ماهر الصديق
من
المؤسف بأن الكلمة في بلادنا مكلفة و قد تؤدي بصاحبها للهلاك . انه واقع ثقيل على
نفس كل
حر عفيف حريص على بلاده . واقع مؤلم لكل من يتطلع الى غد افضل و الى حياة
كريمة
. ما كان لهذا الواقع ان يكون في ظل نظام عادل يقدر قيمة المواطن ، يحترم العقل
البشري
و يدرك اختلاف الرؤى و المشارب و المفاهيم لدى الناس . اما النظام القائم على
الاجهزة
القمعية و على الفتك بالمعارضين و تشويههم و تخوينهم و حتى تعذيبهم و قتلهم ،
فهو
نظام استبدادي غير شرعي مفروض على الناس بالقوة ، و لو تمكن الناس من ابداء
آرائهم
، و تحققت لهم الحرية باختيار حكامهم لما كان للطبقة الحاكمة في بلادنا من البقاء
ساعة
واحدة في القصور التي يحكمون و يصدرون اوامرهم القمعية منها . و لأن عمر
بن
الخطاب رضي الله عنه و ارضاه جاء للحكم بالشورى و البيعة كما هو حال الخلفاء
الراشدون
الاربعة رضي الله عنهم و ارضاهم ، فإنه كان يستمع باصغاء لكل ناقد حتى
و إن
كان نقده قاسيا . روي أن عمر خرج من
المسجد ، فإذا بامرأة برزت له ، فسلم
عليها ، فردت عليه السلام ، وقالت : هيهات يا
عمر، عهدتك وأنت تسمى عميرا في
سوق
عكاظ ترعى الضأن بعصاك ، فلم تذهب الأيام حتى سميت عمر، ثم لم تذهب
الأيام حتى سميت أمير المؤمنين ، فاتق الله في
الرعية ، واعلم أنه من خاف الوعيد قرب
عليه البعيد ، ومن خاف الموت خشي عليه الفوت ،
فقال احد مرافقيه : قد أكثرت أيتها
المرأة
على أمير المؤمنين ، فقال عمر : دعها أما تعرفها ؟ انها المرأة التي سمع الله
قولها
من فوق سبع سماوات ، أفلا يستمع لها عمر ؟ لقد استمع لها و هو مطرق دامع
العينين
حتى فرغت من كلامها . هكذا كانت صدورهم تتسع للنقد و النصح ، حتى لو كان
النقد
امام الناس كما فعلت خولة بنت ثعلبة رضي الله عنها ، و كما فعل غيرها من عوام
الناس . ذكر بان امير المؤمنين عمر صعد يوما الى
المنبر و قال : ايها الناس من
رأى
منكم فيّ اعوجاجا فليقومني ، فرد احد الحضور قائلا : يا عمر و الله لو نرى بك
اعوجاجا
لقوّمناه بحد سيوفنا ، فقال امير المؤمنين : الحمد لله الذي جعل في رعية عمر
من
يقوّم اعوجاجه بحد السيف . ثم قال : لا خير فيكم إن لم تقولوها و لا خير فينا إن
لم
نسمعها
. هاتين الحادثتين و غيرهما من الشواهد التي لا تحصى تبين لنا كيفية تعاطي
الحاكم
العادل مع شعبه . لقد كانت صدورهم تتسع للنقد و للآراء و للنصائح و كل ذلك
لم
يقلل من مكانتهم و احترامهم بل على العكس كانوا في تصرفاتهم و عدالتهم و اصغائهم
يزدادون
في عيون الرعية مكانة و قيمة و طاعة ايضا . اما في زمن الانقلابات و حكم
العائلات
و الطوائف و سطوة المخابرات و تملك البلاد بشعبها و ثرواتها و التحكم بمصائر
الناس
و بالسياسات دون ادنى اعتبار لآراء و تطلعات الشعوب فإن العلاقة بين الحاكم و
المحكوم
هي
علاقة الجلاد بالضحية ، علاقة الفرد الذي يريد من الجميع ان يروا ما يراه و
يعارضوا
ما
يعارضه ، و إلا فان المصير هو القتل او
الملاحقة او النفي او السجن او حتى سحب
مواطنية
المواطن و حرمانه من موطنه و مسقط رأسه . مواطن ينزع المواطنة من غيره
لانه
يمتلك قوة العسكر و العسس و المعتقلات و اقبية التعذيب ! ان البلاد التي تنقصها
العدالة
و المساواة في الحقوق و الواجبات لا يمكن ان تستقر و لا يمكن ان تتطور و تتقدم
في
اوضاعها الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية و العلمية لان هذه كلها تحتاج لشروط
اهمها
شعور المواطن بكرامته و قيمته في وطنه حتى يقدم كل غال و نفيس في سبيل
عزة
بلاده و سؤددها و رفعتها . فهذه مصر و بلاد الحرمين بل و كل بقعة في الوطن
العربي
الكبير لا يحتمل الحكام فيها كلمة حق ينطق بها شيخ او مفكر او مثقف او مواطن
بسيط ،
ان من يتأوه من الالم يكون مصيره السجن إن كان محظوظا و القتل و السحل و
التنكيل
به و باهله و معارفه إن كان سيئ الحظ ! فهل نحن في مجتمعات متحضرة ام
في
غابة تحكمها الوحوش الضارية المفترسة . احوال من الافقار و التجهيل و اعمال
بيع
لكرامة الامة و مقدراتها و مقدساتها و شرفها للصهاينة و غير الصهاينة فيما
الاعتراض
غير مسموح ! الاعتراض السلمي او اللفظي او الكتابي غير مسموح به
لامة
عرفت حرية الرأي حتى في زمن الجاهلية ؟ لا يكفيهم استملاك البلاد فيريدون
استملاك
العباد . اذا كان البعض من الناس قد استمرؤا العبودية و الاذلال و جعلوا
من
مصالحهم الخاصة و استفادتهم من الحكام مقابل ذلهم سبيلا للعيش و رضوا
بالعيش
كالطفيليات التي لا تتواجد الا في الاجواء الموبوءة فإن الاغلبية من هذه الامة
تغلّب
الكرامة و العزة و العدل على كل شيئ . كم من المفكرين و الادباء و المثقفين
و العلماء و من عوام
الناس الذين يصدحون بالكلمة الصادقة دفعوا ثمنا باهظا لقولهم الحق
ذلك
لانهم لا يفكرون باللحظة التي يعيشون فيها انما يفكرون بمستقبل الاجيال القادمة .
يتساءلون كيف يكون مصير الاجيال المقبلة اذا استنسخت الانظمة و بقيت العدالة غائبة
و الفساد مستشر ! انهم لا يفكرون بيومهم بما فيه
من المآسي و الآلام انما يفكرون باوطانهم
التي يأملون رقيها و ينظرون لان تتولد فيها بيئة
نافعة يعيش في ظلها الاحفاد بكرامة
و عزة و حرية .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق