معتصم حمادة
عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
1) المجلس المركزي
■ يعتبر المجلس المركزي في م. ت. ف. بحالته الراهنة، رأس السلطة التشريعية، خاصة بعد أن انتهت ولاية المجلس الوطني، الذي أحال صلاحياته إلى المجلس المركزي ثم أعلن حل نفسه، داعياً إلى تشكيل مجلس وطني جديد، وفقاً للقانون ومبادئ التوافق الوطني.
وبالتالي اعتبرت الدورة الـ31 للمجلس المركزي دورة ذات دلالة مهمة، من شأن انعقادها أن يؤكد التواصل في عمل السلطة التشريعية، وفي حفظ المكانة التمثيلية والقانونية لمنظمة التحرير الفلسطينية، والذين رفعوا شعار «المجلس المركزي لا يمثلني» أخطأوا خطأ جسيماً، ففي سياق معارضتهم لانعقاد الدورة الـ31 للمركزي، انزلقوا إلى مربع خطير سحبوا فيه اعترافهم بالموقع التمثيلي لمنظمة التحرير الفلسطينية وهو ما أثلج صدر بعض الجهات الفلسطينية التي لم تخفِ أنها وضعت على جدول أعمالها تشكيل مؤسسة (تمثيلية)، إن لم تكن بديلاً لمنظمة التحرير، فهي في الحد الأدنى أداة تشويش على الموقع التمثيلي والقانوني المعترف به فلسطينياً وعربياً ودولياً.
أنجز المجلس المركزي جدول أعماله، وأقر نظام اجتماعات دورية له، مرة كل ثلاثة أشهر، وانتخب لجنة تنفيذية أقر أن تعقد اجتماعاً مرة كل شهر، وكذلك إحياء اللجان البرلمانية للمجلس الوطني، فما الذي تحقق بعد ذلك بشأن المجلس المركزي؟
منذ 6 شباط (فبراير) الماضي، لم يعقد إلا دورة واحدة، بشكل نظامي، ويبدو أنه أصيب بعدوى «الاجتماعات التشاورية» الذي قد أصابت منذ زمن اللجنة التنفيذية، فاستعاض عن اجتماعاته النظامية، وفقاً للقانون والنظام، بما سمي «الاجتماعات التشاورية» يترأسها رئيس المجلس الوطني، يبدي فيه كل عضو رأيه، ثم تحال إلى أمين سر المجلس الوطني، وإلى وكالة «وفا» لصياغة البيان الإخباري عن نتائج الاجتماع، فيأتي البيان كل مرة، ليعكس وجهة نظر واحدة في السياسة، متجاهلاً باقي وجهات النظر، وكأنه بيان حركة فتح دون غيرها، كما جرى في الاجتماع التشاوري الأخير، تجاهل قضية اللاجئين وحق العودة، وحصر أهداف النضال الوطني بإقامة الدولة الفلسطينية، في خطوة مكشوفة، أكدت التزام أصحاب البيان بما سمي «حل الدولتين»، الذي ما زال الرهان الرسمي عليه كحل للقضية، رغم تأكيد الولايات المتحدة رأيها بأن هذا الحل مؤجل حتى إشعار آخر، ورغم تأكيد الجانب الإسرائيلي أن «حل الدولتين» ما هو إلا وهم، دون أن تترك مثل هذه المواقف أي أثر على استراتيجية القيادة السياسية للسلطة الفلسطينية، وبدلاً من أن يكون المجلس المركزي، رقيباً على السلطة التنفيذية، وعلى التزامها بالبرنامج الوطني، كما أعيد التأكيد عليه في الدورة الأخيرة (31) تحول إلى «تابع» للسلطة التنفيذية، وللقيادة السياسية للسلطة الفلسطينية، فانتهك بنفسه قرارات دورته الأخيرة، وتجاهل قضية اللاجئين وحق العودة، في خطوة تعتبر مخالفة دستورية فاقعة في ظل غياب دور المحكمة الدستورية، إلا في الحالات التي يتم فيها استدعاؤها من قبل القيادة السياسية للسلطة، فضلاً عن ذلك ما زالت قضية انتخاب مجلس وطني جديد، معلقة على مشجب الانقسام، وعلى مشجب «موافقة» إسرائيل لتنظيم الانتخابات في القدس، ما يعني أننا أمام مرحلة غير قصيرة، سيبقى بها المجلس المركزي هو عنوان السلطة التشريعية، وهذه مسألة تستدعي حواراً مسؤولاً من نوع جديد، في اللجنة التنفيذية، باعتبارها الإطار القيادي التوافقي في م. ت. ف ■
2) اللجنة التنفيذية
■ انتخب المجلس المركزي اللجنة التنفيذية، وكلفها رسمياً تنفيذ قراراته، خاصة ما يتعلق منها بإعادة النظر بالعلاقة مع دولة الاحتلال، بوقف العمل بالمرحلة الانتقالية لاتفاق أوسلو وكل استحقاقاتها. كما قرر أن تعقد اجتماعاً شهرياً لمتابعة أعمالها، فما الذي حققته اللجنة التنفيذية، خلال أكثر من سبعة أشهر على ولادتها؟!...
• عقدت عملياً ثلاثة اجتماعات، ناورت فيها سياسياً لاستبعاد تنفيذ قرارات المجلس المركزي، مرة بدعوى وضع المجتمع الدولي في الصورة والأجواء، ومرة أخرى بدعوى تجنب اتخاذ أي قرار عشية وصول الرئيس الأميركي بايدن، حتى لا تبدو وكأنها محاولة لإفشال زيارته، وبذلك ما زالت قرارات المجلس المركزي معلقة دون أية مساءلة من سلطة المجلس المركزي التشريعية.
• سادت في أوساط اللجنة التنفيذية ومن يوالي القيادة السياسية للسلطة الفلسطينية، نغمة لتبرير تعطيل قرارات المجلس المركزي عبر طرح السؤال التالي: ماذا عن اليوم التالي لتنفيذ القرارات؟ وكأن أصحاب هذا السؤال اكتشفوا البارود، أو عثروا على ذريعة تبرر تعطيل القرارات، متجاهلين أنها اتخذت منذ العام 2015، وقد أدخلت عليها التطويرات اللازمة بما يتناسب وتطور الحالة الفلسطينية، وبالتالي يصبح السؤال: ماذا فعلت القيادة السياسية للسلطة الفلسطينية التي تملك زمام القرار اليومي، السياسي والاقتصادي والأمني وغيره، لتحضير الحالة الفلسطينية لاستقبال اليوم التالي لقرارات المجلس المركزي؟
وماذا عملت اللجنة التنفيذية السابقة والحالية، تحضيراً لليوم التالي لقرارات المجلس المركزي؟ وإذا كان البعض يحاول أن يتلطى خلف عبارة وردت في بيان المجلس المركزي تدعو اللجنة التنفيذية لتأخذ بعين الاعتبار المصلحة الوطنية عند تطبيق القرارات، فلا نعتقد أننا كنا أمام ظروف أكثر إلحاحاً لتطبيق قرارات المجلس المركزي، ومن يرجع إلى خطابات الرئيس محمود عباس، في برلين وفي أنقرة، حول ممارسات الاحتلال الإسرائيلي، يدرك كم باتت الحالة الفلسطينية بحاجة إلى سياسة بديلة تخرجها من المحرقة الإسرائيلية التي تمارس يومياً بحق شعبنا في الضفة الفلسطينية والقدس وفي قطاع غزة.
• ارتكبت اللجنة التنفيذية خطأً جسيماً عندما صمتت عن تسمية أمين سر اللجنة لقرار رئاسي، في مخالفة واضحة وصريحة لنظام العمل والعرف السائد في اللجنة، إذ يقول نظام عمل اللجنة أنها فور انتخابها، تجتمع وتنتخب رئيساً وأميناً للسر، وتوزع المهام على أعضائها. ما جرى أن أمين السر جرت تسميته بقرار رئاسي، وهو أمر مخالف للنظام، ومحاولة لفرض أمر واقع جديد، من شأنه أن يمس جوهر العلاقة داخل اللجنة التنفيذية وأحد الأسس الرئيسية لتشكيلها. إن صمت اللجنة التنفيذية عن هذا الخرق من شأنه أن يشجع على التوغل أكثر في هذا المسار، ما يضعنا أمام نظام سياسي يقوم في كل مؤسساته على القرار المنفرد، وفي ظل سياسة الهيمنة والتفرد الحالية. نسوق هذا الكلام بمعزل عمن تمت تسميته أميناً للسر.
• كذلك ارتكبت اللجنة التنفيذية خطأ آخر، عندما لجأت إلى التصويت بشأن قرارها في الاجتماع الأخير، بتأجيل تطبيق قرارات المجلس المركزي لما بعد زيارة الرئيس بايدن. الخطأ هنا كان مزدوجاً، أولاً لأن موازين القوى داخل اللجنة مختلة بشكل دائم لصالح تيار يوالي القيادة السياسية للسلطة، ما يعني أن التصويت هنا، ما هو إلا مناورة تمكن سياسة تعطيل قرارات المجلس الادعاء أنها تعمل بقرارات التنفيذية. ثانياً: إن قرار التأجيل دون تحديد المدى الزمني، ما يعني أن تعطيل قرارات المجلس المركزي بات سياسة رسمية حتى إشعار آخر.
• أكدت اللجنة التنفيذية انفصالها عن الحالة السياسية، وكررت مع الحرب العدوانية على قطاع غزة، ما اقترفته اللجنة التنفيذية السابقة مع «معركة القدس» و«سيف القدس»، اشتعلت الحرب العدوانية وتحركت الوساطة المصرية، وتحرك العالم كله تحت تأثير العدوان، ما عدا اللجنة التنفيذية التي غطت في سبات عميق، تحولت من «القيادة اليومية» للشعب الفلسطيني إلى مجرد مراقب للشأن العام، لا حول ولا قوة.
• كما يسجل على اللجنة التنفيذية أنها أخلت بالنظام، حين تخلت عن صلاحيتها في توزيع الدوائر على أعضائها، ففي الاجتماع الأخير لها، وزع على أعضاء اللجنة جدول بتوزيع الدوائر، لم يناقش ولم يعرف مصدره، واعتبر أمراً واقعاً دون أي استفسار، ودون أي توضيح، بغض النظر عن عدالة وصوابية توزيع الدوائر. واللجنة التنفيذية هي حكومة دولة فلسطين في المنفى (يفترض أن يكون مقرها الرسمي في القدس، لذلك نقول «في المنفى»). وتقاليد العمل البرلماني في العالم، تؤكد أن توزيع الحقائب على الوزراء مسألة سياسية من الطراز الأول. فتخيلوا مثلاً لو أن حكومة ما دخل وزراؤها الاجتماع ليجد كل منهم وزارته بانتظاره، فنعطي وزارة الصحة لمهندس زراعي، وتعطي وزارة الطاقة لطبيب بيطري، وتعطي وزارة الزراعة لطبيب نسائي، مع الفارق بين واقع حالنا الفلسطيني، وواقع الحال لدى الدول المستقلة، فإن هذا لا يعفي اللجنة التنفيذية من مسؤولياتها عن توزيع الدوائر على أعضائها.
• وفي السياق نفسه، توزيع الدوائر على أعضاء التنفيذية، يلاحظ أن أمين سر اللجنة (المعين بقرار فوقي) بات يحمل حقيبتين: واحدة في حكومة سلطة الحكم الذاتي، هي وزارة الشؤون المدنية المختصة بالعلاقة مع سلطات الاحتلال، والثانية هي دائرة شؤون المفاوضات في م. ت. ف، والمعنية أيضاً بالتفاوض مع إسرائيل. السؤال: أين هي حدود الوزارة، وأين هي حدود الدائرة، وكيف يجمع عضو واحد، حقيبتين بينهما «فارق سياسي»؟، الأولى هي في سياق اتفاق أوسلو ومساره، والثانية هي في سياق الخروج من أوسلو (هكذا تفترض قرارات المجلس المركزي)، سيبقى هذا السؤال معلقاً، ما دامت العلاقات الائتلافية في المؤسسة الفلسطينية مختلة، وتخضع لسياسات الهيمنة والتفرد.
3) اللجان البرلمانية
■ اللجان البرلمانية صيغة ديمقراطية متقدمة، تقوم على مبدأ توزيع أعضاء البرلمان على لجان اختصاص، كل منها معني بالرقابة على وزارة بعينها في الحكومة ومساءلتها، وبذلك يكون هناك لجنة المال، المعنية بمساءلة وزارة المال، وكذلك للشؤون الخارجية والتعليم والتربية والإعلام وغيرها، بما يجعل من أعضاء البرلمان خلايا عمل ذات مهام متواصلة، لا تقتصر على حضورهم الاجتماعات العامة. التجربة الفلسطينية تقول أن اللجان البرلمانية كانت معطلة، وبالتالي كان عضو المجلس الوطني يمارس دوره، عضواً في المجلس، كلما اجتمع المجلس في دوراته العادية (أحياناً كل ثلاث سنوات مرة وأحياناً كل 16 سنة مرة)، كما تبقي اللجنة التنفيذية ودوائرها خارج رقابة السلطة التشريعية، أي المجلس الوطني، فنكون أمام نظام «برلماني» مشوه، يفتقر إلى جوهره المؤسساتي.
في الدورة الأخيرة للمجلس المركزي تقرر تشكيل اللجان البرلمانية، وهذا يفترض من حيث المبدأ، والفعل الملزم أن يكون لكل لجنة صلة معينة بالدائرة المماثلة في اللجنة التنفيذية. اللجنة السياسية في مواجهة (بالمعنى الإيجابي) لدائرة الشؤون السياسية، ولاحقاً في مواجهة دائرة شؤون المفاوضات عندما تستأنف العملية السياسية مع الجانب الإسرائيلي، ولجنة شؤون اللاجئين في مواجهة دائرة شؤون اللاجئين، وهكذا دواليك، بحيث يتكامل دور اللجان البرلمانية مع دور دوائر اللجنة التنفيذية.
ما جرى حتى الآن (ولنأخذ اللجنة السياسية نموذجاً). أن اللجنة السياسية عقدت ثلاثة اجتماعات، انتخبت رئيسها، وأمين سرها، وناقشت الأوضاع السياسية وأكدت في اجتماعين متتاليين على ضرورة الشروع بتطبيق قرارات المجلس المركزي، ولا أعتقد أنه يوجد لدى اللجنة في اجتماعها القادم، ما يمكن أن تضيفه في نقاشها، على ما قالته في اجتماعيها السابقين. سبب هذا الدوران في حلقة مفرغة، أن اللجنة تناقش نفسها، وتحاور نفسها بينما الجهة الأخرى المعنية بالنقاش، أي دائرة الشؤون السياسية في التنفيذية غائبة. ولا أعتقد أن الأمور سوف تستقيم إن لم تستجيب (تلتزم) دوائر اللجنة التنفيذية للمشاركة في اجتماعات اللجان البرلمانية، وإلا نكون قد أفرغنا العمل البرلماني من جوهره الديمقراطي، وساهمنا في الحفاظ على الحالة المشوهة للمؤسسات الرسمية الفلسطينية.
مثل هذا الأمر، على هيئة رئاسة المجلس الوطني أن تحسمه مع اللجنة التنفيذية.
4) هيئة رئاسة المجلس الوطني
انتخب المجلس المركزي في دورته الأخيرة، هيئة رئاسة جديدة للمجلس الوطني لا ندري كيف وزعت المهام على أعضائها، خاصة نائبي رئيس المجلس، وما هي مهامها خارج دورات المجلس، وكيف تنظم تمثيل فلسطين في اللقاءات والاجتماعات والمحطات البرلمانية العربية والدولية، وكيف تتابع علاقاتها مع برلمانات العالم، لصالح تعزيز العلاقة مع ممثلي الشعوب لصالح القضية الفلسطينية؟، ولعل من القضايا المهمة، أن تكون هيئة رئاسة المجلس على صلة مباشرة بأعمال اللجان البرلمانية ودورها، بما في ذلك عقد اجتماعات دورية للهيئة الموسعة لرئاسة المجلس، والتي تضم الرئيس ونائبيه، وأمين السر، ورؤساء اللجان البرلمانية وأمناء سرها، لمناقشة الحالة العامة، ودور المجلس الوطني وعلاقاته مع السلطة التنفيذية، بدوائرها المختلفة.
خلاصة:
إن مسار الإصلاح الوطني لمؤسسات م. ت. ف. طويل ومعقد، ودونه حواجز وصعوبات، لكنه يبقى قضية مهمة على جدول أعمال النضال الوطني، وهو مسار لن يحقق الأهداف المنشودة كاملة إلا إذا رافقه إصلاح سياسي وإداري، يتطلب أولاً، وقبل كل شيء، إرادة وطنية للتخلي عن سياسة تغليب المصالح الفئوية على المصالح الوطنية، وتغليب سياسة المصالح الفردية على المصلحة العامة، ومكافحة الفساد، وإعلاء روح التضحية من أجل القضية ومن أجل الشعب والوطن ■
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق