ماهر الصديق
قد لا يكون للنكبة مراحل الا في الحالة
الفلسطينية التي تتميز عن غيرها بتميز الشعب
الفلسطيني
و بقوة ارادته و بسرعة انتقاله من واقع الى آخر و بعشقه اللامتناهي لوطنه .
لقد
كانت المرحلة الاولى هي اقسى المراحل في زمن النكبة ، انها مرحلة الاقتلاع من
الوطن
و مواجهة تحدي الوجود و الحفاظ على الهوية و الصبر على آلام التشرد . كانت
مرحلة
اثبات البقاء على الامل ، أمل العودة . انها مرحلة تنشيط الذاكرة المثقلة باعباء
الواقع الجديد ، كي لا تتأثر الذاكرة المتقدة
بالظروف الانسانية القاهرة ، و حتى يبقى
المكان الحقيقي الذي لا حياد عنه هو ذاك الذي
يرقد في باطنه رفات الاجداد ، هناك حيث
تكثر كروم
الزيتون و التين و العنب ، و حيث كان الانبياء عليهم السلام و من بعدهم
الصحابة و
التابعين يفضلونه على اي مكان في الارض . تعرض الفلسطينيون لابشع
عملية تنكيل من اقاربهم العرب لجعلهم منشغلين
بطعامهم و شرابهم و تنقلهم و
استقراراهم ، حتى ينسوا فلسطين . كان الحديث عن فلسطين تهمة يستحق عليها
المتحدث ان يخضع للتحقيق او التعذيب ، و كان الاقتراب من حدود
فلسطين عملا
من
اعمال الشغب و تجاوزا للقوانين المرعية
التي نصت عليها اتفاقات الهدنة التي اعقبت
النكبة .
كان على الفلسطيني ان يغذي اولاده بالطعام لابقائهم على قيد الحياة ، و ان
يغذيهم بعشق فلسطين خشية عليهم من النسيان . هذه
الظروف القاسية قادت الفلسطيني
الى مرحلة التفكير بالثورة ثم الانخراط بكل قوته
فيها و التضحية بكل ما يملك من اجل
استمرارها
. هذه مرحلة كانت اخطر من سابقتها لانها لا بد من اصطدامها بجيوش
و
انظمة انشئت خصيصا لحماية كيان الاحتلال . كان على الفدائي ان يحسب حسابة
جيدا و
ينتبه في خطواته و ينظر الى الامام تارة و الى الخلف تارة اخرى . كان عليه
ان
يحذر و يتوقع ان تنطلق نحوه رصاصة من الامام و رصاصتين من الخلف ، كان
الرصاص
من الخلف اكثر ايلاما و فتكا ، لكنه مضطر للصبر عليه لان هدفه كان
فلسطين
و لا شيئ غير فلسطين . كانت تلك المرحلة من مراحل النكبة بكل ما فيها
من
آمال و آلام تؤسس للمرحلة القادمة ، مرحلة تكون المارد المقاوم ، الذي ترعرع
في
اجواء ضبابية . هذا المارد عليه ان يتعلم من تجارب آبائه ، و عليه ان يتعلم
و يطوع
العلم لخدمة الوطن . انه امام مرحلة ابتكار التوازن على طريق بناء التفوق .
انه
امام كتلة من الاعداء بعضهم يتكلم العبرية و بعضهم يرغب بتعلمها لانه يعشق
من
يتكلم بها . كان على المقاوم ان يواجه معسكر من الاعداء ، يشبهونه باللغة
و
الشكل و الثياب و التاريخ و النسب و لا يشبهونه بالكرامة و البسالة و لا بالدين
و
القوة و الصمود و الارادة . كان عليه ان يسير بشكل لولبي حتى لا يصطدم
بتلك
الكتلة المتهاوية المتهالكة نفسيا و وطنيا و اخلاقيا ، و حتى يصل لمكان
يواجه
به عدوه الذي استولى على ارض اجداده و دنس مقدساته و اذل امته .
على
المقاوم ان يسير بطريق طويل متعرج و مظلم احيانا حتى يدك حصون
اعدائه
الصهاينة و يقلب الموازين و يثبت ملكيته للارض المقدسة . لقد تمكن
المارد
الفلسطيني الشجاع ان يصل الى المرحلة الحاسمة و الاخيرة من مراحل النكبة
و التي
لا بد من ان تتوج بالانتصار ، انتصار الارادة الفلسطينية و الاستبسال الفلسطيني
على
المعسكر الآيل للسقوط . انها مسألة وقت ، و من يصبر اكثر هو من يحقق
النصر
، و من على وجه الارض اكثر صبرا من
الفلسطيني ؟ ان شعبنا قريب جدا
من
ساعة الحسم ، انه في الخطوات الاخيرة من طي صفحة النكبة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق