حاوره/عبد معروف
بين الفترة والأخرى لا بد من العودة إلى جذور الصراع العربي الصهيوني، ولا بد أيضا من استعراض تاريخ حافل بالصراع والمقاومة، لمشروع استيطاني استعماري صهيوني، شكل مخفرا متقدما للإمبرياليات العالمية وفي مقدمتها الإمبريالية البريطانية والأمريكية، كما شكل عاملا رئيسيا لتفتيت وتجزئة الأمة وإثارة النعرات الطائفية ونهب الثروات القومية، واستمرار التخلف، وضمان عدم قدرة المجتمع على التحول من مجتمع استهلاكي إلى مجتمع صناعي منتج.
ذلك لأن ما تتعرض له القضية الفلسطينية اليوم، ليس وليد الساعة، بل له تاريخ، تمكن العدو خلاله من احتلال مساحاات واسعة من الأرض، وتحقيق بعض أهدافه، وأكد أن الشعب الفلسطيني خاصة والعربي عامة، كان دائما في ميادين التصدي والمواجهة والقتال ضد مخططات العدو الاسرائيلي وحلفائه.
وبالتالي فإن تركيز واهتمام المثقفين والمفكرين والكتاب بتطورات القضية الفلسطينية، والعدوان الصهيوني المتصاعد على أرض فلسطين، منذ العام 1917 وحتى الآن، أمر طبيعي وبديهي، ذلك لأن الصراع، له بعد عربي ودولي، إنساني ومصيري.
وجاء العدوان الصهيوني الأخير في الضفة الغربية وقطاع غزة، ليؤكد حقائق تاريخية، حاولت ثقافة العجز واليأس والاحباط أن تغيبها من وعي الانسان الفلسطيني بشكل خاص، والعربي بشكل عام، وشكلت ميادين المواجهة في الضفة وغزة، وحملات التضامن داخل فلسطين المحتلة منذ العام 1948، مثالا ساطعا على أن الصراع سوف يستمر، لذلك، يعتبر ما جرى من تطورات في الضفة والقطاع خلال الأيام الماضية، حلقة من حلقات الصراع المستمر مع الحركة الصهيونية العنصرية التي عملت من انطلاقتها في مؤتمر بال عام 1897 على احتلال الأراضي العربية وإقامة دولة الاحتلال "من النيل إلى الفرات".
فقد بدأ الصراع العربي مع الحركة الصهيونية بشكل فعلي مع تبلور الصهيونية السياسية، وهذا يعني أن الصراع قد بدأ مع مؤتمر الحركة الصهيونية في بال / سويسرا عام 1897، لكن الصراع بقي محدودا، حتى إعلان وعد بلفور عام 1917.
ومنذ ذلك التاريخ فإن الشعب الفلسطيني لم يغادر ميادين المواجهة، ولم يرفع راية الاستسلام واستمرت حلقات الثورة بأشكال مختلفة من جيل إلى جيل ضد مخططات ومشاريع الاحتلال.
وفي كتابه "الموجز في تاريخ فلسطين الحديث" يذكر المؤرخ الدكتور عبد الوهاب الكيالي عن محطة من محطات النضال الفلسطيني ضد الحركة الصهيونية "أن مرحلة المقاومة الفلسطينية(1908-1914) ألقت الضوء على محطات هامة من محطات المقاومة الفلسطينية الشديدة للصهيونية"، وذكر الدكتور كيالي في كتابه "كان الثوار يجتذبون مزيدا من المتطوعين"، "وفي غضون صيف 1938، بلغت الثورة ذروتها واصبح الثوار في ذروة قوتهم".
وفي السابع من تموز 1913 نشرت صحيفة الكرمل نداء عام إلى الفلسطينيين جاء فيه،" هل تقبلون أن تصبحوا عبيدا للصهيونيين الذين جاءوا لطردكم من بلادكم مدعين أنها بلادهم" وتابع النداء" إننا نؤثر الموت عن أن نسمح بأن يحدث ذلك".
وكشف النداء"أن الفلسطينيين تحركوا لتنظيم أنفسهم والاعتماد عليها وحدها" وفي تلك الفترة بدأ شباب فلسطين التفكير باللجوء إلى العنف.
ماذا يعني ذلك؟ أن الشعب العربي الفلسطيني لم يستكن يوما ولم يستسلم ولم يرفع الراية البيضاء أمام مخططات ومشاريع الحركة الصهيونية والاستعمار البريطاني أيضا، بل إن الشعب الفلسطيني كان يعلم أن لا خيار أمامه للصمود في أرضه ومواجهة المخططات الاستعمارية البريطانية – الصهيونية إلا القتال والثورة الشعبية المسلحة.
وفي الاطار، يتحدث المؤرخ الأستاذ عبد القادر ياسين عن تلك المرحلة من تاريخ النضال الفلسطيني ضد الاستعمار، في كتابه كفاح الشعب الفلسطيني قبل العام 1948، لافتا" إبان اشتداد الثورة كان التأييد الشعبي للثورة كاسحا، ومن الوقائع التي لا تخلو من الدلالة في هذا المجال، استجابة جماهير فلسطين لنداء الثورة في صيف 1938 بارتداء الكوفية كرمز للانتماء للثورة".
ويؤكد ياسين، "إنها ثورة وطنية ديمقراطية ويتضح هذا من أهدافها وهي: إيقاف الهجرة اليهودية، ومنع انتقال الأراضي إلى اليهود، وإنشاء حكومة وطنية".
وهنا يؤرخ الأستاذ عبد القادر ياسين إلى مرحلة من مراحل الثورة العربية الفلسطينية في مواجهة مخططات الحركة الصهيونية والاستعمار البريطاني، ويؤكد أن الشعب الفلسطيني اندفع نحو الثورة وإلى ميادين المواجهة من الاحتلال البريطاني وأيضا مع العصابات الصهيونية المسلحة التي كانت تنظم هجرة أبناء الطائفة اليهودية من بقاع الأرض إلى فلسطين.
وهذا أيضا ما يؤكده المفكر السياسي ناجي علوش في كتابه الحركة الوطنية الفلسطينية أمام اليهود والصهيونية، أن المقاومة الفلسطينية تصاعدت بشكل واسع مع العصابات الصهيونية منذ السنوات الأولى للصراع، وقد برزت المقاومة من خلال إنشاء الجمعيات لمكافحة الحركة الصهيونية ودرء الخطر الصهيوني، واشتداد حملات الصحف العربية في فلسطين وسوريا ومصر ضد الحركة الصهيونية، والدعوات لمؤتمرات واشتداد النقمة الجماهيرية وتنظيم المظاهرات، إلى جانب الثورة الشعبية المسلحة وميادين القتال مع العصابات الصهيونية.
صفحات التاريخ تؤكد أن المواجهة والإصرار على الصمود ومقاومة عدوان الاحتلال، لم تكن إلا حلقة من حلقات النضال الفلسطيني، ليس بهدف الثأر من الاحتلال على ما يرتكبه من جرائم وعمليات قتل وعدوان بل بهدف تحرير الأرض وحرية الشعب وتطوير الوطن.
منذ أن بدأت الصهيونية تخطيطها لاغتصاب فلسطين والشعب الفلسطيني يناضل لاحباط هذا المخطط فمنذ اعلان وعد بلفور خاضت الجماهير الفلسطينية معارك سياسية وعسكرية عديدة لتحتفظ بأرضها وتتحرر .
لقد أثبتت تجارب العقود الماضية من الصراع مع الحركة الصهيونية، أن نضال الشعب الفلسطيني لم يتوقف يوما، وهو ليس نضالا مقطوع الجذور تاريخيا، بل إن هذا النضال حلقات منفصلة أو متصلة مع بعضها لتشكل تاريخا حافلا بالمقاومة في وجه مخططات العدو، وما حدث ويحدث على أرض فلسطين غني بالدروس وزاخر بالعبر، لذلك لابد من دراسة التاريخ والتجارب واستخلاص الدروس الأساسية والهامة منه.
وأمام المحطة التاريخية من نضال الشعب الفلسطيني من أجل استعادة حقوقه المشروعة، لابد من التأكيد على أن الصراع مع الحركة الصهيونية وكيانها وحلفائها، سوف يستمر، ربما يأخذ أشكالا مختلفة استنادا إلى الظروف الموضوعية، لكن ثورة الشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي لم ولن تتوقف، لكنها تحتاج اليوم للتقييم واستنهاض الارادات الوطنية ووحدة أدوات النضال والثورة، على أن لا تكون مقاومة أبطال مسلحين تابعين لفصائل وحركات سياسية على خطوط التماس مع جيش العدو، بل مقاومة شعب في إطار حرب التحرير الشعبية، حتى تتمكن الأحزاب والنخب من استنهاض الطاقات وتنظيم الصفوف ورفع المعنويات والحشد في ميادين الصراع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق