محمد دهشة - نداء الوطن
اقفل العام 2021 على توتر غير مسبوق بين حركتي "فتح" و"حماس" في لبنان على خلفية حدثين في مخيم برج الشمالي في منطقة صور، الاول اندلاع حريق تبعه انفجارات في مسجد "ابي بن كعب"، قضى فيه المهندس حمزة شاهين (الجمعة 10 كانون الاول)، والثاني اطلاق نار على موكب تشييعه (الاحد 12 كانون الاول)، ما ادى الى سقوط ثلاث ضحايا من مخيمي عين الحلوة والمية ومية وهم محمد وليد طه، حسين محمد الأحمد وعمر محمد السهلي، وقد شيعتهم "حماس" (الثلاثاء 14 كانون الاول) بموكب سياسي وشعبي حاشد تحت شعار "على درب فلسطين والمقاومة المستمرة والتحرير والعودة".
وسبب توتر العلاقة بين القوتين الفلسطينيتين، اتهام "حماس" لـ"قوات الامن الوطني الفلسطيني" الذي يعتبر الذراع العسكري لـ "فتح" باطلاق النار عمداً والقتل المتعمد، ونفي الاخيرة إراقة اي دماء واستعدادها لتسليم اي متورط باطلاق النار، ما ادى الى تجميد العمل المشترك حيث اعلنت "فتح" وقف كل اشكال التواصل والاتصال مع "حماس" وعلى كافة المستويات وفي كل المناطق في الساحة اللبنانية وتبعتها فصائل "المنظمة"، بينما قررت "حماس" تعليق عضويتها في القوة المشتركة في مخيم عين الحلوة وعدم المشاركة في اي لقاء او اجتماع يشارك فيه مسؤولون عن "الأمن الوطني".
وترجم التوتر السياسي بين القيادتين بتبادل الاتهامات والروايات ثم بالاصطفاف العمودي بين فصائل منظمة التحرير مع "فتح" و"تحالف القوى الفلسطينية" مع "حماس"، ثم بالاحتقان الشعبي في مختلف المخيمات وعلى مواقع التواصل الاجتماعي كافة وخاصة مجموعات "الواتساب"، ما فتح الابواب على مخاوف من توترات امنية متنقلة داخل المخيمات، اذ ان للحركتين نفوذاً قوياً فيها، مع الخشية من دخول طابور خامس لاشعال نار الفتنة، وهي محاولات دائمة ولم تتوقف اصلاً.
وتمر العلاقات بين "فتح" و"حماس" بمراحل من المد والجزر امتداداً للتوافق او الاختلاف بين القيادتين المركزيتين رغم الاتفاق على جعل الساحة الفلسطينية في لبنان استثنائية لا تتأثر بتداعياتهما نظرا لخصوصيتها، الا ان الخلافات أدت في بعض الاحيان الى تعطيل او تجميد او عدم تفعيل العمل المشترك، وقد وصل الامر قبل سنوات الى حل "القيادة السياسية الموحدة"، قبل ان ينجح رئيس مجلس النواب رئيس حركة "أمل" نبيه بري بإعادة تشكيل "هيئة العمل المشترك الفلسطيني" (3 ايلول 2018) كإطار يجمع الكل الفلسطيني وما زال مسؤول الملف محمد الجباوي يتابع عملها. كما اقفل العام على ثلاث زيارات لافتة: الاولى، للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش (الاثنين 20 كانون الأول) لمدرسة اللد التابعة للأونروا في طرابلس في اطار زيارته الى لبنان التي استمرت اربعة ايام، والتقى مع طلاب من البرلمان المدرسي ومع عدد من أهالي الطلاب والمعلمات، واستمع إلى مخاوفهم وتطلعاتهم. فأعرب عن تضامنه مع لاجئي فلسطين، وأكد تصميمه على جمع التمويل اللازم للأونروا لمواصلة تقديم خدماتها وعلى أهمية عدم فقدان الأمل. الثانية، لرئيس "حماس" في الخارج خالد مشعل الى بيروت (الاربعاء 15 كانون الاول) والتي استمرت اياماً، ولكنها لم تجر وفق ما اشتهت الحركة اذ قوبلت بمقاطعة من مسؤولين لبنانيين رسميين لتفادي الاحراج والعتب من دول الخليج العربي التي قطعت علاقاتها مع "حماس"، ومن قوى سياسية حليفة لسوريا نتيجة مواقف مشعل من احداث 2011 حيث كان رئيسا للمكتب السياسي، ومن "فتح" وفصائل "المنظمة" على خلفية قرار وقف اشكال التواصل جراء ما جرى في مخيم برج الشمالي. والثالثة، للمفوض العام لـ"الاونروا" فيليب لازاريني (6 كانون الاول) الى لبنان، ولقائه عدداً من المسؤولين اللبنانيين والفلسطينيين وتفقد المخيمات، لكنها لم تحمل جديدا لتخفيف معاناة اللاجئين بل على العكس دق ناقوس الخطر من العجز المالي المتراكم، ما اعتبره اللاجئون زيارة مخيبة للآمال وإشارات سيئة حول مستقبل الخدمات الصحية والتعليمية والاجتماعية وصولاً الى رواتب الموظفين، فقوبلت باستياء فلسطيني سياسي واحتجاج نقابي وتساؤلات شعبية، ولم تشفع له وعوده بإطلاق نداء طوارئ خاص بلبنان بداية العام، رغم تأكيده أن المساعدة النقدية التي تقدمها الوكالة ستبقى أولوية.
وقبل الزيارات، اثار قرار وزير العمل مصطفى بيرم رقم 96/1 (8 كانون الاول)، والذي استثني فيه اللاجئون الفلسطينيون من المهن الواجب حصرها باللبنانيين فقط، المولودون على الأراضي اللبنانية والمسجلون بشكل رسمي في سجلات وزارة الداخلية والبلديات اللبنانية، ضجة في الاوساط اللبنانية وأبرزها من رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل الذي وصف القرار بأنه "توطين مبطن"، وقابله ارتياح في الاوساط الفلسطينية وقد وصفته بقرار شجاع صحح إجحافاً طويلاً. وحفل شهر تشرين الثاني بحدثين بارزين: الاول، الخلاف بين فصائل المنظمة والتحالف حول عقار ملاصق لمخيم "الجليل" في البقاع، والمبرم فيه عقد استئجار بين دائرة أوقاف البقاع و"المنظمة" ويعطيها حصراً الحق بالانتفاع والاستعمال والاستثمار فيه. والثاني، تمثل في تعليق منظمة "الصاعقة" المقربة من سوريا مشاركتها في اجتماعات تحالف القوى الفلسطينية في بيروت تزامنا مع تسلم "حماس" امانة السر الدورية التي تستمر 4 اشهر، وكتعبير احتجاجي عن عدم دعمها في مواقف كثيرة.
قطوعات أمنية
وتجاوز مخيم عين الحلوة (30 تشرين الاول) قطوعاً أمنياً بعد قتل أحد الناشطين الاسلاميين حسن أبو دبوس المقرب من "جند الشام" سابقاً، في منطقة "الطوارئ"، حيث ثقل النفوذ الاسلامي، الانتكاسة الامنية لم تنفجر اشتباكاً مسلحاً خلافاً للعادة بسبب سرعة التنسيق بين "فتح" و"القوى الاسلامية" التي اعتبرت الحادث فردياً على خلفية ثأرية قديمة وليس وفقا لقرار سياسي منظم.
والقطوع الامني هو الثاني في منطقة "الطوارئ" في غضون شهر ونيف، اذ اندلع اشتباك بين "فتح" وناشطين اسلاميين في المنطقة ذاتها على خلفية اعتقال مجموعة من الامن الوطني الفلسطيني المطلوب مصطفى الفران (18 ايلول 2021) وتسليمه الى مخابرات الجيش اللبناني، ما ادى الى سقوط 4 جرحى، اضافة الى اضرار جسيمة في الممتلكات. وعقب الاشتباك، عقدت قيادتا "فتح" و"القوى الاسلامية" اجتماعاً ثنائياً بعد طول انقطاع (1 تشرين الاول 2021) واتفقا على التنسيق لقطع الطريق على اي توتير امني او فتنة.
وفي 24 آب، قتل الفلسطيني السوري وسام محسن (36 سنة) وجرح ثلاثة آخرون عن طريق الخطأ بينهم سيدة جراء اشكال تطور الى اطلاق نار في الشارع الفوقاني داخل مخيم عين الحلوة.
وخلال العام، شهد المخيم بعض الاحداث الامنية ابرزها اشتباك وقع قرب مسجد "النور" حتى حي الزيب في الشارع التحتاني (18 تموز 2021)، على خلفية فردية بين احد عناصر الامن الوطني الفلسطيني واحد الناشطين الاسلاميين، قبل ان يتطور ويمتد الى اشتباك مع حراس مسجد "النور" التابعين لـ"الحركة الاسلامية" المجاهدة برئاسة الشيخ جمال خطاب، وادى الى سقوط ثلاثة جرحى وتضرر عدد من المنازل والمحال التجارية والسيارات، واستتبع لاحقاً بإجراء مصالحة عائلية – سياسية بين الطرفين (25 أيلول 2021).
ولم يسلم النازحون الفلسطينيون من سوريا الى لبنان، من الازمات ومن عجز "الاونروا" المالي، حيث قررت الادارة (15 كانون الاول) تقليص الجزء الأكبر من المساعدة الشهرية المتعلقة ببدل الإيواء (100 دولار شهرياً) ابتداء من مطلع 2022، بذريعة عدم توفر التمويل من الجهات المانحة، الامر الذي اعتبره تجمع اللجان الأهلية لفلسطينيي سوريا بمثابة "إعدام جماعي" بحقهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق