أثار المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، فيليب لازاريني، ردود فعل عربية وفلسطينية شديدة، إثر إعلانه النية لتسهيل تقديم منظمات دولية الخدمات للاجئين نيابة عن «الأونروا». ورأى العرب والفلسطينيون في هذا الإعلان تساوقاً مع المخططات الأمريكية والإسرائيلية الرامية إلى تقليص دور الوكالة كمقدمة لإنهاء وتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين. ونظمت العديد من القوى الفلسطينية تظاهرات احتجاجية ضد تصريحات لازاريني، وضد تقليص «الأونروا» لخدماتها الأساسية للاجئين في مناطق تواجدهم.
كان فيليب لازاريني قد عرض في رسالة موجهة للاجئين الفلسطينيين طبيعة الأزمة المالية التي تواجهها «الأونروا» في ظل تزايد الأعباء، وتقليص التمويل من جانب الدول المانحة. وذكر أن أحد الخيارات التي تتم دراستها حالياً هو «زيادة الشراكات داخل منظومة الأمم المتحدة الأوسع إلى أقصى حد. ويشغل مكانة مركزية في هذا الخيار أن يكون من الممكن تقديم الخدمات نيابة عن أونروا وتحت توجيهها، وبما يتماشى تماماً مع الولاية التي تلقتها الأونروا من الجمعية العامة للأمم المتحدة».
تفكيك «الأونروا»
والواقع أن الفلسطينيين على وجه الخصوص رفضوا أخذ كلام لازاريني على أنه نتاج الواقع المالي المتدهور لوكالة الغوث. ورأوا فيه تساوقاً مع مخططات معلنة من جانب الإدارة الأمريكية والحكومة الإسرائيلية خصوصاً أنه جاء في أعقاب تقليصات كبيرة في الخدمات الأساسية شهدتها السنوات الماضية. ومعروف أن الحكومة الإسرائيلية، خصوصاً في عهد بنيامين نتنياهو، بذلت جهوداً هائلة مع الإدارة الأمريكية والعديد من الجهات الغربية، لتقييد عمل وكالة الغوث ومحاولة نقل خدماتها إلى منظمات دولية أخرى لإلغاء الصلة بين الأونروا وحق العودة. كما أن ممثلي «إسرائيل» في الأمم المتحدة، خصوصاً جلعاد أردان، دعوا إلى تفكيك الأونروا، لأنها «هيئة تديم مشكلة اللاجئين بدلاً من حلها». ولم تخفِ وزارة الخارجية الإسرائيلية جهدها مع العديد من الدول الربط استئناف تمويل «الأونروا» بإحداث تغييرات في طبيعتها وأهدافها.
وكان الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب قد ذهب بعيداً في محاربة «الأونروا»، عندما أعلن وقف التمويل الأمريكي لها بشكل كامل، وربط أي تمويل مستقبلي بإحداث تغييرات في تعريف اللاجئ وسواه. وعلى الرغم من أن الإدارة الأمريكية الحالية أعلنت تنصلها من مواقف ترامب فإنها عملياً وضعت شروطاً مسبقة لاستئناف المساعدات. وأثارت إدارة بايدن شكوك الفلسطينيين بإبرامها اتفاقية إطار مع «الأونروا» بتقديم الدعم وفق شروط أمريكية مجحفة تناقض تفويض الأمم المتحدة.
كما أن ما نشر من مقترحات تتداولها دول مانحة لعرضها على اللجنة الاستشارية الخاصة ب«الأونروا» زاد غضب وشكوك الفلسطينيين من تصريحات لازاريني؛ إذ نشرت أنباء عن نية هذه الدول الدعوة لدمج مؤسسات «الأونروا» مع الوزارات المعنية في البلدان المضيفة أو تحويل «الأونروا» إلى مؤسسة مستقلة مالياً تحت إشراف البرامج الدولية أو حتى دمجها مع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين.
وشددت قوى فلسطينية وعربية مختلفة على أن التقليصات تمهد للانسحاب الكامل من المهمة الأساسية للوكالة وهي غوث اللاجئين الفلسطينيين إلى حين عودتهم إلى ديارهم. وبالتالي فإن الغاية الجوهرية من ملاحقة الأونروا إلغاء قيمتها السياسية كشاهد دولي على نكبة فلسطين وحق العودة.
وعدا عن مواقف الإدانة التي أعلنتها الفصائل الفلسطينية، رأت اللجنة المشتركة للاجئين في قطاع غزة أن طرح لازاريني «تدميري»، ويؤسس لحرف الوكالة عن غايتها الأساسية وفق قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة رقم 194. وأشارت إلى أن هذا الطرح يمثل «تخلياً» من قبل الوكالة عن التفويض الممنوح لها، والوظيفة التي تأسست من أجلها. وشددت على رفض اعتبار قضية اللاجئين مسألة إنسانية وإغاثية، مؤكدة ارتباطها السياسي بضرورة تطبيق القرار 194؛ القاضي بحق العودة للاجئين.
ويعتبر وجد الفلسطينيون في محيطهم العربي سنداً قوياً في مواجهة الأطروحات الدولية الجديدة بخصوص «الأونروا»؛ إذ رفض البرلمان العربي، المساس بمسؤوليات «الأونروا»، والمحاولات والمخططات الإسرائيلية الرامية إلى تصفيتها. وأكد البرلمان العربي وجوب استمرار الوكالة في القيام بدورها في تقديم الخدمات الأساسية والضرورية للاجئين الفلسطينيين، كونها الآلية الوحيدة التي تقوم بهذه المسؤولية المهمة، لتحسين أوضاع الفلسطينيين.
كما حذرت جامعة الدول العربية من محاولات تصفية «الأونروا»، وأكدت رفض المساس باختصاصاتها الكاملة. وجاء هذا التحذير على لسان الأمين العام المساعد لشؤون فلسطين والأراضي العربية المحتلة الدكتور سعيد أبو علي في بيان شدد فيه على رفض الجامعة المطلق لأي اقتراحات أو محاولات للمساس بمسؤولية (الأونروا) واختصاصاتها الكاملة السياسية والإنسانية تجاه مجتمع اللاجئين الفلسطينيين «مهما كان تأويلها أو تبريرها». وأشار أبو علي إلى أن الأونروا «تشكل إلى جانب الالتزام الدولي تجاه قضية اللاجئين الفلسطينيين عامل أمن واستقرار في المنطقة». وأكد أهمية استمرار «الأونروا» بصلاحياتها واختصاصاتها ومسؤولياتها «كعنوان سياسي للالتزام الدولي بقضية اللاجئين، والتي تمثل جوهر القضية الفلسطينية».
وفي أعقاب ردود الفعل الفلسطينية والعربية الغاضبة من تصريحات لازاريني، عمدت رئاسة «الأونروا» إلى محاولات توضيح الموقف، مؤكدة أن المفوض العام لا يملك أصلاً صلاحية تعديل تفويض الوكالة الدولية. وأن كل ما قاله لا يعني نقل مهمات المؤسسة إلى جهات أخرى، وإنما تسهيل إيجاد حلول للأزمة المالية العاصفة التي تمر بها. وقال لازاريني: إن «تسليم أو نقل المسؤوليات والبرامج إلى مؤسسات أخرى ليس مطروحاً على الطاولة؛ بل نحن ننوي العمل بشراكة مع باقي مؤسسات الأمم المتحدة، ولا يوجد أيضاً أي عبث بولاية «الأونروا»، التي لا يمكن الاستغناء عنها، وسيظل الوضع كذلك، نحن حريصون على هذه المؤسسة التي تُعد جزءاً من استقرار المنطقة، في جوهرها السياسي». وأضاف: «نحن نستعد للتصويت على تجديد ولاية الأونروا في نهاية العام، ونتوقع استمرار المستوى العالي من الدعم السياسي؛ لذلك لن أدخر جهداً في الدفاع عن حق اللاجئين في حياة كريمة إلى حين التوصل إلى حل سياسي عادل ودائم للقضية».
وأوضح أن التطمينات التي أطلقتها رئاسة «الأونروا» لم تضعف الشكوك التي تراود الفلسطينيين والعرب بشأن مستقبل هذه الوكالة الدولية. فاستمرار الأزمة المالية للوكالة من جرّاء اشتراطات ومواقف أمريكا والعديد من الدول الغربية يعكس نوايا مبيتة لدى هذه الدول للتنصل من الالتزام السياسي والقانوني الدولي بضرورة تنفيذ القرارات الدولية بشأن القضية الفلسطينية وحق العودة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق