عبد معروف
بعد إعلان قيام كيانهم، على الجزء المغتصب من فلسطين عام 1948، ركز الصهاينة جهودا حثيثة، لإنجاز عملية تهويد شاملة، شغل جزءا مهما منها التعاطي مع العرب الفلسطينيين، الذي بقوا في مدنهم وقراهم، ولم تفلح يد الارهاب الصهيوني في اقتلاعهم، مع من اقتلعوا من أرضهم عام 1948.
في الجهود الصهيونية، انصب التركيز على إلغاء الهوية العربية، وضرب حس الانتماء العربي، بالتوافق مع محاولة صهر العرب الفلسطينيين في تشكيل جديد، كمجموعة بشرية، مقطوعة الجذور، والصلات، وينحصر مستقبلها في نشاط مسيطر عليه ضمن حدود الكيان الصهيوني.
وبرز في طليعة ما قام به الصهاينة، ذلك التقسيم الغريب الذي استحدثوه لعرب فلسطين، بغية قطع الصلات فيما بينها، فصار الرأي العام يسمع عن دروز، وبدو، وعرب ومسيحيين، إلخ من تمظهرات تلك التقسيمة المفتعلة، والتي اتبعت بمستويات متنوعة في التعامل، تهدف إلى تكريس حالة انقسام وشرخ عميق بين أبناء فلسطين الواقعين تحت الاحتلال الصهيوني، في كيانه العنصري البغيض.
ومنذ عام 1948، وحتى اللحظة، لم تتوقف محاولات الصهاينة في ضرب الانتماء العربي وإلغاء مقومات الوجود، فيما شغل حيز آخر من الجهود الصهيونية لمحاولات التفريغ، عبر مصادرة الأراضي وعمليات التضييق والتمييز العنصري في أبشع صوره، والذي يطال مختلف جوانب الحياة اليومية لعرب فلسطين.
لقد أبدى العرب الفلسطينيون في الجزء المحتل من فلسطين عام 1948، مقاومة صلبة ومستمرة للصهاينة، وحفلت السنوات الماضية، بمختلف أنواع المقاومة للمحافظة على الهوية الوطنية، والتجذر في الأرض، مع السعي الحثيث دوما لابتكار أشكال فعالة في المقاومة، إن لجهة تأكيد أصالة الانتماء، أو لجهة النضال من أجل الحقوق الانسانية.
وعبر أوقات عديدة، وضمن محطات بارزة عن ذلك من خلال تشكيلات سياسية رمت إلى تنظيم الجهود المقاومة، ودفعها في قنوات أكثر تأثيرا.
وكما هو منتظر، فقد ووجهت مثل هذه التشكيلات، بالقمع المنقطع النظير، وبتشديد التحركات الصهيونية الهادفة إلى التخلص من الوجود العربي إما بصهره وتذويبه تماما، وإلغاء مقومات وجوده، وإما بدفعه إلى الرحيل، كي يتحقق هدف الاحتلال بـ"نقاء الدولة اليهودية".
إن كل تلك المحطات النضالية للعرب الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1948، قد توجت بـ"يوم الأرض" عام 1976، ففي هذا اليوم سال الدم العربي الفلسطيني مرة أخرى، مدافعا عن أرضه وحقوقه في وطنه، ومكرسا بالدم أيضا، لنتماءه إلى أمته.
ذلك أنه من بين أهم الدلالات التي أشار إليها "يوم الأرض" الدلالة على فشل المحاولات الصهيونية، وبعد سنين الاحتلال والقمع الطويل في إلغاء الهوية العربية الفلسطينية، وسقوط الأراجيف الصهيونية عن الأجيال التي ستنشأ وتعتاد وجود الكيان الغريب، والقبول بواقع وجودها كأقلية قومية مفتتة في ظل كيان الاغتصاب.
جاءت هذه المحطة النضالية البارزة، بدلالاتها المشار إليها، لتكريس منذ عام 1976 واقعا جديدا، لم يخف الصهاينة تخوفهم وقلقهم منه، والاشارة إلى "قنبلة موقوتة" الأمر الذي ضاعف من الجهود المكرسة لعمليات التذويب. لكن الواقع الجديد بدأ يفرض نفسه عاما بعد آخر، وصار شعار المحافظة على الأرض، والتمسك بها، بما هو إصرار على الهوية وأصالة الانتماء، هما محاثيا للوجود العربي الفلسطيني في فلسطين المحتلة عام 1948.
وظهرت مذاك أشكال جديدة للنشاط الجماهيري معبرة في جوهرها عن رفض الوجود الصهيوني، وساعية نحو ابتداع أساليبها النضالية الملائمة، للظرف المعقد الذي تعيشه، والذي أسهم في زيادة تعقيده، الاتجاه نحو التسوية والتطبيع مع الاحتلال بما تعنيه من تكريس لاغتصاب فلسطين، وإسقاط المطالبة بالتحرير الكامل لكل الأرض المحتلة ويلاحظ كثيرون كم كانت عملية الانخراط بالتسوية وعمليات التطبيع من تأثير نفسي وعملية إحباط على جماهير الشعب الفلسطيني داخل الوطن وفي الشتات، خاصة وأن اتفاقيات التسوية تسقط حق الفلسطينيين في مساحات واسعة من وطنهم .
"يوم الأرض" جاء ليشعل "الضوء الأحمر" لدى الأوساط الصهيونية، بصدد العرب داخل حدود الكيان الصهيوني، فازدادت عمليات التشظية، وتصاعد النهب المنظم للأرض، وبرزت فكرة الترانسفير مجددا بقوة، مستخدمة هذه المرة الاشارة إلى الخطر الديمغرافي الذي يمثله العرب، لاسيما في مناطق تجمعاتهم وتحديدا في الجليل المحتل.
مع بدء الانتفاضة الشعبية في كانون الأول عام 1987 وبروز مشاركة فعالة للفلسطينيين في الأراضي المحتلة كافة في فعالياتها بدأ يوم الأرض يكتسي أحد معانيه الجديدة، كمؤشر على وحدة النضال والهدف، وتحول إلى مناسبة يتصاعد فيها النضال الكفاحي، من أجل الحرية، فعلى مدى سنوات الانتفاضة المنصرمة وحتى اللحظة، برز الدور الكفاحي للفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1948، من خلال العمليات النوعية، وإحراق المزروعات في المستوطنات الصهيونية، ومن خلال المشاركة بمديد العون والمساعدة للقرى والمخيمات المحاصرة في الضفة وغزة.
هذا العام، يأتي يوم الأرض في ظل الظروف الناشئة، حيث الانخاط في عمليات التسوية والتطبيع من جهة، والتصاعد الكفاحي وعمليات المقاومة النوعية من جهة أخرى، فمن جديد تأكدت وحدة النضال والهدف، من خلال العمليات البطولية التي شهدتها الأراضي الفلسطينية المحتلة، ومن خلال التصعيد النضالي والوقوف في وجه المخططات الاستيطانية الهادفة إلى تهويد الأرض وتمزيق الشعب .
هنا، علينا دوما إدراك الظروف شديدة التعقيد التي تحيط بنضال الشعب الفلسطيني في المناطق المحتلة عام 1948، حيث من المتوجب الاقرار، بأنهم يعيشون ظروفا مختلفة، وبأن أدوات النضال وأشكاله لابد وأن تأخذ الظرف الخاص بنظر الاعتبار، على أن لا يلغي وكما هو الواقع أشكالا نضالية، تكتسي طابعا عنيفا.
لقد أظهر كثيرون، أن نضال العرب الفلسطينيين، ضد الكيان الصهيوني، داخل حدود الاغتصاب الأول عام 1948، أمر يتسم الحديث عنه بالمبالغة لدى تناوله، لكن هؤلاء، يسقطون ببساطة دلالات الوقائع، إن أخذنا الأمر بحسن النوايا والمؤكد أن "يوم الأرض" من حيث هو محطة مهمة، في مسار النضال الوطني الفلسطيني الطويل، يأتي في كل مرة ليؤكد من جديد، الاصرار على الهوية والانتماء ورفض الوجود الصهيوني، وليؤكد أيضا سعيا لا ينقطع ولا يتراجع عن ابتداع أشكال متقدمة من النضال في مواجهة تعقيدات متزايدة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق