محمد السعيد/ بيروت
بدأ محمود يوسف دكور بجمع التراث الفلسطيني والكتب والوثائق الفلسطينية منذ عام 1989. وفي هذا التاريخ، عند تقاعده من التعليم في الأونروا، بدأ بالتخصص في جمع التراث. أمّا عمله هذا فقد بدأ في الستينيات. وهو لهذه الغاية خصص مساحة كبيرة من منزله الواقع في منطقة المعشوق بجوار مخيم برج الشمالي في صور، للمقتنيات الثمينة التي يجمعها.
بدأ أبو أدهم عمله فردياً، وفي وقت لاحق انضمت إليه مجموعة من الأصدقاء الذين رأوا في هذا العمل شكلاً من أشكال المحافظة على الهوية والتراث وحفظ الثقافة وجمع التاريخ.
أما مجموعته التراثية فباتت اليوم تتكوّن من خمسة عشر ألف كتاب، وثلاثة آلاف قطعة تضم جميع ما في الحياة الفلسطينية من أدوات الصناعة والزراعة والتجارة واللباس والزينة والمطرزات والخزفيات.
- مجموعة كاملة من النقود المعدنية من سنة 1927 إلى سنة 1946، ومجموعتين من النقود الورقية.
- قسم من الوثائق الأهلية، بالإضافة إلى وثائق مصورة.
وشارك محمود دكور في أنشطة ومعارض في لبنان والعالم العربي، وهو ينفق على هذا المتحف من جيبه الخاص.
ما هي أبرز إصدارات الباحث محمود دكور وأعماله؟
إضافةً إلى عملي في المتحف والمكتبة العامة، أصدرت كتاباً عن قريتي عام 48 قديثا - صفد، ولدي عدة مخطوطات، منها مخطوطة في الأمثال البلدية في القرية الفلسطينية، تضم نحو 8000 مثل حتى الآن، وبدأت منذ 26 سنة. ولدي مخطوطات المتحف الفلسطيني في الشتات والعملات الفلسطينية، والوثاق الفلسطينية، ولكني عاجز عن إصدارها لضيق ذات اليد والعبء الكبير الذي قمت به من بناء المتحف وتأثيثه وإدارة المكتبة العامة، حيث سخّرت لذلك كل تعويضي التقاعدي بعد خدمة 44 سنة في الأونروا.. واشتركت في نحو 20 كتاباً، لأني شجعت على تأليف الكتب وتوثيق فلسطين قبل النكبة في البلاد العربية وفي أوروبا وأميركا. واشتركت إما في التنقيح وإمّا في التبويب وأشكال متنوعة بنحو20 كتاباً مع إخواني وأصدقائي.
متى بدأت بجمع المواد التراثية، وكيف جرت عملية الجمع والصعوبات التي واجهتها؟
بدأت بجمع المواد التراثية على نحو خجول منذ بداية النكبة. جمعت الكتب والقطع البسيطة، لكن لم يكن جمعاً مبرمجاً، وكان جمعاً عشوائياً، نتيجة للتنقل من مكان إلى مكان، هذا من جهة ولضيق المكان من جهة أخرى، وللوضع المالي من جهة ثالثة، ولظروف أخرى مختلفة.
لكن بدأت بالجمع المكثف للأدوات التراثية المَتْحفية الفلسطينية التي تعود إلى ما قبل عام 1948 كسنة مفصلية في تاريخ الشعب الفلسطيني، بدأت جدياً وفعلياً عام 1989 ولا أزال حتى الآن وإلى آخر لحظة في حياتي.
والعمل هنا الذي قمت به كما تلاحظ، مقسم إلى ثلاثة أقسام، العمل المتحفي، العمل المكتبي والتوثيق الفلسطيني.
بالنسبة إلى العمل المتحفي، بدأت بالجمع منذ بداية النكبة، ولكن الجمع الكثيف بدأ سنة 1989، وأعتقد أنك تذكر أننا قمنا في مدرسة الصرفند بعرض رسوم للأطفال سنة 1989، وأقمت خمس غرف كاملة جمعت فيها القطع التراثية من الناس تعود إلى ما قبل 1948. فبدأ الجمع بذلك التاريخ المبكر الذي أَعدُّه بالنسبة إليّ متأخراً، لأنه لو قمنا بجمعه قبل ذلك لوجدنا قطعاً أكثر. بعد ذلك جمعت 3000 قطعة أصلية من فلسطين هي عبارة عن قشيّات، خرزيات، زجاجيات، خشبيات، فخاريات، معدنيات، هذا ما حاولت أن أجمعه أو كلّ ما وقع تحت يدي..
وهناك أيضاً الكتب التي طُبعت أو دُرّست في فلسطين، وهي ملحقة بالمتحف مع أن لها صلة مشتركة بين المتحف التراثي الفلسطيني والمكتبة العامة، لأن المكتبة العامة تحتوي على نحو 15000 كتاب معظمها باللغة العربية أو مترجم إلى اللغة العربية، وفيها أيضاً كتب باللغة الإنكليزية والروسية والقليل باللغة الفرنسية والإيطالية ولغات أخرى.
والمتحف -كما تعلمون- مفتوح مجاني للجميع، وبإمكان الجميع زيارته والتعرف إلى التراث الفلسطيني، ولا «فيتو» على أي إنسان على الزيارة، والمكتبة أيضاً مفتوحة للجميع في كل الأوقات ويُعار الكتاب لمدة غير محدودة، حتى الكتب التي لا تعار أعيرها، ويحق لأي مستعير أن يستفيد منها ويصورها.
والقسم الثالث، هو توثيق فلسطين قبل النكبة كما ذكرت لك. فاشتركت وألفت، وأساعد الإخوان وأشجعهم على توثيق فلسطين في كل المناحي التي تتعلق بفلسطين تاريخياً وجغرافياً، عادات وتقاليد، في كل ما يتعلق بالحياة اليومية التي كانت في فلسطين قبل عام 1948.
إلى ماذا يرمز المتحف، وما هي أهميته بالنسبة إليكم؟
المتحف يرمز إلى فلسطين لأن القطع الموجودة في المتحف هي عبارة عن قطع فلسطينية صنعت أو مرّت بفلسطين، أو استُعملت في فلسطين، والقطع أصبحت اليوم شبه نادرة لم نعد نجد منها إلا القليل القليل، وخاصة بعد ما حل بفلسطين من نكبات في كل أرجاء الوطن وفي العالم من جهة التهجير والقصف والحروب المتتالية التي قام بها العدو الإسرائيلي ضد الشعب المنكوب.
القطع الموجودة تعبّر عن الحياة الفلسطينية بكل أشكالها قبل سنة 1948، وهي تنعش الذاكرة الفلسطينية للشباب والأجيال القادمة لتبقى ذكرى حيّة في قلوبهم ونفوسهم، ليتعلقوا بالوطن أكثر وأكثر عندما يرون القطع الحقيقية بشحمها ولحمها موجودة بالوثائق أيضاً. من جهة ثانية ينتعش عندما يسمع ويرى، يتذكر فلسطين فيبكي ويحزن ويتألم ويتذكر ويعلم الأولاد. ومن جهة أخرى، العالم يتعرف إلى أن فلسطين كانت وطناً فيه حضارة وثقافة، لا كما تدعي الدعايات الإسرائيلية أن فلسطين كانت أرضاً بلا شعب. بالإضافة إلى البراهين المنطقية التي لدينا، التي تفيد بأنها كانت مملوءة بالشعب منذ أقدم العصور التاريخية، وحتى قبل نبينا إبراهيم الخليل عليه السلام الذي جاء زائراً وضيفاً على الشعب الفلسطيني، فهو أبونا الروحي وليس أبانا من جهة النسب، فهو جاء ضيفاً علينا، كنا نحن أصحاب الأرض.
إضافة إلى ذلك، هناك القطع التي كادت أن تزول من الوجود أو تنعدم نظراً للترحال والتهجير والقصف، وتمكنتُ بمساعدة بعض الإخوان والأصدقاء، من أن أجمعها وأن أشتريها من كل أسواق العالم ومن كل المخيمات، لأحفظها ولتبقى كمّاً وذكرى يتعرف إليها الناس، وتبقى حيّة إلى يوم العودة إلى فلسطين. هناك أهداف أخرى كثيرة للمتحف من وجهة ثقافية واجتماعية وتراثية ووطنية، ومن وجهة إعلامية ووجهات نظر كثيرة أخرى.
كيف تجري عملية التوثيق في المتحف؟
حاولت منذ البدايات أن أوثّق المتحف على أساس أن أنشر «كاتالوغ» عن المتحف، وكان ذلك سنة 1995، لكن المشروع يحتاج إلى تمويل كبير، ونوعية جيدة من الورق وتصوير جيد بالألوان، وهذا صعب عليّ من جهة. وقد حاولت أن أسجل القطع على سجلات خاصة، مصدر القطعة وأصلها واستعمالاتها وكيف حصلت عليها.. وحاولت أن أقسمها حسب الموضوع في ترتيبها الحالي وفي المكان الحالي في المتحف. وبطبيعة الحال، المكان مكدّس بالقطع، ولقصر ذات اليد ولعدم الوجود البناء الكافي لا يمكن أن نضع 3000 قطعة في قاعة مساحتها 200 متر، بل نحتاج إلى قاعات وإلى ترتيب أكثر، لكني تكيفت مع الوضع، فوضعت النحاسيات، الأواني التي تتعلق بالضيافة الفلسطينية، وما يتعلق بالفروسية والفرس وأدوات الفرس بكل ما استطعنا أن نحصل عليه، وقسّمنا باقي الأقسام إلى زجاجيات وفخاريات وخشبيات حسب الموضوع.
جمعت العملات الفلسطينية المعدنية والورقية التي هي في الأصل قطع نادرة جداً وثمينة جداً، وبذلتُ جهوداً مضنية، حيث زرت أماكن كثيرة وأقطاراً عربية وأوروبية وأمريكية، والحمد لله المجموعة المعدنية كاملة، أما الورقية فهناك مجموعة لا بأس بها، لكن بقية القطع تحتاج إلى تمويل هائل، تحتاج إلى ملايين الدولارات وهذا ما أعجز عنه، ولكن أرغب في يوم من الأيام أن تكون كل القطع هذه خاصة القطع النقدية متوافرة، وأعتقد أن ليس هناك مجموعة تشابهها إلا في المتحف البريطاني، وهذا أمر يعتزّ به كل فلسطيني، لأن المتحف يعبّر عن فلسطين، لا عن محمود دكور.
وهناك المجموعات النادرة والدوريات النادرة، والدوريات الكاملة التي تبلغ حوالى 30 دورية، وأعتقد أنه ليس هناك مكتبة عامة في لبنان سوى مكتبة الجامعة الأمريكية فيها مثل هذه المجموعة، وعلمت أخيراً أن لدي بعض المجموعات التي ليست موجودة في الجامعة الأمريكية نفسها، وهذا ما يرفع رأس كل فلسطيني.
ما هي المعارض التي شاركت فيها؟
قبل عام 1994، أي قبل بناء القاعة هذه، كان المتحف في البيت، واستأجرت بعض الغرف، وكان هناك ملجأ رطب تحت الأرض، وكنت أشترك في معارض أو أقيم معارض مع بعض الأصدقاء أو المؤسسات أو المدارس أو الجمعيات التي كانت وُجهتها تصبّ في القضية الفلسطينية. اشتركت في معارض في لبنان، وخصوصاً في المخيمات حتى يتعرف الفلسطينيون أنفسهم إلى القطع التي كان يستعملها أهلنا في فلسطين، ثم في المدن وصولاً إلى دمشق. اشتركت في معارض متعددة كثيرة.
أما بعد عام 1994، فقد أحجمت عن المشاركة في المعارض بعدما فقدت بعض القطع التي لا يمكن أن تعوض، فاقتصر تقريباً العمل على زيارات إلى قاعة المتحف في المعشوق. ولكن بسبب ضغط الإخوة والأصدقاء والمؤسسات وإصرارهم، اشتركت في ورقات عمل في الأونيسكو ببيروت، وكذلك في دمشق.
واشتركت مع بعض المؤسسات في ذكرى الانتفاضة الأولى، واشتركت في معرض الإكسبو وعدة معارض، واشتركت أيضاً مع منظمة «ثابت» في وادي الزينة بعد إصرار من الإخوة والأصدقاء في مناسبة يوم الأرض.. مع أنه لا يجوز أن تخرج القطع من المتحف خوفاً عليها من الضياع.. بعض القطع لا أقدر أن أعرضها حتى في المتحف نفسه، لأن المتحف يحتاج إلى الأمان والضمان وإلى أشياء أخرى أنا عاجز عنها، لأنه قد تسرق القطع وقد تتعرض للتلف، وهناك أمور كثيرة، فالمتحف بحاجة إلى صيانة، بحاجة إلى أمان وإلى تأمين.
بعد عمرٍ طويل، إلى من ينوي الأستاذ دكور توريث هذا المتحف، وهل هناك جمعيات أو مؤسسات تتبنى هذا المتحف؟
الأعمار بيد الله، وهذا الموضوع بالفعل أبحثه مع إخواني وأصدقائي منذ فترة. قد يأتي الأجل في أي وقت، ولدي بعض الإخوان الذين أأتمنهم مؤقتاً على هذا الإرث، لكن أبنائي ليسوا موجودين هنا، ولديّ طفل في الخامسة عشرة من عمره لا يمكنه أن يقوم بما أقوم به. والحقيقة أني كنت أتمنى أن يكون لدي مساعد أمين على الأقل في المتحف والمكتبة لكي أدربه، وأنا عاجز عن التمويل كما ذكرت لك، ولدي بعض الأصدقاء الأمناء الذين أعتمد عليهم في هذا العمل.
أما من جهة لمن سيعود هذا المتحف، فأنا أوصيت في الصحافة وفي التلفزيونات العالمية وفي مقابلات صحفية بأنّ هذا المتحف لفلسطين، عندما تقوم دولة فلسطينية مستقلة، رأساً يُصار هذا المتحف إلى ملكيتها، فهو لفلسطين لا يباع ولا يشترى. هذا لبلدي، هذا عربون حب ووفاء لبلدي، لكن المكتبة لها موضوع آخر.
المصدر: مجلة العودة - العدد 32 نيسان 2010
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق