، فإما ان تكون الانتخابات رافعة للنضال الوطني الفلسطيني،
وإنطلاقة جديدة لمسار التحرر الوطني الفلسطيني، وإلا فلن تكون إلا مقبرة للنظام
السياسي الفلسطيني، ومعه الحركة الوطنية الفلسطينية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق