طوني كرم - نداء الوطن
لا تزال المخاوف التي تضمنتها رسالة المفوض العام للأونروا فيليب لازاريني تتفاعل عشيّة اجتماع اللجنة الإستشارية للمنظمة التي تستضيفها بيروت في 14 و15 حزيران الجاري. ليشكل التسليم بتفاقم الأزمة المالية المتزامنة التي تمرّ بها "الأونروا" مدخلاً لتصفية الشاهد التاريخي على مأساة اللجوء الفلسطيني وإسقاط البعد السياسي للقضيّة الفلسطينية. في حين وضعت جهات متابعة الرسالة في إطار "جسّ النبض" لتجريد "الأونروا" من صلاحياتها كمدخل لـ"التوطين" ومنع حق العودة.
إجماع الجهات الفلسطينية على أن دور "الأونروا" السياسي يضاهي دورها الإنساني في تقديم الخدمات، ويحتّم على "المجتمع الدولي" تحمّل مسؤولية حلّ القضيّة الفلسطينية، لم يُغيّر في التوجهات الدولية. إذ أكّد المفوّض العام للأونروا السيّد فيليب لازاريني في رسالته إلى اللاجئين الفلسطينيين في 23 نيسان 2022، وجوب النظر بواقعية إلى التنبؤات المالية للمنظمة "المقبلة على الإنهيار"، وانعكاسها سلباً على الخدمات المقدمة للّاجئين. ووصف لازاريني "الوقوف على حافة الهاوية بالأمر المقلق للجميع: للاجئين في المقام الأول، ولكن أيضاً لموظفي الأونروا والبلدان المضيفة"، وذلك في ظل تعرّض المنظمة إلى حملات منسّقة لنزع شرعيتها وسحب تمويلها ما يؤدي إلى تقويض حقوق اللاجئين الفلسطينيين.
وتلافياً لتآكل نوعية خدمات "الأونروا" أو الأسوأ من ذلك، انقطاع هذه الخدمات، أشار إلى تقدم المباحثات حول "زيادة الشراكات داخل منظومة الأمم المتحدة الأوسع إلى أقصى حدّ"، على أن تقوم "وكالات الأمم المتحدة المتخصصة في تقديم الخدمات نيابة عن الأونروا وتحت توجيهها"، وذلك للحدّ من تفاقم النقص المزمن للتمويل. وعلى الرغم من تأكيد لازاريني "عدم الاستغناء عن الأونروا"، مع توجه الدول الأعضاء إلى التصويت نهاية العام على تجديد ولايتها، توقفت مصادر حكومية متابعة للقضيّة الفلسطينية في لبنان، عند المخاطر السياسية والقانونية لتفكيك "الأونروا" وإنهاء دورها وتحويل القضيّة الفلسطينية إلى إنسانية بحت، ما ينزع المسؤولية السياسيّة الدولية عن اللاجئين وحقهم في العودة. مشيرة إلى أن هذا الأمر من شأنه أن يزيد من المخاطر "الأمنية" على لبنان في ظل تفاقم الأزمة الإقتصادية والمالية غير المسبوقة التي يمرّ بها.
اللجنة الإستشارية في بيروت
التداعيات التي خلّفتها رسالة المفوض العام للأونروا فيليب لازاريني المنددة بتفكيك "الأونروا" فرضت نفسها على الإجتماعات التمهيدية لانعقاد اللجنة الإستشارية لـ"الأونروا" التي تستضيفها بيروت، ويهدف "لبنان" من خلال ترؤسه اجتماعات اللجنة هذه الدورة، إلى لعب دور في طرح إطار معالجات على المستوى الاستراتيجي والتوفيق بين طروحات المشاركين وتقديم النصح والمساعدة للمفوض العام للوكالة حول "الأزمة المالية للأونروا، وخططها الاستراتيجية والتحديات التي فرضتها الحرب الروسية – الأوكرانية على الأمن العالمي والإقليمي"، إلى جانب "البحث في تجديد ولايتها في أيلول المقبل". وتشكل هذه المناسبة التي تضم أبرز المانحين والبلدان المضيفة فرصة لمناشدة الجهات المانحة من أجل زيادة دعمهم اللاجئين، وفرصة لدعوة المجتمع الدولي إلى إظهار التضامن مع اللاجئين الفلسطينيين.
الأونروا أمام منعطف خطير
ولا تخفي مصادر متابعة لـ"نداء الوطن" أن المنظمة تمرّ في منعطف حقيقي مع تعدد الآراء حول مستقبلها، وتزايد حاجات الشعب الفلسطيني أمام الأزمة المالية التي تمر بها "الأونروا" والتي تحول دون قدرتها على الإستجابة للخدمات المنوطة بها، ما ينذر بتحوّل الأزمة الماليّة إلى أزمات اقتصادية وأمنية وعسكرية. وتجنباً للتطورات الهادفة إلى الإضرار بـ"الأونروا"، شددت الجهة المتابعة على "أهمية اجتماع اللجنة الإستشارية التي تستضيفها بيروت، والتي تزامنت مع تلويح المفوض العام للأونروا فيليب لازاريني بنقل بعض خدمات المنظمة إلى الدول المضيفة، والحوار مع الداعمين الأساسيين من مختلف الإتجاهات، والسعي إلى وضع آليات لتنفيذ الإصلاحات داخل "الوكالة"، والتصدي للمحاولات السياسيّة الهادفة إلى تجريدها من دورها عبر نقل صلاحياتها والتشبيك مع المنظمات الدولية المتخصصة أكان في التعليم والطبابة أم غيرهما". الأمن والتحديات!ولا تقتصر التحديات التي يواجهها الفلسطينيون عند هذا الحدّ، ليبرز التخوّف من أن يفتح التشبيك مع منظمات الأمم المتحدة المتخصصة الباب أمام تكليف "اليونيفيل" بأمن المخيمات. وهذا ما يلقى رفضاً قاطعاً من القوى الفلسطينية كافة. وعلى الرغم من أن إجراء كهذا يتطلب قراراً من مجلس الأمن، غير وارد حالياً، برز تخوّف جدّي من ارتداد الملف الأمني على الداخل اللبناني، معيداً إلى الذاكرة حقبة مؤلمة في تاريخ لبنان، تطيح بتقدم المباحثات القائمة بين "جهات" فلسطينية ولبنانية تساهم في تذليل "الهواجس"، وتعزز ظروف اللاجئين، أكان لجهة تقدّم بند السماح لهم بمزاولة العمل أم البحث في حلّ قضيّة السلاح الفلسطيني كمدخل يسبق البحث في تحسين الظروف المعيشية الأخرى.
إرتداد الأزمات الداخلية على اللاجئين
التحديات المالية والأزمات المتفاقمة التي تشهدها الدول المضيفة (لبنان، سوريا، الضفة الغربية، وقطاع غزة) أدّت إلى طلب المزيد من الهبات المالية التي تقدمها الدول المانحة "للأونروا". وبالتالي إنعكست المشاكل والأزمات الداخلية في الدول المضيفة على عمل "المنظمة" وأدائها. لتترافق الحاجة إلى المزيد من التمويل للتصدي للتداعيات الداخلية في البلدان المضيفة، مع تفاقم النزاعات الدولية وتداعيات الأزمة الأوكرانية – الروسية على الدول الإسكندنافية المانحة للأونروا (النروج، فنلندا، السويد والدنمارك)، والتي أصبحت في مواجهة مباشرة للتحديات التي خلفتها الأزمة، وأعادت ترتيب أولوياتها لجهة الإهتمام باللاجئين إلى أوروبا على حساب مضاعفة دعمها اللاجئين الفلسطينيين في ظل انسداد آفاق الحل السياسي لقضيتهم.
والتخوف على مستقبل "الأونروا" لا يقتصر على تداعيات أزمة اللجوء في أوروبا، فالحديث جدياً عن "انهيار الأونروا" ترافق مع تقدّم "عملية السلام" التي أطلقها الرئيس السابق للولايات المتحدة دونالد ترامب، ويشكل "الإنتهاء" من قضية اللاجئين أحد العناوين الخمسة المطروحة بالحل النهائي للقضية الفلسطينية. هذا ويشدد المتابعون على أن "الأونروا" هي أفضل تعبير عن الإلتزام بالقضية الفلسطينية، ويؤكدون أهمية الدور الذي تقوم به "اللجنة الإستشارية للأونروا AdCom "إلى جانب "لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني" في رفضها المطلق نقل صلاحيات "الأونروا" إلى منظمات أخرى كمدخل لاندماج الشعب الفلسطيني في المجتمعات المضيفة ونزع صفة اللاجئ عنه وحرمانه بالتالي من حق العودة إلى فلسطين.
"الأونروا": تواريخ وأرقام
تأسست "الأونروا" بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1949، وبدأت عملياتها في الأول من أيار 1950. وحدد القرار رقم 302 في الثامن من كانون الأول 1949 هدف الوكالة في مساعدة وحماية اللاجئين الفلسطينيين وتأمين العمل لهم في مناطق عملياتها (الأردن وسوريا ولبنان والضفة الغربية بما فيها شرقي القدس وقطاع غزة) إلى حين التوصل إلى حل عادل لقضيتهم. وتتجدد ولاية الوكالة في الجمعية العامة كل 3 سنوات، كان آخرها تمديد عملها لغاية 30 حزيران 2023.
ويتولى اليوم، ما يقارب 30 ألف موظف بميزانية تقارب 1.6 مليار دولار، تقديم الخدمات الصحيّة والاجتماعية والتربوية وتأمين فرص العمل لما يقارب 5.7 ملايين لاجئ فلسطيني، إلى حين حل قضيتهم طبقاً لما ورد في القرار 194 بالعودة إلى ديارهم.
وإن كان التمديد لولاية جديدة لـ"الأونروا" لا مفرّ منه في المدى المنظور، بعدما حصل في 15/11/2019، على دعم 170 دولة، مقابل معارضة الولايات المتحدة و"إسرائيل" وامتناع 7 دول عن التصويت، فإن هدف القوى الفلسطينية اليوم يتخطى التمديد، ويبقى في المحافظة على التزام "المجتمع الدولي" السياسي والمالي تجاه "المنظمة" وعدم تفريغها من مضمونها عبر تفويض مهامها إلى منظمات دولية أخرى، تفقد "الأونروا" دورها السياسي الأساسيّ المتعلق بحق العودة لصالح تقدم الشقّ الإنساني لقضية اللاجئين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق