النهار العربي
قبل أيام قليلة، أطلقت "وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين" في لبنان (الأونروا) نداءً طارئاً: التمويل الدولي مطلوب عاجلاً لدعم اللاجئين الفلسطينيين في لبنان. معدلات الفقر وصلت إلى حدود الـ73 في المئة، نسبة أعلنها المدير العام للوكالة كلاوديو كوردوني.
حملنا أرقام "الأونروا" وبيانها وما فيه، وقصدنا مخيم مار الياس للاجئين الفلسطينيين في قلب بيروت. توقفنا هنا لنسأل عن أحوال ساكنته: كيف يقضون شهر رمضان المبارك زمن الأزمات؟
في بقعة جغرافية ضيقة تتراصف المنازل الطينية جنباً إلى جنب. منازل متهالكة غالباً، ومعابر ضيقة بالكاد يتخطى عرضها المتر الواحد. كابلات كهربائية عشوائية ممددة على الجدران وفوق رؤوس العابرين... ولا كهرباء طبعاً. نحو 230 عائلة تعيش في المخيم هذا، بما يُقدّر بنحو 1400 لاجئ.
رحلة المعابر
"الواقع القائم هو واقع أليم"، يستهل أبو عماد شاتيلا حديثه إلى "النهار العربي". الرجل مسؤول اللجان الشعبية في بيروت، والمشرف على مخيم مار الياس. "شهر رمضان الكريم أتى في ظروف صعبة على الأهالي اجتماعياً ومالياً"، يقول. "نحن في حالة انقطاع عن العمل منذ أكثر من سنتين، من بداية كورونا إلى بداية الأزمة المالية المعيشية في لبنان". ثلاثة وسبعون في المئة من الشعب الفلسطيني وعائلاته بحاجة إلى مساعدة يومية. يمر رمضان على بعض العائلات من دون أن تتمكن من تحضير السحور، والوجبة الغذائية غير كافية، خصوصاً لدى العائلات الكبرى، أو تلك المقطوعة من أي دعم خارجي. العائلات هذه تعيش يوماً بيوم، كما يقول شاتيلا.
من مقر اللجنة الشعبية، نعبر مجدداً مسالك المخيم. التيه قدر لا مفر منه وسط المنازل. تحتاج دوماً من يرشدك إلى الشوارع الرئيسة إن كنت من زوار المخيم للمرة الأولى. قد لا تتخيل مساحة جغرافية معقّد عبورها الى هذا الحد. في طريقنا نلتقي عارف عبد الرازق، رب أسرة مكونة من سبعة أفراد. الرجل في الأصل من قرية عمقا، قضاء عكا في فلسطين. يدعونا إلى منزله فنلتقي أسرته. الوضع سيئ جداً، "أشغال ما في"، كل شيء في البلد غالي الثمن. يستهل عارف حديثه، ليتابع قائلاً إنه يعجز عن تأمين "الكثير الكثير الكثير من الاحتياجات الأساسية" لعائلته، وهو في الأساس عاطل من العمل.
سوسن ظريف، زوجة عارف تتحدث عن أزمة هي الأقسى هذا العام. "بالكاد أؤمن لعائلتي السحور، المكوّن غالباً من الزعتر واللبنة... أما الإفطار فيرتكز على الأرز، كونه لا يحتاج إلى الخبز بجانبه". تضيف: "صدقاً مرة واحدة خلال شهر رمضان أحضرت اللحم إلى المنزل وكان أوقية واحدة لا أكثر".
لطالما حضّرت سوسن حلويات العيد في المنزل. لم تعتد شراءها من الخارج. هذا العام... لا حلويات، لا تحضير ولا شراء. "زوجي لا يعمل، فمن أين لي إمكان شرائها جاهزة أو شراء مكوناتها؟". وأما الحديث عن ثياب العيد فهو ترف!
من منزل عارف، مجدداً ننطلق في رحلة "المعابر". دراجات نارية تعبر بصعوبة وسط المارة، وكبار السن عند مداخل منازلهم، والأطفال اللاهون بين الأزقة بألعاب تقليدية. نتوقف عند متجر صغير، ليحدثنا صاحبه عن معاناته. يقول خالد، إن الديون ضيفة دفاتر الحساب الدائمة. الكثير من القاطنين يعجزون عن دفع ثمن مشرياتهم فيسجلها عليهم ديوناً "حتى إشعار آخر"، بينما هو بدوره مديون للتجار.
الدّعم المطلوب الآن
"أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان في الوقت الحالي صعبة جداً، نتيجة عدد من الأزمات المتلاحقة"، كما تقول لـ"النهار العربي" المتحدثة باسم وكالة "الأونروا" هدى السمرة. من أزمة كورونا، إلى انفجار مرفأ بيروت، وبعد ذلك الانهيار الاقتصادي والمالي الكبير في لبنان، الذي أثر كثيراً في اللاجئين الفلسطينيين، وهم أصلاً من الفئات الأكثر ضعفاً والأكثر فقراً، كما تقول السمرة.
"نسبة الفقر والبطالة زادت كثيراً جداً، فاق الـ75 والـ80 في المئة - تضيف - والأونروا في الوقت نفسه تواجه أزمة مالية حادة، جعلتها عاجزة عن تلبية الحاجات الكبيرة المتزايدة".
أمام الواقع هذا، ناشدت السمرة الدول المانحة زيادة الدعم المادي والتبرعات كي تستطيع الوكالة تلبية الاحتياجات المتزايدة؛ فـ"لحد الآن نحن بالكاد نستطيع المحافظة على خدماتنا ونزيد في بعض النواحي، ولكن هذا غير كاف على الإطلاق"، تقول لـ"النهار العربي".
ربع قرن وأكثر بقليل
التمويل المرجو من نداء "الأونروا" الطارئ، سيوفر مساعدة حيوية للاجئين الفلسطينيين في لبنان، والمهجرين من سوريا، بسبب الأزمات الاجتماعية والاقتصادية العميقة وأزمة جائحة كورونا.
وبالإضافة إلى المعاناة اليومية، فإنه بمرور شهر كانون الثاني (يناير) الماضي، يكون قد مرّ ربع قرن على إصدار السلطات اللبنانيّة قراراً يمنع بموجبه إدخال مواد البناء والترميم إلى مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان من دون ترخيص. منذ أواخر عام 1996 وحتى الآن تتفاقم معاناة اللاجئين في شتى المخيمات، ويزداد خطر انهيار المنازل المتهالكة على سكانها، لا سيما في فصل الشتاء نتيجة تسرب مياه الأمطار من الجدران والأسقف.
يتوزع اللاجئون الفلسطينيون في لبنان على 12 مخيماً. يعانون الفقر إلى جانب مجموعة من القيود على الحركة والعمل والتملك، ما يزيد من معاناتهم، بحسب بحث أجرته اليونيسف بالتعاون مع الأونروا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق