الجزيرة
"زيادة الشراكات داخل منظومة الأمم المتحدة" 5 كلمات هي الأخطر، كما يصفها الفلسطينيون، ضمن رسالة تجاوزت 1100 كلمة وجّهها المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" (UNRWA) فيليب لازاريني إلى اللاجئين في أبريل/نيسان الماضي.
وجاءت الرسالة قبيل أسابيع قليلة من إحياء الذكرى الـ74 لنكبتهم وقيام "إسرائيل" على أغلب أراضيهم، والتي يتم إحياؤها رمزيا يوم 15 مايو/أيار من كل عام.
تحدث لازاريني عن الصعوبات المالية التي تواجهها الوكالة، والخيارات المتاحة للتغلب عليها، ومنها استكشاف الشراكات مع منظمات الأمم المتحدة الأخرى.
ولئن حاول المسؤول الأممي تبديد مخاوف الفلسطينيين الذين اعتبروا هذا الطرح بالون اختبار، فإن تصريحاته قوبلت برفض واستنكار واسعيْن، نظرا لخطورتها وتحديدا في مسألة تغيير الوظائف السياسية والإنسانية التي وُجدت من أجلها الوكالة، وإنهاء قضية اللاجئين وتحويلها إلى قضية إنسانية بحتة.
شطب حق العودة
"باتت الأونروا أشبه بمؤسسة تقدم خدمات اجتماعية لفئات محدودة"، هكذا يختصر الفلسطيني إسماعيل العمَصّي دور وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين حاليا.
ويضيف في حديثه للجزيرة نت أن مهام وخدمات الوكالة تراجعت منذ تأسيسها وحتى اليوم إلى حدودها الدنيا، لكنها مع ذلك تظل رمزا من رموز القضية الفلسطينية لا يمكن التفريط فيه.
يقول العمصي (60 عاما)، وهو شخصية بازرة من سكان مخيم الفوار جنوبي الضفة، إن وظائف ومهمات الأونروا باتت أشبه بأنبوبة أكسجين لا غير.
فمحاولات "إعادة تعريف اللاجئ وإشراك آخرين في مهمات الوكالة والالتفاف على دورها" كل ذلك يجري ضمن مساعٍ لشطب حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضيهم التي هُجّروا منها إبان النكبة عام 1948، وفق العمصي.
تغيير على أرض الواقع
وعلى أرض الواقع يشير العمصي، الذي هُجّرت عائلته من بلدة الفالوجة جنوب الخليل، إلى تغيير فعلي في مهام الأونروا وخدماتها المقدمة، "هناك تراجع في توفير المواد الغذائية التي لم تعد تُقدم إلا لحالات اجتماعية خاصة جدا".
أما الخدمات الصحية، فقد تراجعت كمّا ونوعا، في حين تعاني الصفوف الدراسية من الاكتظاظ وهناك نقص في المدارس، حسب العمصي. ويشير إلى تراجع التوظيف في مؤسسات الوكالة مع أن التشغيل جزء من اسمها.
ويقول إن السلطة الفلسطينية تتحمل مسؤولية كبيرة في إدارة المخيمات سواء في مجال الكهرباء أو الماء أو التوظيف، بدل أن تتولى ذلك الأمم المتحدة.
لازاريني تجاوز صلاحياته
يعقّب رئيس دائرة شؤون اللاجئين في منظمة التحرير الفلسطينيّة أحمد أبو هولي على رسالة لازاريني بالقول إن "المفوض العام ليس من صلاحياته أن يقدّم اقتراحات تخالف تفويض وكالة غوث وتشغيل اللاجئين"، وإن "وظيفة المفوض العام هي إقناع العالم بمعاناة اللاجئين وازدياد احتياجاتهم وحشد دعم مالي لهم".
وعبّر أبو هولي عن تخوفه من أن نقل بعض صلاحيات وكالة الأونروا يصب في إنهاء دور الوكالة، و"نحن ننظر إليها على أنها هي حق العودة".
خطر التفكيك
وقال المسؤول الفلسطيني إن تفكيك هذه المؤسسة ونقل صلاحياتها لمنظمات دولية أخرى يعني نهاية دور الوكالة ونقله لمنظمات أخرى قد تتنصل من المسؤولية عن اللاجئين وحقوقهم في أي وقت.
ويشير أبو هولي إلى محاولات إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إنهاء دور الأونروا بوقف تمويلها، وطرحه صفقة القرن التي نصت على إعادة تعريف اللاجئ واقتصاره على من هم على قيد الحياة ممن هجّروا في نكبة 1948 دون أبنائهم وأحفادهم، وهؤلاء لا يتجاوز عددهم 40 ألفا.
واستحضر أبو هولي تصريحات لرئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو، التي دعا فيها إلى تفكيك الوكالة لأنها "تطيل أمد مشكلة اللاجئين".
وفي 31 أغسطس/آب 2018، أوقف ترامب التمويل كليًا عن الوكالة البالغ 365 مليون دولار، وكان يشكل نحو ثلث ميزانيتها السنوية البالغة 1.24 مليار دولار، قبل استئناف تقديم تلك المساعدات من قبل إدارة الرئيس الحالي جو بايدن.
هل ينجح أعداء الأونروا؟
يعتمد نجاح أو فشل أعداء الأونروا، ومحاولات التضييق على وظائفها، على طبيعة الردود الفلسطينية والعربية، حسب أحمد رفيق عوض المحلل السياسي ومدير مركز القدس للدراسات التابع لجامعة القدس.
ويشير عوض، في حديثه للجزيرة نت، إلى دعوات إسرائيلية قديمة جديدة لإنهاء الأونروا "لأنها تعمل على تأبيد قضية اللاجئين".
وقال المحلل السياسي إن تحويل بعض وظائف الوكالة لتكون جزءا من هيئات دولية أخرى "فيه تمييع لفكرة اللاجئين الفلسطينيين وإنهاء لقرار دولي اتخذ من قبل الأمم المتحدة، والتفاف على حل قضية اللاجئين".
وتابع عوض أن الأونروا مسألة إنسانية سياسية تتطلب "موقفا صلبا، وتغيير مصادر تمويلها لن يبقيها هيئة خاصة بالقضية الفلسطينية".
تراجع الدعم العربي
وأشار المحلل الفلسطيني إلى تراجع الدعم العربي للمنظمة الدولية والذي تقول الوكالة إنه شبه معدوم، وقال إن "كثيرا من الأنظمة العربية مرتبطة بالقرار الأميركي، وبعضها يخضع للإملاءات الإسرائيلية الأميركية، أو يتخذ موقفا مرتبكا وغامضا تجاه القضية الفلسطينية".
وتتضمن الحملة الإسرائيلية على الأونروا، حسب عوض، عدة أفعال، منها الادعاء بفساد الوكالة، والعمل على تجفيف مصادر دخلها، ومحاربة وجودها، وطرح أفكار مثل التعويض أو التوطين للاجئين، وأحيانا المطالبة بتعويض يهود خرجوا من الدول العربية مع أنهم ليسوا لاجئين.
تأسيس الأونروا ومهامها
وتأسست الأونروا بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1949، وبدأت عملياتها في الأول من مايو/أيار 1950.
وحدد القرار رقم 302 في الثامن من ديسمبر/كانون الأول 1949 هدف الوكالة في مساعدة وحماية اللاجئين الفلسطينيين في مناطق عملياتها (الأردن وسوريا ولبنان والضفة الغربية بما فيها شرقي القدس وقطاع غزة) إلى حين التوصل إلى حل عادل لقضيتهم.
وتتجدد ولاية الوكالة في الجمعية العامة كل 3 سنوات، كان آخرها تمديد عملها لغاية 30 يونيو/حزيران 2023.
ووفق تعريف الأونروا، فإن لاجئي فلسطين "هم أولئك الأشخاص الذين كانت فلسطين هي مكان إقامتهم الطبيعي خلال الفترة الواقعة بين يونيو/حزيران 1946 ومايو/أيار 1948، والذين فقدوا منازلهم وموارد رزقهم نتيجة الصراع العربي الإسرائيلي عام 1948".
وتقول الوكالة إنها بدأت في 1950 تستجيب لاحتياجات ما يقرب من 750 ألف لاجئ، واليوم فإن حوالي 5 ملايين و600 ألف لاجئ من فلسطين يحق لهم الحصول على خدماتها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق