عبد معروف
كانت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين،
واحدة من أبرز القوى الثورية على الساحة الفلسطينية والعربية، وخاضت الجبهة خلال
سنوات طويلة ميادين الصراع مع الاحتلال، وشكلت رافدا من روافد الثورة في الوطن
العربي، وأقامت علاقات ثورية مع قوى الثورة والتحرر في العالم.
ووقفت الجبهة الشعبية ضد المفاوضات
وأعلنت رفضها لمشاريع التسوية والسلام مع الاحتلال الاسرائيلي، وتمسكت بالخيار
الثوري المقاتل لتحرير فلسطين ومقاومة الاحتلال استنادا للفكر الماركسي اليساري
بقيادات تاريخية أبرزها (جورج حبش، وديع حداد،
أبو ماهر اليماني، أبو علي مصطفى، صلاح صلاح وغيرهم الكثير في صفوف الجبهة)
قيادات صلبة، لا تهاب التضحية وتدخل ميادين الصراع دون تردد.
إلا أن دور الجبهة الشعبية الذي تمتعت
به منذ أواخر الستينات وحتى بداية الثمانيات في قتال العدو الاسرائيلي ومواجهة
التيار الذي كانت تعارضه على الساحة الفلسطينية وشكلت جبهات الرفض من أجل عرقلة
تقدمه، تراجع هذا الدور الثوري إلى حد كبير، وتراجعت مواقفها الصلبة وأصبحت أكثر
تعايشا وانسجاما مع الواقع المأزوم الذي تمر به القضية الفلسطينية، بل كانت تلتزم
بوقف إطلاق النار مع العدو الاسرائيلي أحيانا التزاما منها بالقرار الفلسطيني،
وبـ"الوحدة الوطنية الفلسطينية".
إلا أن السنوات الطويلة من تنازلاتها
عن أسس ومبادئ انطلاقتها الثورية، أدى إلى ضعف الجبهة وتراجع دورها كقوة ثورية
فاعلة، وانغمست أكثر في إطار التهدئة واندمجت بالخط السياسي الرسمي بهدف المحافظة
على الوحدة الوطنية.
أيا تكن الشعارات التي ترفعها الجبهة
الشعبية لتحرير فلسطين اليوم، وأيا تكن التصريحات والبيانات التي تطلقها قياداتها،
ومع كل التقدير للعمليات البطولية التي يشارك فيها أبطال الجبهة الشعبية لمقاومة
اقتحامات الاحتلال الصهيوني، وأسرى الجبهة الأبطال في السجون، إلا أن الجبهة
الشعبية اليوم، ليست هي الجبهة منتصف السبعينات. ولا شك أن هناك أسباب ذاتية وأخرى
موضوعية تحكمت بمسار الجبهة ، لكن سبب تراجع دور الجبهة في ميادين الصراع، وعدم
قدرتها على أن تكون تنظيما طليعيا في صفوف الثورة الفلسطينية، له أسباب تراكمية
بدأ منذ سنوات طويلة أدى إلى هذه النتائج اليوم، وجاء الانهيار الأبرز في هذه
المرحلة أمام المد الديني والطائفي في المنطقة على حساب العمل الوطني واليساري،
وعدم القدرة على المواجهة، لتصل الجبهة إلى ما وصلت إليه.
الجبهة الشعبية اليوم، ليس فصيلا
طليعيا في ميادين النضال والثورة، وليست الفصيل الثاني أو الثالث، وهي كأي فصيل
فلسطيني، وهنا لابد من التنويه إلى أن الانهيار عام على الساحة الفلسطينية،
والأزمة تتطال الجميع، لكن الجبهة طرحت نفسها تنظيما طليعيا يقاتل من أجل التغيير
والثورة وقتال العدو الاسرائيلي والدفاع عن مصالح الشعب، وكانت لسنوات خلت طليعة
القوى الرافضة والمقاتلة وعملت بجهد كبير من أجل تنظيم الشعب ورفع مستوى وعيه وحشد
قواه في ميادين الصراع الاجتماعي والعسكري
مع الاحتلال.
كان لابد من هذه المقدمة التاريخية وإن
كانت موسعة، لقراءة خلفيات قرار الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بعد المشاركة في
اجتماعات المجلس المركزي الفلسطيني في رام الله.
لا شك أن الصمت والصوت الخافت والتعايش
مع الازمات والتناقضات لسنوات طويلة سيقود حتما إلى واقع كالذي نعيشه، فالنتائج
تراكمية منذ سنوات، ووعدم القدرة على الثورة وتنازل التنظيم عن دوره ومبادئة ومنطلقاته
كرياضة التزلج، من رأس الجبل المثلج، فلا يمكن للمتزلج أن يقف وسط التزلج منحدرا،
ويعود إلى الخلف حيث كان في القمة، هذا صعب بل ومستحيل بمسار، والانزلاق ليس وليد الساعة، وهذا الانزلاق
سيستمر بحكم الدفع ما لم تعلم الجبهة أن عليها تغيير المسار والوصول إلى القاع على
أن تستعد للجولة القادمة من الصراع و لبناء قواها الثورية والنضالية بالوعي
والتنظيم والممارسة وتستعيد ثقة الشعب بميادين الصراع والثورة .
لكن اليوم وللأسف على الجبهة أن تعلم
ايضا أن عدم حضورها أجتماعات المجلس المركزي لن يؤثر كثيرا على مسار التطورات على
الساحة الفلسطينية لأنها ليست عاملا مؤثرا في المسار، وجودها سيكون شكليا وعدم
الوجود لن يغير الكثير، وإن غابت الجبهة الشعبية عن المشاركة في إجتماعات المجلس
المركزي، فسيكون غيرها حاضر ويمكن للحضور أن يعوض غياب الجبهة.
وعدم مشاركة الجبهة في اجتماعات المجلس
المركزي، والخروج من صف الحاضرين، يجب أن يكون باتجاه متميز، إن استطاعت ذلك،
فالزعيم القائد ياسر عرفات لم يشغل وقت الثورة بالخلاف والمماحكة مع رئيس منظمة
التحرير أحمد الشقيري، بل ذهب القائد الراحل إلى ميادينه ، ميادين الثورة ليشكل
بديلا عن ضعف الأنظمة، لا بالاقتتال ولا بالانشقاق ولا بالانقسام والانفصال،
ميادين الثورة هي من تصنع البدائل، هي من يصنع الرجال وليس البيانات والشعارات
والخطابات.
وهذا ليس كلاما طوباويا، إنه الواقع
بعينه، أو كما قال جياب قائد الثورة الفيتنامية "طبيعة أي مرحلة تحدد طبيعة
نضالاتها وأساليب ثورتها".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق