ماهر الخطيب / النشرة
بعد إتفاق الطائف، باتت المملكة العربية السعودية هي الراعي الرسمي للساحة السنية في لبنان، لا سيما من خلال رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري، بعد أن كانت مصر تلعب الدور الأبرز. هذا الواقع لم يتوقف بعد العام 2005 بعد إغتيال الحريري، لكن الأمور تبدلت بعد العام 2017، أي تاريخ الأزمة التي حصلت مع رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، عندما أُجبر على الإستقالة من الرياض.
قبل ذلك، كانت السعودية قد أرسلت إشارة سلبية، تمثلت بما نُقل عنها في لحظة إبرام التسوية الرئاسية بين "التيار الوطني الحر" وتيار "المستقبل"، لناحية أن الحريري وحده يتحمل مسؤولية الخطوة التي ذهب إليها، بالرغم من الإنفتاح الجزئي الذي أبدته بعد إنتخاب رئيس الجمهورية ميشال عون.
في الأشهر الماضية، بات من الواضح أن الرياض تتعامل بلامبالاة مع الملف اللبناني، الذي لم يعد أولوية بالنسبة لها، بحسب ما تؤكد مصادر متابعة عبر "النشرة"، بالنظر إلى إنشغالها في ملفات أكثر أهمية، خصوصاً اليمن الذي تنظر إليه على أساس أنه قضية أمن قومي، الأمر الذي دفعها إلى التعامل مع لبنان على أساس أنه ورقة تفاوض، من الممكن التخلي عنها من أجل الحصول على مكاسب في مكان آخر.
هذا الواقع، تشير المصادر نفسها إلى أنه من الممكن الإستدلال عليه من خلال الربط بين الملفين في المفاوضات التي أجرتها الرياض مع إيران أو سوريا، حيث كانت دائماً تطرح ما يشبه المقايضة بينهما، لا سيما أنها تعتبر أن الإستثمار في لبنان بات خاسراً، بسبب الإنقلاب الحاصل في موازين القوى، بالإضافة إلى ضعف الأوراق التي من الممكن أن تعتمد عليها.
على الرغم من ذلك، تعتبر هذه المصادر أن السعودية ساهمت إلى حد بعيد في إضعاف تلك الأوراق، تحديداً على الساحة السنية، من خلال مطالبتها بأمور هي تدرك مسبقاً أنها عاجزة عن تلبيتها، خصوصاً لناحية الذهاب إلى مواجهة مفتوحة مع "حزب الله"، الأمر الذي أدى إلى المزيد من الخلل في موازين القوى، نظراً إلى أن حلفاءها باتوا يفاوضون من موقع أضعف من الماضي.
ما تقدم، تؤكد عليه مصادر مطلعة على الواقع في الساحة السنية لـ"النشرة"، حيث تشير إلى أن ما يحصل، في الوقت الراهن، يصب في صالح "حزب الله"، نظراً إلى أن غالبية القيادات السنية الحالية غير قادرة على الدخول في أي مواجهة غير محسوبة النتائج، لا سيما أنها لا تملك الأدوات اللازمة لذلك، بل على العكس هي مشرذمة على أكثر من جبهة وتننافس على "الصحن" الإنتخابي نفسه، الأمر الذي يستفيد منه حلفاء الحزب في هذه الساحة لتوسيع دائرة نفوذهم.
وتلفت هذه المصادر إلى أنه في حال كانت الإنتخابات النيابية المقبلة هي المعيار، فإن تيار "المستقبل" لن يكون قادراً على خوضها في الشكل المطلوب، بسبب عدم توفر القدرات المالية لديه، بينما رئيس الحكومة نجيب ميقاتي يواجه أزمة نتيجة التداعيات المترتبة على الخلاف الدبلوماسي القائم، وتضيف: "الحريري لا يزال يتصدر السباق لكنه لم يعد بالقوة نفسها، كما أنه يواجه منافسة شرسة في أكثر من دائرة".
في المحصلة، ترى المصادر نفسها أن إدارة المعركة، في ساحة دقيقة التوازنات، لا تكون عبر إضعاف الحلفاء للذهاب إلى خيارات غير مدروسة، بل على العكس عبر العمل على تقويتهم، كي يكونوا قادرين على فرض معادلات جديدة، وتضيف: "لو دعمت الرياض خطوة مشابهة لخطوة إستيراد المحروقات من طهران، لكانت النتيجة أكبر من كل ما يحصل في الوقت الراهن".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق