القدس العربي
تفاقمت أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان بشكل غير مسبوق خلال الأعوام القليلة الماضية وحذرت تقارير حقوقية من الانهيار الشامل داخل مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان وأن تتجه نحو المزيد من الأزمات على أكثر من صعيد.
وتعتبر الأزمة المالية والمعيشية التي يمر بها لبنان واحدة من أبرز أسباب هذا الانهيار المعيشي والإنساني داخل مجتمع لاجئي فلسطين، بالإضافة إلى الوضع الاقتصادي والإنساني المتردي، فالمخيمات الفلسطينية بدون ماء ولا كهرباء، ولا بنزين ولا دواء.
إلى جانب ارتفاع الأسعار ومعدلات البطالة والفقر في مجتمع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان التي ارتفعت إلى 85 في المائة، في ظل غياب فرص العمل، وتراجع المساعدات الإغاثية التي تقدمها وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشعيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا".
"القدس العربي” التقت نائب رئيس رابطة علماء فلسطين في لبنان الشيخ علي اليوسف وأجرت معه هذا الحوار:
– كيف تصف الأوضاع المعيشية للاجئين الفلسطينيين في لبنان؟
يعيش اللاجئون الفلسطينيون في لبنان وضعا صعبا ومأساويا جدا خاصة داخل المخيمات الفلسطينية على امتداد الأراضي اللبنانية، وتعتبر هذه المخيمات الأكثر فقرا وتهميشا فهي تعيش مأساة كبيرة، وبما أن المخيمات في لبنان هي المستهدفة ضمن المؤامرات التي تحاك، فاللاجئون الفلسطينيون يعيشون هاجس الخوف والقلق من تدمير وتصفية مخيماتهم بعد أن تم تدمير المخيمات الفلسطينية في سوريا والقضاء عليها بشكل كامل ضمن المؤامرات والصفقات التي تحاك في المنطقة تحت عدة مسميات، الوطن البديل، صفقة القرن التي كانت تطرح سابقا.
ويمكن وصف أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان بالمزرية جدا، من ناحية العمل وهذا موضوع هام جدا ومعيشي، الكثير من أصحاب الشهادات والاختصاصات (أطباء ومحامون ومهندسون) لا يستطيعون العمل في مهنتهم بشكل ميسر وأحيانا كثيرة يعملون تحت أسماء أشخاص لبنانيين خوفا من أن تعمل السلطات اللبنانية على محاكمتهم ومحاسبتهم، بالاضافة إلى تعرضهم لكثير من المخاطر كما حصل في حادث منطقة بعلبك وأدى إلى وفاة الكثير من الجسم الطبي الفلسطيني وقس على ذلك في كافة المهن.
يعيش اللاجئ الفلسطيني في المخيمات الفلسطينية وكأنه يعيش في سجن كبير، تحيط به الجدران الإسمنتية وأنا شخصيا أسميته الجدار العنصري البغيض، يعيش في مخيم عين الحلوة 80 ألف شخص ضمن مساحة 1 كلم، وقد حصلت حالات وفاة لم نستطع إخراج المتوفي من المنزل إلا من خلال النافذة بسبب الأزقة والطرق الضيقة وكثافة السكن وضيق مساحة المنازل. هذه ليست حياة في زمن يتم التحدث فيه عن حقوق الإنسان وحق المرأة وحق الطفل، هذا الطفل الذي لا يأخذ حقه بحياة كريمة، خاصة في المخيمات الفلسطينية، لا يتمتع الطفل الفلسطيني بأدنى حقوق الطفولة، فلا تتوفر مساحات للعب ولا حدائق للتنزه ولا حتى إمكانية لوجود أمكنة لتفريغ طاقته، بالإضافة إلى الفقر والعوز وتراجع المستوى التعليمي، الشعب الفلسطيني يعيش مأساة حقيقية يصعب وصفها ببعض كلمات، وضع المخيمات مأساوي وغير مقبول من كافة النواحي الحياتية، بطالة كبيرة داخل مجتمع الشباب الفلسطيني، لولا أن البعض يتقاضى رواتب من الفصائل الفلسطينية ومن بعض المؤسسات الأخرى الموجودة، لكانت المأساة قد تفاقمت كثيرا لدرجة اندلاع ثورة الجياع.
– لماذا تفاقمت الأوضاع من فقر وبطالة وضياع بشكل كبير داخل المخيمات الفلسطينية في الآونة الأخيرة؟
تفاقمت الأوضاع المعيشية والحياتية بسبب الانسداد السياسي الموجود في المنطقة، اضافة الى عدم وجود أي حل للقضية الفلسطينية حتى في الداخل الفلسطيني، فالمشكلة تتأزم كل يوم زيادة عما سبق وتتصاعد المشكلة في فلسطين، كان الوضع متفجرا في فلسطين خاصة في غزة والكيان الصهيوني أما اليوم فاصبحت بين الكيان الصهيوني والقدس وبئر السبع وبلدات أخرى.
الفلسطينيون في لبنان وفي كل العالم يشكلون انعكاسا للواقع الموجود داخل فلسطين، نحن مجبورون لأن نكون انعكاسا لهذا الواقع الفلسطيني، وكلما تشتد الأزمة في فلسطين ترى انعكاس هذه الأزمة على اللاجئين في المخيمات الفلسطينية.
– لماذا كل هذا الحراك الشعبي الفلسطيني في لبنان ضد "الأونروا”؟
"الأونروا” تقلص من خدماتها بشكل مستمر، فيما مضى رفعت الشعارات خوفا من موت الفلسطينيين على أبواب المستشفيات بسبب عدم تمكنهم من العلاج، للأسف هذا ما وصلنا اليه اليوم. القطاع الصحي والمعيشي والإغاثي في وضع صعب ومتأزم جدا، وايضا في فترة جائحة كورونا، لم تقدم "وكالة الأونروا” الا بعض المساعدات البسيطة جدا، أُنشئت وكالة "الأونروا” من أجل مساعدة الشعب الفلسطيني وإغاثته ودعمه ولكن لا يرى اللاجئون الفلسطينيون أيا من هذه الخدمات رغم أن سبب وجود الوكالة ما زال موجودا، ولكن ما يحصل الآن هو ضغط على الشعب الفلسطيني حتى يقبل بأي حل من الحلول التي تريدها أمريكا والمجتمع الدولي، يجب رفع الصوت عاليا ضد تصفية وكالة "الأونروا” ويجب أن يبقى الحراك متصاعدا في وجه "الأونروا” من أجل استمرار خدماتها وحتى يبقى الضغط إلى أن يأخذ الشعب الفلسطيني حقوقه وأن تستمر "وكالة الأونروا” في تقديم الإغاثة للشعب الفلسطيني، كذلك يجب أن يكون هناك ضغط على الدول المستضيفة مثل لبنان والأردن، كي تضغط بدورها على المجتمع الدولي من أجل استمرار خدمات وكالة "الأونروا”، وأن تترافق كل هذه التحركات بحراك قانوني إلى جانب الحراك الشعبي حتى تبقى وكالة "الأونروا” عنوان اللجوء الفلسطيني إلى أن ينال هذا الشعب الفلسطيني حقوقه، كما لا بد من مطالبة وكالة "الأونروا” أن تزيد من مساعداتها حتى يبقى هذا اللاجئ الفلسطيني صامدا في أماكن لجوئه، في حال تم الغاء وكالة "الأونروا” هذا يعني أنه تم الغاء القضية الفلسطينية، لأن "الاونروا” هي الشاهد على هذه القضية وهذه النكبة، مما يشكل استهدافا للقضية الفلسطينية في جوهرها وبالتالي ينتهي الحديث عن حق العودة إلى الديار التي هجر اللاجئون منها وعنها.
– في العقود الماضية كانت هناك دعوات فلسطينية من أجل الغاء وكالة "الأونروا” بينما الآن الفلسطينيون يتمسكون بها ويطالبون باستمرار خدماتها، لماذا؟
هناك الكثير من المتغيرات والنظرة فيما مضى من الناحية الإنسانية والسياسية، اختلفت عما هي عليه اليوم، كان الحماس والاندفاع يطغى على المرحلة الأولى من التهجير، كانت النظرة أن اللاجئين عائدون إلى فلسطين ويجهزون أنفسهم للعودة، وكان بالإمكان تجاوز الكثير من المطبات الإنسانية والمعيشية والحياتية، لهذا كان اللاجئون يرفضون وجود وكالة "الأونروا” ويطالبون بالعودة، أما الآن فاللاجئون يريدون العودة طبعا، ولكن هناك توازنا بين وجود وكالة "الأونروا” وبين الحياة الكريمة للاجئ الفلسطيني، لهذا أصبح اللاجئ يفكر بالاستفادة من المجتمع الدولي، ومن عطاءاته ومن الدول المانحة من أجل تحسين اوضاعه. ولا بد هنا من التوجه بالشكر إلى الجهات والدول التي تساند وتقف إلى جانب الشعب الفلسطيني دون فرض شروط ودون المطالبة بتركيع هذا الشعب، فهذه الجهات لا تقوم بدور المساندة فقط وإنما تقوم بواجب إنساني كما هو وارد في شعارات الامم المتحدة والاعلان الانساني. لذلك اصبح اللاجئون متمسكون بدور”الاونروا” لعدة اعتبارات:
أولا: اعتبار إنساني.
ثانيا: اعتبار سياسي، بما أن "الأونروا” هي الشاهد على النكبة وعلى اللجوء الفلسطيني.
– ما هو دور الفصائل الفلسطينية في تخفيف المعاناة عن الشعب الفلسطيني؟
تأسست الفصائل الفلسطينية على دور أساسي وهو دور تحرري ودور مقاومة وتحرير فلسطين، وما زلنا متمسكين بحق العودة.
الفصائل الفلسطينية لا تستطيع اليوم أن تقوم بدور الدولة، خاصة في ظل الوضع الصعب والمتأزم الذي تعيشه المخيمات الفلسطينية في لبنان، الشعب الفلسطيني بحاجة الى حضانة العديد من الدول كما هو الحال مع "الأونروا” التي تتلقى دعما من عدة دول إضافة الى الداعم الأكبر، الولايات المتحدة الأمريكية، رغم هذا الدعم، هناك تقصير تجاه الشعب الفلسطيني من ناحية التعليم والطبابة والحياة الاقتصادية، يعيش حاليا اللاجئ الفلسطيني في أدنى مستوى معيشي على كافة المستويات، لهذا الفصائل الفلسطينية لا تستطيع أن تقوم بهذا الدور الكبير، هناك فصيلان رئيسيان (حماس وحركة فتح) يقدمان بعض المساعدات على المستوى الطبي وبعض منح التعليم، رغم ذلك هذه المساعدات لا تشكل اكثر من 20% من احتياجات الشعب الفلسطيني، الفصائل الفلسطينية عليها أن تتحمل مسؤولية الواقع السياسي المهترئ وأن تعمل على وحدة الصف، المصالحة، الضغط من أجل الحصول على الحقوق من الآخرين، لا يستطيع اللاجئ أن يعول كثيرا على الفصائل الفلسطينية لأنها هي أيضا تتلقى دعما من عدة دول مانحة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق