إعداد: بدر أبو نجم
ملخص:
هدفت الدراسة إلى التعرف على محددات ومنطلقات السياسة الخارجية الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية في فترة إدارتي أوباما وترامب، وتمحورت إشكالية الدراسة في سؤال رئيسي مفاده: ما هي منطلقات السياسة الخارجية الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية في فترة حكم كل من إدراتي أوباما وترامب؟. وانطلقت الدراسة من فرضية أساسية مفادها أن الإدارتين لم تغيران شيء في جوهر القضية الفلسطينية، باستثناء إدارة ترامب التي أنهت فكرة حل الدولتين؛ واستعانت الدراسة بالمنهج الوصفي وكذلك بالمنهج التاريخي في قراءة واقع الإدارات السابقة التي تولت حكم البيت الأبيض، وكيف تعاملت مع ملف الصراع، وكذلك وصف السياسة الخارجية الأمريكية تجاه القضية، وما آلت إلية على مدى تعاقب الولايتين السابقتين. وخلصت الدراسة إلى مجموعة من النتائج كان أهمها أن الولايات المتحدة تتبنا وجهة النظر الإسرائيلية في شكل التسوية مع الفلسطينيين، بسبب تأثير اللوبي اليهودي على صنع السياسة الخارجية الأمريكية، كما إستطاع اللوبي أن يمنع بعض الشخصيات المعادية لإسرائيل من إعادة ترشحهم في الكونغرس، مما يجعل غالبية كبيرة فيه يخضع لتوجهاته الذي يشكل الدرع الحصين لإسرائيل، وبالتالي القرار الأمريكي يكون بنكهة إسرائيلية، كما أن الولايات المتحدة مستمرة بدعم إسرائيل اقتصادياً وسياسياً وعلمياً وعسكرياً لتحافظ على تفوقها في المنطقة لضمان المصالح الأمريكية، وبالتالي تمسك الإدارات السابقة بإدارة الصراع ولس العمل على حله.
مقدمة:
شهدت العلاقة الأمريكية الفلسطينية تأثراً كبيراً في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي اتخذ العديد من الإجراءات أحادية الجانب بهدف تصفية القضية الفلسطينية؛ وبرز ذلك من خلال نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، والاعتراف بأنها عاصمة لإسرائيل، وشرعنة الإستيطان في الضفة ، ما أدى إلى تقويض إقامة دولة فلسطينية على أساس حل الدولتين بعاصمتها القدس الشرقية.
لا بد لأي رئيس أمريكي أن يتدخل في حل المشاكل الدولية، كونها ما زالت على رأس هرم النظام الدولي. ويتقاطع ويتباين بعض الرؤساء في كيفية إدارتهم للصراع الفلسطيني الاسرائيلي؛ لكن أغلب الإدارات حافظت على وجوب حل الدولتين تماشياً مع قرارات الشرعية الدولية، لكنها اكتفت بإدارة الصراع وليس حله، تماشياً مع المصالح الاسرائيلية التي تعتبر من سلم أولويات الولايات المتحدة، فالإختلاف بين الأخيرة وأسرائيل ليس على المبدأ وإنما على التفاصيل الصغيرة؛ فإسرائيل تعتبر الحليف الاستراتيجي الوحيد في المنطقة.
ثمة اختلاف كبير بين الإجراءات التي قام بها ترامب لحل القضية الفلسطينية، وبين ما قام به باراك أوباما الذي تولى الحكم لثماني سنوات متتالية قبل ترامب. “وشكّل أوباما عدم وفاء، بالوعود التي قطعها على نفسه تجاه الملف الفلسطيني خلال ولايتين رئاسيتين سواء بإطلاق عملية المفاوضات أو وقف الاستيطان”.
لم يستطع أوباما في سياسته الخارجية تجاه القضية الفلسطينية أن يخرج عن سياسات الإدارات الأمريكية السابقة، بل كان منحازاً بشكل كامل إلى إسرائيل، عكس التوقعات التي كانت تشير إلى أنه سيحدث تغييراً جوهرياً في السياسة الخارجية الأمريكية عقب توليه الحكم، ذلك بسبب وجود مؤسسات وجماعات مصالح قادرة على الضغط والتأثير في صنع القرار.
السياسة الخارجية الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية خصوصاً في عهد إدارتي أوباما وترامب، انتهجت نفس سياسات الإدارات السابقة، لكن بمنطلقات مختلفة، في ذات الوقت تخضع هذه السياسات والمنطلقات لقرار اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة الذي يرسم سياسة أمريكا الخارجية.
تطرح هذه الورقة البحثية إشكالية رئيسية مفادها:
ما هي منطلقات السياسة الخارجية الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية في فترة حكم كل من إدراتي باراك أوباما و دونالد ترامب؟ وكيف يؤثر اللوبي اليهودي على السياسة الخارجية الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية؟
أولاً: مرحلة الرئيس باراك أوباما (2009_2017):
يسعى هذا المبحث إلى إبراز ما قام به أوباما في فترة تولي إدارته حكم البيت الأبيض تجاه القضية الفلسطينية، ومنطلاقته ومبادراته من قضية حل الدولتين واللاجئين والاستيطان، أي ما يعرف بقضايا الحل النهائي بين الفلسطينيين والاسرائيليين.
أظهر أوباما تعاطفه مع القضية الفلسطينية في فترة عمله السياسي قبل وصوله إلى مجلس الشيوخ الأمريكي عام 2005؛ وخلال حملته الانتخابية، قال في أحدى الوكالات الصحفية الأمريكية “ما من أحدٍ عانى أكثر من الشعب الفلسطيني”؛ ويبدو أن أوباما خلال حملته الانتخابية كان ينادي بضرورة حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والمضي قدماً في عملية السلام من خلال حل الدولتين، وإقامة دولة فلسطينية على حدود عام 1967. وسرعان ما جلبت له هذه التصريحات الكثير من الانتقادات من قبل اللوبي اليهودي، ومنافسته عن الحزب الديمقراطي هيلاري كلنتون؛ ما جعل إدارة حملته الانتخابية تعيد النظر في توجهات أوباما تجاه حل الصراع الاسرائيلي الفلسطيني، وذلك بسبب تأثير اللوبي في السياسية الخارجية للولايات المتحدة.
“عملت إدارة أوباما على رسم مسار جديد للسياسة الأمريكية من أجل تحسين صورة الولايات المتحدة فى العالمين العربى والإسلامى بعد ثماني سنوات عاصفة من العداء وعدم الثقة خلفتها إدارة بوش (الابن). ففى يونيو (2009م) أعلن أوباما خلال خطابه فى القاهرة أن قيام دولة فلسطينية من مصلحة إسرائيل وفلسطين وأمريكا والعالم، موضحاً أن بلاده لن تدير ظهرها للتطلعات المشروعة للشعب الفلسطيني فى قيام دولته، مضيفاً أن الحل الوحيد هو: دولتان يعيش فيهما الإسرائيليون والفلسطينيون فى سلام وأمن، كما أكد الرئيس أوباما خلال خطابه فى تركيا شهر إبريل (2009م)، على أن “مؤتمر أنابولس” “وخارطة الطريق” تمثلان طريق السلام فى الشرق الأوسط، وأن الولايات المتحدة ستدعم بحزم إقامة دولتين تتعايشان بسلام وأمن”.
تراجع أوباما وإدارته عن ما صرحو به في كثير من المناسبات، وأعلن البيت الأبيض بداية العام 2010، قبوله بالمشروع الذي قدمه نتنياهو، الذي يتضمن تجميدًا جزئيًّا للإستيطان وإطلاق المفاوضات بدون شروط؛ ما جعل هذا التراجع نقطة تحول أثارت الشكوك تجاه نوايا أوباما في تسوية الصراع الاسرائيلي الفلسطيني. وجاء هذا التراجع بعد أن أجرى جورج ميتشل مبعوث السلام في الشرق الأوسط عشرات اللقاءات بين الفلسطينيين والاسرائيليين التي لم تثمر أي منها عن إحراز تقدم في العملية السلمية، بسبب استمرار اسرئيل في الاستيطان، وعدم ممارسة الولايات المتحدة الضغط عليها؛ في الوقت الذي زادت فيه الضغوطات على الجانب الفلسطيني من أجل تقديم المزيد من التنازلات.
وما بين تنقل أوباما في خطاباته من مصر إلى تركيا والمانيا، دعى إلى ضرورة حل القضية الفلسطينية، إلا أنه لم يشر في تلك الخطابات إلى معاناة الفلسطينيين، والجرائم التي اقترفها الاحتلال بحقهم، بل كان في خطاباته يتطرق إلى ما قام به هتلر من مجازر بحق اليهود في ألمانيا، وتعهده بالحفاظ على أمن إسرائيل في المنطقة، في الوقت الذي تجاهل فيه بناء الجدار العنصري وتهويد القدس، وقضية اللاجئين، وعدم اعترافه بأن اسرائيل دولة محتلة، منادياً بضرورة إقامة دولة فلسطينية، لكن هذه الدولة تكون من منظور إسرائيلي وبدعمٍ أمريكي.
ترك أوباما الأمر للمفاوضات على مدار ثماني سنوات، في الوقت الذي تُضاعف فيه إسرائيل من بناء المستوطنات، دون أي ضغوطات أمريكية، على الرغم من تمرير أوباما قرار مجلس الأمن بإدانة الاستيطان في أواخر أيام حكمه، ولم يعطي أي تصور مقترح لحل الصراع الفلسطيني وإجبار الطرفين على القبول به، وأكتفى بإدارة الصراع بدلاً من العمل على حله؛ فلم يخرج أوباما عن طريق أسلافه من رؤساء الولايات المتحدة بإلتزامه بضمان أمن إسرائيل، وقضم المزيد من الأراضي الفلسطينية بدعمٍ أمريكي، وتحميل المسؤولية للجانب الفلسطيني بعدم تقديمه التنازلات من أجل تحقيقِ سلامٍ عادل.
ثانياً: مرحلة الرئيس دونالد ترامب (2017_2020):
شهدت فترة حكم ترامب تحولات كثيرة وجذرية في الملف الفلسطيني الاسرائيلي؛ فكان ترامب منذ حملته الانتخابية يضع تصوراً واضحاً وعملياً لحل هذا الملف، ولكن هذه الحلول جاءت أحادية الجانب دون إشراك الفلسطينيين فيه بعد رفضهم لكل مقترحاته التي تنسف كل الاتفاقات الدولية التي تكفل للفلسطينيين إقامة دولتهم على حدود عام 67، بعاصمتها القدس الشرقية.
تبنا ترامب الأجندة اليمينية الإسرائيلية منذ العام 2016، عندما ألقى خطابا أمام المؤتمر السنوي للجنة الشؤون العامة الأمريكية “أيباك” (اللوبي اليهودي)، في واشنطن أعلن فيه أنه “في اليوم الذي سأصبح فيه رئيساً فإن معاملة إسرائيل كمواطن من الدرجة الثانية ستنتهي”. وتعهد أنه سيقوم بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس وسيعترف بأنها العاصمة الأبدية للشعب اليهودي. ويرى الرئيس ترامب أن “إسرائيل هى الحليف الأول للولايات المتحدة فى الشرق الأوسط، ولابد من العمل على تأمين مصالحها، وتدعيم أمنها القومى فالتعامل مع إسرائيل كأمر ثانوى أو قد يأتى فيما بعد يجب ألا يستمر كما كان الحال فى عهد أوباما وكلينتون”.
اختارت إدارة ترامب مقاربة استراتيجية جديدة للتعامل مع القضية الفلسطينية تبتعد عن مقاربات الإدارات السابقة، فقامت بقطع المساعدات المقدمة للأونروا، وإغلاق مكتب منظمة التحرير فى واشنطن، واقتطاع 10 ملايين دولار من تمويل برامج شبابية فلسطينية، ودمج القنصلية الأمريكية مع السفارة بالقدس، ناهيك عن شرعنة الاستيطان والاعتراف بالمستوطنات الاسرائيلية المقامة على أراضي ال 67 في الضفة، والاعتراف أخيراً بسيادة إسرائيل على الجولان السوري المحتل؛ وتجاهل ترامب كل القرارات الدولية، ويكون قد أنهى عملياً سياسة اتبعها أسلافه بتأجيل قضايا الحل النهائى إلى أن يتم التوصل إلى تسوية سلمية توافقية بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي.
وعمل ترامب على تصفية ملف القضية من خلال عقده ورشة المنامة، في 25 و26 حزيران، من العام 2019 تحت عنوان (“السلام من أجل الازدهار”)، والتي يحاول من خلالها تجريد القضية الفلسطينية من محتواها السياسي وتحويلها إلى قضية إنسانية اقتصادية تخلو من حقوق الفلسطينيين؛ ناهيك عن الضوط التي مارسها ترامب على دول عربية كثيرة للتطبيع مع إسرائيل، ونجح في ذلك من خلال موافقة كل من الامارات والبحرين والمغرب والسودان، بالتطبيع معها.
أعلن ترامب في الثامن والعشرين من كانون الثاني 2020، عن صفقة القرن خلال مؤتمر صحفي عقده مع نتنياهو في البيت الأبيض؛ وأُعلن أن القدس عاصمة غير مجزأة لإسرائيل، واعترف بسيادة إسرائيل على المستوطنات والأغوار، كما طالب الفلسطينيين بالاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية، ولن يكون للاجئين الفلسطينيين الحق بالعودة. ما جعل الأمور تشتعل على الصعيد السياسي والشعبي الفلسطيني لتنكر الإدارة الأمريكية لحقوق الفلسطينيين، والخطوات أحادية الجانب التي أهملت الطرف الفلسطيني، وانحازت بشكل كامل للطرف الإسرائيلي.
تُظهِر صفقة القرن “تجاوزا واضحا للمرجعيات السياسية التقليدية لمسار التسوية، كقرارات الأمم المتحدة، واتفاق أوسلو، ومبادرة السلام العربية، والاتفاقيات الأخرى المُبرمة بين منظمة التحرير الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، وهو ما يُشكِّل انقلابا أميركيا تجاه حلّ الدولتين، وعلى السياسة الأميركية تجاه القضية الفلسطينية منذ عقود. وهو ما يشير، بحسب عدد من المراقبين، باعتباره انقلابا دوليا في آليات التعاطي مع القضايا النزاعية، لتتحول من السعي، ولو ظاهرياً، بالتعامل معها وفق المنطق التفاوضي، باتجاه مسار الفرض أحادي الجانب”.
تخلى ترامب عن حل الدولتين الذي اتبعته الإدارات الأمريكية السابقة، ما يعني نسف اتفاقية أوسلو والتي بموجبها أعطت الحق بإقامة دولة فلسطينية على حدود عام 67، ولم يبين ترامب طبيعة الدولة الفلسطينية في خطته لحل الصراع، وعمل على حل القضية وليس إدارتها كما فعل أسلافه من رؤساء البيت البيض وخصوصاً فيما يخص بقضايا الحل النهائي كالقدس واللاجئين، متبعاً سياسة واحدة وهي الضغط على الجانب الفلسطيني الأضعف في هذه الحلقة، ومن خلال القوة والتهديد.
ثالثاً: أوجه التباين والتقاطع بين الإدارتين:
في بداية الحملة الانتخابية لإدارتي أوباما وترامب عكف الإثنان في تصريحاتهم ومؤتمراتهم على ضرورة حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على أساس حل الدولتين، وضروة إنهاء القضية بشكلٍ عادلٍ تبعاً لقرارات الشرعية الدولية؛ لكن سرعان ما كانت هذه التصريحات تتبدد في أول يوم يتنصب فيه الرئيسان حكم البيت الأبيض؛ ودائما ما يعزى ذلك إلى كمية الضغوط من قبل اللوبي اليهودي الذي أصبح يتحكم في الشخصيات الوازنة في الحزبين الجمهوري والديمقراطي.
حاول أوباما أن يتبع نهج من سبقوه من رؤساء البيت البيض بالتمسك بخيار حل الدولتين، حتى وإن كان ذلك من خلال الحديث أمام المجتمع الدولي، إلا أنه في نهاية المطاف لم يقم بالإعلان صراحة بأنه ضاربٌ بعرض الحائط لحقوق الفلسطينيين في القدس والأراضي المحتلة عام 67، ولا بحدود دولتهم؛ في ذات الوقت مرر أوباما قراراً لمجلس الأمن يدين فيه الإستيطان في الضفة الغربية قبل نهاية فترة ولايته الثانية بأيام قليلة فقط. ناهيك عن تمرير قرار الإعتراف الجزئي لدولة فلسطين كعضو مراقب في الأمم المتحدة؛ حتى عندما تحدث أوباما عن نقل سفارته إلى القدس صرح بشكلٍ واضح أن هذا الأمر فيما لو حصل فإن تبعاته ستسفر عن نتائج كارثية من شأنها أن تفجر الأوضاع، مبدياً قلقه فيما لو تم اتخاذ خطوات أحادية تتعلق ببعض القضايا الجوهرية والحساسة المتعلقة بالجانبين. وهذا ما لم يفعله ترامب عندما إتخذ قرارات حساسة وواقعية على الأرض، أدت إلة تأجيج الصراع.
عمل ترمب منذ توليه الرئاسة الأمريكية على حل الصراع، ولم يحذو حذو الرؤساء السابقين بإدارة الصراع، وذلك من خلال فرض الوقائع على الأرض، لينهي بذلك الدور الأمريكيي الوسيط الذي لعبته لعشرات السنين، لأنها خرجت في عهد ترامب من طور النزاهة الشكلية إلى الإنحياز الكامل لإسرائيل. إضافة إلى ما سلف فإن ترامب تماهى علانيةً مع رؤية اليمين الإسرائيلي بزعامة نتنياهو، وأظهر دعمه الكامل لإسرائيل، التي تقوم بنهب الأراضي الفلسطينية، وتهويد القدس وجعلها عاصمة موحدة للشعب اليهودي، وهذا ما لم يستطع أحد من رؤساء الولايات المتحدة أن يترجمه على الأرض؛ وتعامل ترامب مع القضية الفلسطينية وكأنها قضية إنسانية وليست قضية سياسية بحتة.
وتباينت إدارة ترامب وأوباما في أن الحزبين الديمقراطي والجمهوري، لا يختلفان في استمرار بقاء إسرائيل قوة استراتيجية في المنطقة تحافظ على المصالح الأمريكية، ومن خلال ذلك انسجمت مصالحها مع بقاء إسرائيل القوة الثابتة في المنطقة عسكرياً واقتصادياً وعلمياً، وكان هذا هو التوجه بين الإدارتين، ويعتبر من المصالح العليا للولايات المتحدة التي لا يختلف فيها ترامب واوباما، حيث منح الأخير 360 مليار دولار كدعم مالي لعشر سنوات لإسرائيل.
خاتمة عامة:
بعد دراسة القضية الفلسطينية بين الاإدارتين، (2008_2020)، ودراسة منطلقات السياسة الخارجية الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية في هذه الفترة، يمكن التأكيد على مجموعة من الحقائق التي انطلقت منها السياسة الخارجية الأمريكية تجاه القضية خلال الفترة المذكورة في الدراسة، وهو أن أمن إسرائيل من أولويات كل الرؤساء الأمريكيين الذين تعاقبوا على حكم البيت الأبيض، وأن أي تسوية مع الفلسطينيين سيكون لصالح إسرائيل في كل الحالات، ولكن قبل كل ذلك يجب أن توافق إسرائيل أولاً على هذه التسوية بما يضمن تطلعاتها في إقامة دولة يهودية موحدة على كامل مدينة القدس.
إن ضمان مصالح الولايات المتحدة في المنطقة العربية يعتبر أولوية لها، والتي تنطلق منها سياستها الخارجية تجاه الصراع، وتتبنا وجهة النظر الإسرائيلية في شكل التسوية وحل الصراع الإسرائيلي الفلسطينيي، وبالتالي فإن ضمان دعم إسرائيل مادياً وعسكرياً وسياسياً واقتصادياً وعلمياً، يعتبر أولوية لدى الولايات المتحدة ولا خلاف عليه بين كل الإدارات، من أجل ضمان مصالها في الشرق الأوسط؛ و “سياسة الولايات المتحدة تجاه القضية الفلسطينية لن تتغير حتى وان تغيرت لهجة الخطاب الدبلوماسي”.
إن أي إدارة أمريكية تتحدث عن تسوية عادلة ضمن حل الدولتين تواجه موجة من الانتقادات من قبل اللوبي اليهودي، والذي يعد من أهم المؤثرين في صنع القرار الأمريكي، خصوصاً في عمليات التسوية مع الفلسطينيين، حيث إن اللوبي إستطاع أن يمنع بعض الشخصيات المعادية لإسرائيل من إعادة ترشحهم في الكونغرس، مما يجعل غالبية كبيرة فيه يخضع لتوجهات اللوبي الذي يشكل الدرع الحصين لإسرائيل، بالتالي سيكون القرار الأمريكي بنكهة إسرائيلية. وساهم اللوبي في صناعة تلك السياسة المتبعة من قبل الإداراة الأمريكية آنفة الذكر تجاه الصراع، لما له من “أثر بارز على المؤسسات الرسمية الأمريكية صانعة القرار”. واستطاع اللوبي التدخل في السلطة التشريعية والتنفيذية في الولايات المتحدة، من خلال وسائله الاعلامية الضخمة، عبر تعبئة الرأي العام الذي أدى إلى خلق معارضة من شأنها أن تقوم بتغيير أي قرار يُتخذ من قبل صانعي القرار لا يصب في المصلحة الإسرائيلية؛ وبالتالي فإن الإدارتين “انصاعت إلى اللوبي من خلال تبني وجهات النظر الاسرائيلية وفرضها على الجانب الفلسطيني”.
السياسة الخارجية الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية سلكت طريقاً واحداً، وهو إدارة هذا الصراع وليس العمل على حله على أساس حل الدولتين، وضمن قرارات الشرعية الدولية، فسياسة أوباما في نهاية المطاف كانت نتائجها على عكس ما صرح به منذ توليه الحكم، ولم يغير شيء على أرض الواقع، مكتفياً بتصريحاته التي تأكد على ضرورة إيجاد حل عادل للصراع، “مع اقتصار الخلاف بين الإدارتين وبين إسرائيل حول التفاصيل وليس على المبدأ”؛ فيما اتخذ ترامب قرارات لم يجرأ أحد من الرؤساء الأمريكيين على إتخاذها من خلال فرض وقائع على الأرض، والاعتراف بأن القدس عاصمة موحدة وأبدية لإسرائيل. ناهيك عن جولات الإجتماعات التي خاضتها الولايات المتحدة مع الطرفان عبر عشرات السنين التي لم تثمر إلى شيء، إلا ضياع الوقت الذي استغلته إسرائيل لقضم المزيد من الأراضي الفلسطينية، وتكريس مشروع القدس الكبرى كعاصمة لها. فمن خلال ما سبق نستنتج أن الولايات المتحدة، انحازت كلياً إلى إسرائيل، ما جعل الأخيرة تتنصل من كل الاتفاقيات الدولية، وبالتالي القضاء على مشروع حل الدولتين وعملية السلام برمتها.
المراجع:
الكتب:
أبراش، إبراهيم. فلسطين في عالم تغير. رام الله، المؤسسة الفلسطينية للإرشاد القومي، 2003.
باراك، أوباما. أرض الميعاد. الولايات المتحدة الأمريكية: 2020.
الحسن، يوسف. البعد الديني في السياسة الأمريكية تجاه الصراع العربي الصهيوني. بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 1990.
السلطان، جمال. الإستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط 1979-2000. عمان، دار وائل للنشر والتوزيع، 2002.
شرعان، عمار. السياسة الخارجية الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية (2001_2018). برلين، المركز الديمقراطي العربي للدراسات الإستراتيجية والسياسية والاقتصادية، 2018.
رسائل ماجستير:
المحاريق، صفاء. “جهود الواليات المتحدة تجاه القضية الفلسطينية في فترة حكم الرئيس باراك أوباما ( 2008-2016)”. الدرجة العلمية للرسالة غير منشورة. الخليل: جامعة الخليل، 2020.
مراجع الكترونية:
برعوز، محمد. “السيناريوهات الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية”. الجزيرة، 6/7/2018، شوهد بتاريخ 23/3/2021، https://2u.pw/DpNUn.
الحنفي، محمود. “هل سوف يتغير موقف الإدارة الأمريكية من القضية الفلسطينية؟ وما هو المطلوب فلسطينيا؟”. عربي 21، 25 يناير 202، شوهد بتاريخ 17/3/2021، https://2u.pw/tuNsf.
السهلي، نبيل. “الإدارات الأمريكية والقضية الفلسطينية”. مركز الأبحاث في منظمة التحرير الفلسطينية، شوهد بتاريخ 21/3/2021، https://2u.pw/01PpR.
عبد الكريم، إبراهيم. “القضية الفلسطينية في الولاية الثانية لأوباما”. مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية، 14 نوفمبر 2012، شوهد بتاريخ 20/3/2021، https://2u.pw/k6Bm2.
العتيبة، يوسف. “السياسة الأمريكية تجاه الدول العربية والفلسطينيين وإسرائيل: أفكار ومقاربات لإدارة بايدن”. واشنطن بوسط، 3 فبراير 2021، شوهد بتاريخ 18/3/2021، https://2u.pw/6hPZw.
غولدنبرغ، إيلان. “إستراتيجية أمريكية جديدة للصراع الإسرائيلي الفلسطيني”. أمد للإعلام، 9/1/2021، شوهد بتاريخ 19/3/2021، https://2u.pw/ShguD.
الكسواني، هزار. “الاستمرار والتغيير في محددات السياسة الخارجية الأمريكية حيال القضية الفلسطينية (ادارتي أوباما وترامب)”. مركز الاستقلال للدراسات الاستراتيجية، 8/5/2017، شوهد بتاريخ 15/2/2021، https://2u.pw/C8BQb.
السعدي، محمود. “خيبة أمل من أوباما مع اقتراب انتهاء ولايته”، العربي الجديد،07 نوفمبر 2016، شوهد بتاريخ 15/4/2021، https://2u.pw/jctJ0.
محمد، حسن. ” السياسة الأمريكية في عهد أوباما وانعكاساتها علي الدور الأمريكي لحل الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي”، المركز الديمقراطي العربي للدراسات الاستراتيجية الاقتصادية والسياسية، 18 يوليو 2017، شوهد بتاريخ 15/3/2021، https://cutt.us/y1oiw.
أبو ختلة، مصلح. “سياسة الرئيس أوباما تجاه القضية الفلسطينية 2009-2012”. الدرجة العلمية للرسالة غير منشورة. رفح: جامعة القدس المفتوحة، 2014.
أبو زيد، علاء الدين. “التحول في السياسة الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية في ظل إدارة الرئيس دونالد ترامب (2016_2019)”. الدرجة العلمية للرسالة غير منشورة. القدس: جامعة القدس المفتوحة، 2019.
الكسواني، هزار. “الاستمرار والتغيير في محددات السياسة الخارجية الأمريكية حيال القضية الفلسطينية (ادارتي أوباما وترامب)”. مركز الاستقلال للدراسات الاستراتيجية، 8/5/2017، شوهد بتاريخ 15/2/2021، https://2u.pw/C8BQb.
العيلة، محمد. “هل أنهت “صفقة ترامب” قضية فلسطين؟.. 5 أسئلة تشرح لك ما حدث وما سيحدث”، الجزيرة، 31/1/2020، شوهد بتاريخ 25/5/2021، https://2u.pw/FEYJv.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق