طلال سلمان
.. حتى صاحب الفرن أقوى من الدولة!
المهم أن يكون المرء “صاحب” شيء في لبنان: زعامة، نفوذ، جاه، إقطاعية زراعية أو دينية، ميليشيا خاصة، أو رصيد خاص في البنك.. وهذا أضعف الإيمان!
آلاف الطلبة لم يستطيعوا إقناع الدولة بتحقيق مطالبهم، رغم البضع سنين من التظاهرات والإضرابات والقمع بكل أنواع الأسلحة الخفيفة والثقيلة.
وهم لا زالوا حتى اليوم، ومطالبهم، والقمع، في الشارع المنزوع البلاط وإشارات المرور،
وآلاف العمال عجزوا عن تبديل سطر واحد في قانون العمل المهترئ،
ومسيرة، أمس الأول، مسيرة الخبز التي احتشد فيها خمسة وعشرين ألف مواطن ومواطنة، لم تنفع حتى في تحييد الدولة بين طوابير المهددين بالجوع والكم نفراً من أصحاب الأفران.
.. ولا هي، بالطبع، أخافت السادة أصحاب الأفران. بدليل أنهم اليوم اندفعوا في التحدي إلى مداه مستندين إلى تواطؤهم مع الدولة لرفع سعر الخبز!
الدولة، ام الدول؟
دولة صاحب الدولة.
ودولة وزير الاقتصاد، المحسوب على صاحب الدولة الآخر.
ودولة التجار.
ودولة الميليشيات.
ودولة أصحاب الأفران.
ودول سائر “الأصحاب”.. أصحاب أي شيء. وكل شيء، في هذا البلد الأمين. ففي خاتمة المطاف ينصهر كل “أصحاب” الدولة في واحد.
ويبقى المواطن العادي البسيط، الإنسان الطيب القلق على خبز عياله، وحده خارج الدول جميعاً..
وحده يظل داخل الفرن… وفي الخارج تمتد المساومات على سعره خبزاً ساخناً لأصحاب الدولة!
نشر هذا المقال في جريدة “السفير” بتاريخ 29 آذار 1974
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق