في مراجعة آليات عمل المنظمات الدولية التابعة للامم المتحدة، لم نلحظ ان هناك منظمة تعرضت لضغوط سياسية ومالية كتلك التي تتعرض لها وكالة الغوث.. إذ ان هذه الضغوط وحملات التحريض والتشويش التي تتعرض لها منذ بدء عملية التسوية العربية والفلسطينية الاسرائيلية واصبحت روتينا يوميا بعد الاعلان عن صفقة القرن، بل سياسة يومية وجزءا لا يتجزأ من الاستراتيجية الامريكية الاسرائيلية لتصفية حق العودة لملايين اللاجئين الفلسطينيين، وهي ضغوط كانت كفيلة بتدمير دول قائمة، لكن الارادة الدولية واصرار العاملين وصمود اللاجئين ومرجعياتهم السياسية وتمسكهم بوكالة الغوث وخدماتها وما ترمز اليه من ابعاد سياسية وقانونية افشل كافة المخططات المعادية للوكالة..
فمنذ زمن ليس ببعيد يتردد على السنة مسؤولي وكالة الغوث وعبر بياناتها الرسمية مصطلح "نزع الشرعية عن وكالة الغوث"، وهو تعبير سياسي يعني، في الحالة الفلسطينية، ان هناك محاولات امريكية واسرائيلية وربما ابعد ، منسقة وممنهجة ومن خلال غرفة عمليات واحدة وموحدة، تعمل بالسر والعلن من اجل "شيطنة" وكالة الغوث امام الرأي العام العالمي تمهيدا لتصفيتها.
اخذ هذا المصطلح يتردد كثيرا منذ مجيء الادارة الامريكية السابقة التي اعلنت ومن خلال عدد من مسؤوليها ومن ضمنهم الرئيس الامريكي نفسه ترامب انهم بصدد اتخاذ اجراءات ضد وكالة الغوث. كان الاجراء الاول قطع المساهمة المالية عن الوكالة والبالغة نحو (360) مليون دولار، وبعد ان اتضح ان هذا الامر لن يجدي نفعا اخذت الحملة منحا مختلفا، فجرى التصويب على المفوض العام وعلى كبار موظفي الوكالة بتهمة الفساد والسمسرات وغير ذلك من اتهامات لم تكن نتيجتها بأفضل من المخطط الاول، فكان التصويب على المناهج التربوية وعلى موظفي الوكالة انفسهم.. لكن الاونروا والامم المتحدة اكدوا وبالادلة القاطعة ان ما قدمته الولايات المتحدة واسرائيل وبعض المؤسسات المرتبطة بهما ليست سوى مزاعم لم تتأكد صحتها، بعد ان اجرت الامم المتحدة اكثر من تحقيق وبلجان نزيهة اكدت جميعها على ان انظمة وكالة الغوث تتماشى مع قيم ومعايير الامم المتحدة ومنظماتها ذات العلاقة. كما أن لجنة القضاء على التمييز العنصري في الأمم المتحدة أكدت بدورها أن مناهج الاونروا خالية من اية عمليات تحريض، اضافة الى تقارير أممية أكدت انسجامها مع معايير اليونسكو.. فضلا عن التأكيد الدائم من قبل وكالة الغوث بأن موادها التعليمية تدعم وتعزز مبادئ الأمم المتحدة وقيمها..
بدأت حملة "نزع الشرعية" عن وكالة الغوث في حزيران عام 2018 عندما دعا رئيس وزراء العدو نتنياهو صراحة وبشكل علني الى تفكيك الأونروا واحالة خدماتها الى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في الأمم المتحدة.. تلا ذلك مجموعة مواقف امريكية تشكك في اعداد اللاجئين وتتهم الاونروا بالفساد وبغيرها من عناوين هدفت جميعها الى تشويه صورة الاونروا امام الدول المانحة، التي استجاب بعضها وخفض او قطع بعضها الآخر مساهمته المالية..
وقد كان المفوض العام السابق للوكالة اول من كشف بأن الاونروا تتعرض لمحاولات حثيثة بهدف نزع الشرعية عنها وعن قضية اللاجئين، رافضا الدعوات التي وجهها المبعوث الأميركي،آنذاك" جيسون غرينبلات لتفكيك الوكالة، ومعتبرا أن لا أحد يستطيع نزع الشرعية عنها (23 ايار 2019). وفي ايلول عام 2019 اعاد المفوض العام بيير كرينبول اتهاماته من على منبر الدورة 152 العادية لمجلس وزراء الخارجية العرب، بأن "هجمة غير مسبوقة"، تتعرض لها الوكالة، لنزع الشرعية عن قضية اللاجئين الفلسطينيين.
مع استقالة المفوض العام نتيجة الضغوط الامريكية والاسرائيلية التي تعرض لها، غاب مصطلح "نزع الشرعية" عن ادبيات ومواقف الاونروا الى ان بدأ يطل من جديد في المواقف الاعلامية لمسؤولي الوكالة، خاصة بعد اتساع فجوة التمويل وازدياد ارقام العجز المالي الذي اصبح سمة اساسية بات يهدد ليس فقد خدمات الاونروا، بل وجودها، فعادت الاونروا لتتحدث صراحة عن مخطط يهدف الى نزع الشرعية عن الوكالة.
ففي14 حزيران 2022 وامام اجتماع اللجنة الاستشارية للاونروا الذي عقد في بيروت، قال المفوض العام فيليب لازاريني"أن الحملات المنسقة لنزع الشرعية عن الأونروا بهدف تقويض حقوق لاجئي فلسطين تتزايد في وتيرتها وعدوانيتها." وفي ردها على منظمات صهيونية اصدرت تقريرا يحرض ضد مناهج التعليم والموظفين، قالت الاونروا: "في الوقت الذي اجتمع فيه العالم في مقر الأمم المتحدة لدعم مهمة التنمية الإنسانية والبشرية للاجئين الفلسطينيين التي تقوم بها وكالة الاونروا، حاولت منظمة معروفة ذات دوافع سياسية مرة أخرى نزع الشرعية عن عمل "الوكالة" (26 حزيران)، وبعد يومين كرر المتحدث باسم الأونروا بغزة عدنان أبو حسنة القول: ان الوكالة الأممية مستهدفة من خلال أزمات سياسية منسقة لنزع شرعية قضية اللاجئين الفلسطينيين. ومن اعلى منبر دولي حذر المفوض العام من "حملات منسقة لنزع الشرعية عن الأونروا بهدف تقويض حقوق اللاجئين الفلسطينيين" (26 اب 2022).
امام ذلك، لا يمكن الا ان نقدر استشعار بعض مسؤولي الاونروا بخطر جدي وداهم، واعترافهم بأن وكالة الغوث تتعرض لاستهدافات وضغوط واضحة على تماس مباشر مع الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، وهي ضغوط لا تنفصل عن المشاريع الامريكية والاسرائيلية لتصفية حق العودة والحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني. لذلك نكرر القول ان مساعي تجديد التفويض لوكالة الغوث يجب ان تترافق مع توفير حماية سياسية ومالية للاونروا وموظفيها وتوفير شبكة امان اجتماعي للعاملين تجعلهم قادرين على وضع استراتيجيات الوكالة بحرية بعيدا عن كل اشكال الضغط السياسي والمالي والارهاب الاعلامي والنفسي الذي تتعرض له، ومحاسبة تلك المؤسسات التي تمارس تحريضا يوميا على خلفية اتهامات من مؤسسات تابعة لنفس "الجوقة" دون اية اثباتات تؤكد صحة اكاذيبهم ومزاعمهم..
"دائرة وكالة الغوث في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين في لبنان"
- 30 آب 2022 -
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق