حملت الأسيرة الفلسطينية المحررة خالدة جرار "وردة مجففة"، حصلت عليها خلسة خلال نقلها من السجن لزيارة المحامي أو العيادة الطبية، خلال زيارة قبر ابنتها سهى، التي توفيت قبل ثلاثة أشهر تقريباً حينما كانت أمها القيادية في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وعضو المجلس التشريعي الفلسطيني المنحل في سجون الاحتلال.
توفيت الابنة سهى (31 سنة) بنوبة قلبية مفاجئة عندما كانت الأم خالدة تقضي حكماً بالسجن مدة عامين، ورفض الاحتلال كل مقترحات وداع ابنتها قبل دفنها، واليوم الأحد، أفرج عنها من على حاجز سالم المقام غرب جنين، وحين وصلت إلى رام الله، توجهت إلى زيارة قيرها، وجثت على ركبتيها قربه قائلة: "هذه الوردة مني، ومن كل الأسيرات".
قالت جرار لـ"العربي الجديد" إنها "جففت الوردة في سجن الدامون، لكن الحصول على الوردة كان خلسة، فلا ورود في سجون الاحتلال، بل بعض الورود في الطريق من وإلى زيارة المحامي، أو العيادة، جففتها خلسة لكي أضعها على قبر سهى. حرموني من وداعها بقبلة، فودعتها بوردة".
وضعت خالدة على كتفيها، فور وصولها إلى القبر، علم فلسطين الذي لف جسد ابنتها حين تشييعها، وحظيت لحظات وصولها إلى المقبرة باهتمام إعلامي، كما حدث عند تشييع جثمان ابنتها الذي لم تحضره. قالت جرار: "مشاعري مختلطة، فهي الحرية، لكنها حرية منقوصة بمن تركت خلفي من الأسيرات، ووضع صعب بسبب فقدان سهى".
وأضافت: "كنت أحلم دائماً أن آتي ركضاً إلى قبر سهى لأحضنه بعد أن حرموني من وداعها. العديد من الأسرى والأسيرات يعيشون ظروفاً صعبة بسبب فقدان أحبتهم، ومطلب الأسرى هو الحرية، وهم بشر، لكن الاحتلال المجرم لا يعرف الإنسانية".
لحظات الحزن في السجن مختلفة كما تشرح خالدة، لكنها كانت لحظات تفوقت فيها الأسيرات على السجان؛ تقول: "لقد كان شيئاً يفوق المشاعر. التضامن والمحبة وتخفيف الألم، حتى إن إدارة السجن لم تستطع إغلاق الأبواب على الأسيرات، ووقفت مذهولة. الأسيرات فرضن بحضورهن أن تبقى الأبواب مفتوحة فترة طويلة".
تؤكد جرار أن لكل شيء في الأسر معنى خاصاً بسبب الحرمان، لكن عوضتها وقفة الأسيرات، ورسائل التضامن التي وصلتها، سواء من الأسرى أو من الخارج، وتقول: "لا تتصوروا كيف خففت عني المشاعر التي اخترقت الزنازين رغماً عن الاحتلال. أصوات المظاهرات على باب سجن الدامون من شعبنا في وطننا الفلسطيني المحتل اخترقت جدران الزنزانة، هذا الدفء لا يستطيع الاحتلال اعتقاله".
تحدثت خالدة لابنتها الراحلة حينما جثت على ركبتيها. لم يسمع الحاضرون الكلام، لكنها قالت لـ"العربي الجديد": "قلت لها إنني خرجت إلى الحرية، أنا متأكدة أنها فرحة الآن، وأنا مشتاقة لها، فآخر مرة احتضنها كانت ليلة الاعتقال في عام 2019، الفقدان صعب، ونحن أمهات، مناضلات ولكننا بشر أيضاً. نفرح لكل شيء، ونحزن لكل شيء".
تقول جرار: "حين حرر الأسرى أنفسهم في عملية الهروب من سجن جلبوع، حرروها من أجل أن يحتضنوا أمهاتهم، وأن يروا زيتون فلسطين، وليس أي شيء آخر، وهذا يؤكد إجرام الاحتلال الذي لا يعرف الإنسانية، ويؤكد مطلب جميع أسرانا وأسيراتنا بالحرية".
خالدة جرار التي اعتقلت في عام 2019، وأفرج عنها اليوم الأحد بعد انتهاء مدة حكمها، أمضت في سجون الاحتلال الإسرائيلي ما مجموعه 3 سنوات ونصف، منها 26 شهراً في الاعتقال الإداري.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق