المقاومة لا تقتصر على السلاح والسياسة، بل تتعداها إلى إيصال الرسائل بالفن بمختلف أشكاله، فكيف إذا كانت الموسيقى التي لا تعرف حدودا ولا لغة، وتدخل أي مكان بلا استئذان.
هذا ما تقوم به فرقة "الكمنجاتي" الفلسطينية التي تعمل على إحياء التراث الوطني والمحافظة عليه من جيل الى جيل، ونشره لدى الجماهير العربية الأخرى، عبر برنامجها لتعليم الموسيقى للأطفال الفلسطينيين.
وتعمل "الكمنجاتي" على تحفيز الطلاب الفلسطينيين وتشجيعهم على اكتشاف إمكاناتهم الإبداعية ودعم فرص الاحتراف والتعليم العالي بغية الوصول إلى العالمية.
وتقدم الفرقة الموسيقية مجموعة من النشاطات والمهرجانات على مدار العام، كجزء رئيسي من رسالتها لإيصال الموسيقى إلى الجميع.
تأسست جمعية "الكمنجاتي" في فرنسا عام 2002 بمبادرة من الموسيقي الفلسطيني رمزي أبو رضوان، عازف الفيولا والبزق المعروف عالمياً، بهدف إتاحة التربية الموسيقية للأطفال والشباب الفلسطينيين أينما وجدوا، والمساهمة في تعزيز ثقافة بلادهم الموسيقية.
وتعمل الجمعية على تأسيس مدارس ومراكز موسيقى للأطفال والشباب في غالبية القرى والمخيمات والمدن الفلسطينية، وتقدم فرص تعلم الموسيقى من خلال منهاج أكاديمي، ومن خلال التعرف على التراث الموسيقي الفلسطيني والعربي، إضافة إلى الثقافات الموسيقية العالمية.
"الكمنجاتي".. إلى لبنان
في عام 2008، نقلت "الكمنجاتي" برامجها إلى لبنان حيث نشطت في "بيت أطفال الصمود" في مخيمي برج البراجنة وشاتيلا في العاصمة بيروت.
تقول منسقة "الكمنجاتي" في لبنان نور أبو رية، التي تجمع حولها الفتيان والفتيات لتدريبهم في برج البراجنة، إن "الفكرة ولدت في سبيل البحث عن المواهب عند الشباب الفلسطيني، والتي تختزنها مخيمات اللجوء في لبنان".
وتضيف أبو رية (27 عاما)، وهي أحد أعضاء الفرقة، لوكالة الأناضول: "وجدنا الكثير من المواهب داخل المخيمات، والتي كانت بحاجة إلى دعم، فقدمنا لهم بعض الآلات الموسيقية، وخصصنا لهم مدربين لتعليمهم فن الموسيقى وكيفية استخدامها".
وخطوة خطوة، تطور المشروع في لبنان، من حوالي 15 طالبا مع 3 أساتذة، إلى 65 طالبا اليوم، في مخيمي برج البراجنة وشاتيلا.
وتشير أبو رية إلى أن الفرقة تنظم، عادة، حصتين أسبوعيا طوال العام الدراسي (بين سبتمبر/ أيلول ويونيو/ حزيران من كل عام)، "وبات لدينا عدد من الطلاب في المراحل المتقدمة، أصبح بعضهم أساتذة في الموسيقى".
وتوضح أن الآلات التي يعملون عليها هي الكمنجة والعود والناي والقانون والبيانو والتشيللو والدف والطبلة.
وتحصل جمعية "الكمنجاتي" على الآلات الموسيقية من تبرعات مؤسسات دولية وأفراد في أوروبا، وتستخدمها في تدريس الموسيقى لأطفال المخيمات، مقابل رسوم رمزية.
ولدى الفرقة فريق من الأساتذة المحترفين، "ووصلنا إلى ما نحن عليه على مدار 12 سنة من العمل الدؤوب"، وفق تعبير أبو رية.
وتقول المنسقة إن الهدف من تعلم الموسيقى وعزفها هو إظهار الصورة الجميلة للمخيمات من خلال الشباب، لأن بعض الناس تأخذ فكرة سيئة عن المخيمات على أنها مصدر للفوضى وموئل للخارجين عن القانون".
وترى أن "الموسيقى توصل صوت الفلسطيني إلى كل العالم، ورسالتنا هي العمل على إحياء التراث الوطني، لأن العدو الصهيوني هدفه سرقة هويتنا وتراثنا وثقافتنا، ونحن نؤمن بأنه سيأتي يوم نعود فيه إلى فلسطين".
نشاطات خارج الحدود
تحرص الفرقة على تنظيم حفلات ذات طابع تراثي، إذ تقدم الأغنيات الفلسطينية الشعبية، ويرتدي أفرادها اللباس التراثي (العباءة المزخرفة للإناث والكوفية للرجال).
تقول أبو رية: "الفن الذي نقدمه يمثل تراثنا الفلسطيني، وهو طريقة من طرق المقاومة، لأننا نقاوم الاحتلال الإسرائيلي على الرغم من أننا خارج وطننا الأم، وكذلك نقاوم الأزمات والصعوبات المعيشية التي تواجهنا يوميا داخل المخيمات".
ولا يقتصر نشاط "الكمنجاتي" على لبنان، إذ كان للفرقة مشاركات بالخارج، لعل أهمها في تركيا عام 2019 عندما شاركت في مهرجانات أقيمت في مدينتي إسطنبول وسامسون، بالشراكة مع "المعهد الثقافي التركي" (يونس إمرة) في بيروت.
"كان تفاعل الجمهور التركي مع الأغاني الفلسطينية رائعاً، فلم أكن أعلم أن هناك شعوبا خارج المخيمات متعلقة بالقضية الفلسطينية وتراثها الفني الشعبي بهذا القدر"، وفق تعبير أحمد الأسود (24 عاما)، وهو فلسطيني من مخيم برج البراجنة انتسب إلى الفرقة في سن 16 عامًا حتى أصبح عضوا فاعلا فيها.
شغف لدى الشباب الفلسطيني لتعلم الموسيقى
يلاحظ أستاذ موسيقى في الفرقة، علي محمد عبدو (29 عاما) أن "هناك اندفاعا لدى الشباب الفلسطيني نحو تعلم الموسيقى التي تجسد التراث الأصيل لوطنهم الأم".
لكنه يلفت إلى أن الجمعية تعمد، أيضاً، إلى تعليم هؤلاء الشباب الأغاني التراثية المعروفة في بلاد الشام، وخصوصا في سوريا والأردن ولبنان.
ويشير عبدو إلى أن "الأساتذة لدينا يعملون على إنتاج موسيقى خاصة بالفرقة"، بالتعاون مع أصدقاء محترفين في الداخل الفلسطيني.
المصدر: وسيم سيف الدين - الأناضول
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق