معتصم
حمادة
عضو المكتب
السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
عندما علم من هم في تونس، أن إسرائيل وافقت على اتفاق إعلان المبادئ، الذي صار يعرف باتفاق أوسلو، رقصوا فرحاً وابتهاجاً، معتقدين أن المسيرة وصلت إلى محطتها الأخيرة، وأننا سنكون خلال خمس سنوات أو ست، كحد أقصى، أمام حل للصراع، وقيام الدولة الفلسطينية، علماً أن اتفاق أوسلو، كما هو معلوم نص على مرحلة مؤقتة مدتها ثلاث سنوات، تبدأ بعدها، وخلال لسنتين كحد أقصى، مفاوضات الحل الدائم، وإغلاق ملفات الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، وتمنع المنطقة بالسلام، بعد سنوات من الحروب. الذين رقصوا فرحاً في تونس تجاهلوا أنهم واتفاقهم مع إسرائيل في واد، وأن المشروع الصهيوني في واد آخر، وأن إسرائيل لم تخض حروبها خلال العقود الماضية، ولم تقدم جنودها وضباطها في هذه الحروب، كي تقبل بعد ذلك، في مفاوضات مع الفلسطينيين، بما رفضت القبول به مع أنور السادات، رئيس أكبر دولة عربية وأكبر جيش عربي، وقد ألحق بجيشهم في معارك العبور البطولية هزائم منكرة.
كان يفترض أن يبدأ تطبيق الاتفاق في 13/12/1993، غير أن اسحق رابين، رئيس وزراء إسرائيل، أعلن يومها، أن لا مواعيد ولا نصوص مقدسة، وأن المقدس الوحيد هو أمن إسرائيل ومصالحها، وبذلك بدأت رحلة الالتفاف الإسرائيلي على الاتفاق، وتعطيل تطبيقاته إلا بما تراه تل أبيب مفيداً لمصالحها العليا.
أما شمعون بيريس، فقد رأى في كتابه الشهير «زمن السلام» الذي ترجم إلى العربية بعنوان «الشرق الأوسط الجديد»، أن الاتفاق مع الفلسطينيين مدخل يمكّن إسرائيل من غزو الدول العربية اقتصادياً وسياسياً وثقافياً وأمنياً، تحت شعارات السلام، التي يفترض أن يرفعها في سماء المنطقة اتفاق أوسلو.
وإذا كان رابين قد عطل تطبيق الاتفاق في 13/12/1993، بدعوى مصالح إسرائيل وأمنها، فإن شمعون بيريس هو أيضاً عطّل مفاوضات الحل الدائم، عام 1996، بذريعة تفرغه للانتخابات المبكرة التي انعقدت في إسرائيل بعد مقتل رابين، ووجهة نظر بيريس تقول: إن حزب العمل سيخسر حتماً الانتخابات إذا جرت في الوقت نفسه مع إطلاق مفاوضات الحل الدائم، لأن هذا من شأنه أن يوفر لليمين الإسرائيلي المعارض لاتفاق أوسلو، فرصة للطعن بالاتفاق، وبما يمكنه، في هذا السياق، من الفوز على حزب العمل.
النتيجة العملية كانت أن حزب العمل، وعلى رأسه بيريس، خسر الانتخابات وحل محله الليكود اليميني، وعلى رأسه بنيامين نتنياهو، ومع وصوله إلى مقر الحكومة في القدس المحتلة، بدأ في تعطيل مسارات أوسلو، وتطبيقاته وعاش أوسلو، بين الليكود تارة والعمل تارة أخرى، مادة للصراعات الإسرائيلية الداخلية، في ظل سيادة وعي، شكل قاسماً مشتركاً لكل الأطراف الإسرائيلية الفاعلة، بأن المستوطنات شُيدت لتبقى، وأن لا وجود لخط حزيران (يونيو) في الحسابات الإسرائيلية، وأن مواصفات الدولة الفلسطينية وحدودها، وبناها العسكرية والأمنية، وكذلك الاقتصادية، يجب أن تخضع لمصالح إسرائيل، وأن لا شيء مسموحاً به قد يُلحق الضرر بدولة الاحتلال.
ومع مفاوضات كامب ديفيد 2 (تموز/ يوليو 2000) تكشفت كل الحقائق، وتبين أن أصحاب أوسلو قد سقطوا في فخ الأوهام.
فالسلطة الفلسطينية التي أقيمت لمدة ثلاث سنوات، لتبني في سياقها مؤسسات الدولة الفلسطينية التي سيعلن عنها في ختام مفاوضات الحل الدائم، مضى على وجودها حتى الآن أكثر من 28 عاماً، وهي إن كانت قد أقامت لها إدارات وأجهزة، فإنها لا زالت محكومة بقيود اتفاق أوسلو الأمنية والاقتصادية، وما زالت مرجعيتها الإدارة المدنية لسلطات الاحتلال التي ما زالت تحتفظ بسجل السكان، وسجل الأراضي، والمعابر الحدودية، والمعاملات التجارية، ورسم آليات وتطبيقات «بروتوكول باريس الاقتصادي» بقرارات منفردة وملزمة للسلطة الفلسطينية ووزاراتها، بل إن تطبيقات اتفاق أوسلو شهدت تراجعاً ملموساً لصالح دولة الاحتلال، حيث أُلغيت المنطقة (أ) و(ب)، وباتت كلها مستباحة من قبل جيش الاحتلال، وأُعيد تشكيل الإدارة المدنية للاحتلال، بعد أن تم حلها في إطار تطبيقات أوسلو، كذلك انفردت سلطات الاحتلال بالمعابر الحدودية للضفة الفلسطينية، بعد أن كانت إدارتها مشتركة بين السلطة وجيش الاحتلال، وأُلغي مطار غزة، وفرض الحصار على بحرها، وقيدت الحركة على «المعبر الأمني» بين الضفة والقطاع، وعاد نظام الحكم الإداري الذاتي خطوات كبرى إلى الوراء، في ظل ضجّة إعلامية بهلوانية تدعي موت اتفاق أوسلو، وتدعي أن الدولة الفلسطينية باتت حقيقة، لكن ما ينقصها هو «التحرر من الاحتلال» دولة تحت الاحتلال، تقوم بالنيابة عنه في حمل أعباء الإدارة اليومية للسكان الفلسطينيين، وبذلك تعفيه من مسؤولياته، ويصبح احتلالاً بلا كلفة، وتعيد تقديمه إلى الرأي العام باعتباره شريكاً في عملية سلام كامب ديفيد2، وفشلت كل محاولاتها إنعاشها، فشل مؤتمر أنابوليس في إنعاشها، كما فشلت محاولات إدارة أوباما في البحث عن طرق التفافية للحل، كالمفاوضات الاستكشافية، أو المفاوضات غير المباشرة، بدون فشل مؤتمر باريس، وتحول حل الدولتين إلى غطاء سياسي لمشاريع الاستيطان والقمع والبطش، كما فشلت «خطة خارطة الطريق»، وبعدها «صفقة القرن» ، ومع إدارة بايدن عادت مرة أخرى إلى الحياة سياسة «الحلول الالتفافية».
في الضفة الفلسطينية بات سقف الحل المطروح، تحت الرعاية الأميركية هو «تقليص الصراع» الذي يؤدي في تطبيقاته إلى حل «اقتصادي»، يتجاوز الحقوق الوطنية المشروعة لشعب فلسطين، ويحول السلطة الفلسطينية إلى أداة (لترجمة نظام الحكم الإداري الذاتي) باعتباره حل الدولتين.
أما في غزة؛ فقد ساد الآن حل يقوم على مبدأ «التهدئة مقابل الغذاء والمساعدات المالية»، دون إنهاء الحصار، ودون ضمانات أمنية لأبناء القطاع، ويبقى سيف التهديد الإسرائيلي بالاغتيال والعدوان هو المشهر في وجه «سيف القدس».
إذن:
1) سلطة فلسطينية امتدّ عمرها المفترض من 3 سنوات إلى حوالي 30 سنة.
2) انقسام سياسي تديره واشنطن وإسرائيل، بمساعدات عربية في مشروع لا يتجاوز حدود الحل الاقتصادي المؤقت.
3) قيادة فلسطينية ما زالت تتمسك بأوسلو، عنواناً لشرعنتها، وتدّعي في الوقت أن أوسلو مات، بينما هي في واقع الحال لا تتردد ولا تفوت فرصة لتؤكد التزامها استحقاقات الاتفاق.
4) المؤسسات الوطنية وقراراتها معطلة كاللجنة التنفيذية والمجلسين الوطني والمركزي.
5) شارع سياسي يغلي في حالة انتفاضة تتواصل موجة وراء موجة منذ العام 2015، دون قيادة ميدانية وسياسية.
مشهد فلسطيني يبدو لرائيه وكأنه يستعيد محطات مأساوية في مراحل الانتداب البريطاني لفلسطين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق