بقلم : سري القدوة
الاربعاء 2 آذار / مارس 2022.
ما من شك بان الحرب الطاحنة بين روسيا وأوكرانيا تدفع بالعالم الى مصير جديد سوف يغير طبيعة الفهم السياسي للمنظومة الدولية ويعيد ترتيب المشهد السياسي الدولي، وقد شكل الامن القومي الروسي الهدف والعنوان الاساسي لإعلان روسيا الحرب حيث كان ذلك السبب المباشر المعلن للحملة العسكرية الروسية، وبينما تبرز بالمقابل طموح الرئيس بوتين بالعمل مجددا من اجل احياء إرث الاتحاد السوفيتي الذي انهار عام 1991 حيث كان يعتبره ويصفه انه بمثابة تفكك لروسيا التاريخية .
لم تكن هذه الحرب مغامرة او مفاجأة بل كانت حرب مدروسة تماما والمتتبع لطبيعة العلاقات الروسية الاوكرانية يجد انها استغرقت اكثر من ثماني سنوات لدراستها ومنح الفرص لإحداث اختراق دبلوماسي ولكن دون جدوى، فكان بالمحصلة النهائية القرار الروسي بالتدخل العسكري بعد ان سخرت اوكرانيا كل الامكانيات والعلاقات المتشابكة لتعزيز ترسانتها العسكرية وقد شكل هذا التحول تحدي جديد للعالم الذي وقف عاجزا امام تطبيق العدالة واحترام القانون الدولي .
ومن الملاحظ بان تسخين الجبهة العسكرية في أوكرانيا من قبل الغرب طيلة السنوات الماضية عمل على تفاقم الاوضاع بالمحصلة النهائية واليوم نرى ان الادارة الامريكية قد تخلت عن مواقفها ووعدها المسبق في توفير الحماية تاركة الاوكرانيين مواجهة مصيرهم .
وتدرك الولايات المتحدة الامريكية حقيقة ان إشعال حرب عالمية بما يعني هذا الامر من معاني وتلك المخاطر الناتجة عن الاشتباك المباشر بين القوات الأمريكية والروسية في أوكرانيا، وعلى حسب ما يبدو بان امريكا تدرك تماما بأنها لا تتعامل مع ما يمكن تسميته منظمة إرهابية، بل تتعامل مع احد أكبر الجيوش في العالم، وهذا الامر سيترتب عليه وضع صعب للغاية ويمكن أن تسوء الأمور بسرعة اذا ما تم الاشتباك وتطورت الحروب القائمة الي حرب عالمية ثالثة سيدفع العالم ثمن كبير مقابلها .
القوات المسلحة الروسية تواصل تنفيذ مهامها القتالية خلال العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا، وسط تصعيد الغرب الضغط الاقتصادي والسياسي على موسكو مقابل جهود لبدء مفاوضات بين روسيا وأوكرانيا، وتعتقد روسيا ان هذه العملية العسكرية الخاصة التي يقوم بها الجيش الروسي، هي لتصويب الأمور إلى واقعها الصحيح، وتدخل في خانة الواقع الاستراتيجي لحماية الأمن القومي الروسي، وهذا تصرف طبيعي لدولة عظمى، لصد محاولة العنجهية الغربية والعقل المهيمن الأمريكي، لفرض واقع استراتيجي لقلب الوضع الأوكراني، ليصبح تهديدا في قلب البيت الروسي .
يبدو واضحا بان القرار الروسي تم اتخاذه من اجل اعادة تقيم الاوضاع القائمة ووضع حد لكل ما يجرى في اوروبا وأن هناك مقتضيات باتت تضغط على الجانب الروسي لتحقيق ما يطلق عليه بالحزام الضامن للأمن القومي كاستحقاق للمرحلة القادمة، فلدى روسيا الآن مصدر الطاقة الأهم والواعد في العالم والمتمثل بالغاز، وظهور هذا النوع من الطاقة يعني أن آليات الصراع ستتغير بعد أن كان النفط هو مصدر الطاقة الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة .
العمليات الروسية في أوكرانيا تندرج في إدارة هذا الصراع، وتعبر عن بعد الامن القومي الروسي وتعيد الاعتبار للجغرافية الروسية، وذلك تأسيسا على ما حصل من تداعيات بعد انهيار الاتحاد السوفيتي السابق، الذي خسرت روسيا فيه جغرافية مهمة تمثل أمنها القومي، وتعد بالنسبة لروسيا مهمة كونها تمهد لظهور قطب جديد يرسم مستقبل واعد سوف يشهده العالم .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق