وكالة القدس للانباء – بسام دواه
ما زال العم أسعد كعوش ابن مخيم المية ومية وصاحب الـ80 عاماً مقصداً لكل من أراد أن يعرف حكايات وتاريخ فلسطين، فإن كنت تسأل عن النكبة سيجيبك، وأن كنت تسأل عن جبالها وبحرها ونهرها وأزقتها سيجيبك، وإن كنت لا تعرف التراث الفلسطيني والاغاني الشعبية التي كان يتغنى بها الاجداد في الاعراس الفلسطينية فسيجيبك. يتذكر جيداً العم كعوش تفاصيل الهجرة والتشرد، ويحكي بلسان طلق وذاكرة لا تنسى جدار الصوت وأزيز الرصاص في ذلك اليوم.
عاش العم كعوش بين كروم التين والزيتون في ميرون قضاء صفد وبين صخر الجليل ترعرع وعاش، وجهه الجميل وتجاعيد بشرته تشرح تماماً عن معاناة حكايته، وصوته الطربي الجميل.. يستقبل الزائرين وكأنه في بساتين الحمضيات بحيفا ويافا. العم "أسعد كعوش" (أبو العبد)، ألاستاذ الثوري، المثقف المعلم للكثير من الاجيال في مخيمات لبنان.
ولد الأستاذ كعوش سنة 1940 في بلدة ميرون، وهو ما زال يتذكر معصرة الزيتون والمعبد الروماني وساحة البلدة، وكروم الزيتون والتين والعنب والتبغ والقمح الذي كان والده الفلاح المزارع أحد مالكيها، وجبل الجرمق أعلى جبال فلسطين، بدأ دراسته في بلدة جويا قضاء صور، ثم تابع دراسته الثانوية في مدرسة المية ومية التابعة للاونروا، لينتقل بعدها الى كلية المقاصد الاسلامية في صيدا، وليتخرج منها عام 1960، وانهى فيما بعد في دار المعلمين بمعهد سبلين عام 1963، ثم التحق في جامعة بيروت العربية وتخرج منها سنة 1969.
العم كعوش يتحدث لوكالة القدس للأنباء
زارت "وكالة القدس للأنباء" (العم كعوش) في منزله الكائن داخل مخيم المية ومية القريب من مدينة صيدا، واجرينا معه حديثاً مطولاً عن علاقته بفلسطين وبتراثها وثورتها.
قال كعوش: "خروجنا من فلسطين كان بطريقة عشوائية غير منظمة، ففي عام 1948 حصلت معارك طاحنة في مدينة صفد ونحن في بلدة ميرون المتاخمة، عندها انتشرنا في الاودية والجبال وبين الاشجار هروبا من القصف. أذكر أن بلدتنا تعرضت لغارات صهيونية من طائرتين، فكل العائلات هربت من القصف سيرا على الاقدام نحو الجبال، ولم يعد باسطاعتنا الرجوع لأن اليهود وألياتهم العسكرية تواجدوا في ميرون بشكل كبير، فنزلنا من بيت جانا في أعلى جبل الجرمق نحو السهل الى منطقة قريبة من الحدود اللبنانية، وبعد حوالي ثلاث ساعات من السيرعلى الاقدام وصلنا الى حدود لبنان، وتحديدا الى مدينة بنت جبيل".
وأضاف: "بقينا في بنت جبيل لأشهر، ولم يكن في المدينة مواد غذائية، وكانت تعاني من شح المياه، فاضطررنا للخروج الى "جويا" قرب مدينة صور، وبقينا فيها حوالي السنة والشهرين، صرفنا امولنا لانه لم يكن هناك عمل ولا مدارس ولم نتلق المعونات والمساعدات من أي كان".
وأشار كعوش الى انه "وفي عام 1950 اجتمع كبار العائلة وقرروا الخروج من جويا نحو مخيم المية ومية في مدينة صيدا، حيث كان يوجد خيم وشوادر، ولكل عائلة خيمة، ويتفاوت حجمها حسب عدد افراد العائلة، فبقينا في المخيم الذي كان يوجد فيه عيادة طبية ومدرسة ومساعدات من العام 1950 لغاية اليوم".
وعن احتلال فلسطين عام 1948، "أكد العم كعوش أن الانسان حين يفقد أحد افراد عائلته يبقى لهذا الفقد أثر كبير في حياته، فكيف أن حرم الانسان من وطنه وأرضه وبيته، مشدداً على أن أثر النكبة موجع جداً وما زال حتى اليوم يغرس في قلوبنا، فجرح النكبة ما زال ينزف دماً، وطالما نحن خارج وطننا سنبقى متأثرين بهذا البعد، ونبقى مصرين على حقنا في العودة، مهما طالت النكبة ولن ننسى وطننا وأهلنا وارضنا الحبيبة فلسطين"
ووصف كعوش خروجه من فلسطين "حفاة عراة"، دون ملابس إضافية ولا أموال، لأن امولنا كانت الاراضي التي نملكها ونعمل في زراعتها نأكل من خيراتها، فكان الحرمان هو الشعار الكبير لكل الناس، ولكن بعد وقت تدخلت بعض المنظمات العالمية كالصليب الأحمر الدولي وهيئات أخرى من الأمم المتحدة، وأصبحت تمدنا بالطعام والمساعدات بشكل يومي.. وبقينا على هذه الحالة أكثر من سنتين وكنا نعاني، ولكن بعد دخولنا للمخيمات أصبح هناك مؤسسات للأنروا، من مدارس وعيادات واصبح هناك توظيف للمتعلمين ولمن يجيد القراءة والكتابة وبدأ الوضع يتحسن تدريجيا"
وتابع: "باشر الشباب بالتعلم ودخول الجامعات مما فتح لهم الفرص للسفر الى دول الخليج للعمل واصبحوا يساعدون أهلهم في لبنان عبر إرسال الأموال لهم كل شهر كي يتمكنوا من العيش بشكل جيد، وبعدها سمحت لنا الاونروا ان نبني المنازل في المخيمات فاصبح لكل عائلة منزل، والكثير من الناس هاجرت نحو الدول الغربية.
الثورة الفلسطينية
ولفت الى انه انضم الى صفوف الثورة الفلسطينية في العام 1970، متخليا عن شهادة دار المعلمين و"الليسانس" من الجامعة العربية،على الرغم من تخرجه من دار المعلمين في سبلين وحصوله على الليسانس من الجامعة العربية.
كانت ثورة حقيقية، حيث انطلق العمل الفدائي وبدأ الشباب بالالتحاق بالثورة، وكنت من ضمنهم، والكثير ممن كانوا يعملون في الخارج عادوا الى لبنان، والتحقوا يصفوف الثورة، لأن حلم كل الفلسطينيين كان حمل السلاح وتحرير الوطن. وبدأت عمليات التدريب في المخيمات عبر الدورات وحمل السلاح.
وتذكر العم كعوش هبة نيسان 1969 حيث استشهدت مجموعة من شباب المخيم والمخيمات الأخرى وجرح العشرات، وتم دفن الشهداء في ساحة مجمع المدارس على مدخل المخيم الفوقاني الشمالي، لتبقى فترة طويلة من الزمن مزاراً وطنياً لجماهير شعبنا الفلسطيني في عين الحلوة وبقية المخيمات.
وقال: "كُنا نرى القبور كل يوم تقريباً نحن تلاميذ مدرسة قبية ورفاقنا في مدرسة الفالوجة وزميلاتنا التلميذات في مدارس البنات. بعد الهبة انتهى زمن (جهاز) المكتب الثاني وعملاؤه (الذين كانوا يرهبون أبناء المخيمات) وجاء زمن الثورة وفصائلها. ففي بداية السبعينيات تمركزت وتوسعت الفصائل الفلسطينية في المخيمات وفي عين الحلوة بالذات، فهو أكبر مخيمات لبنان".
الموسيقي والثورة
اما بالنسبة للموسيقى، فقال كعوش: "منذ صغري كنت أحبها، ولكن اثناء طفولتي لم يكن هناك تشجيع من الاهل والمحيط ، ولا قدرة مالية لشراء آلة موسيقية والتعلم عليها"..
وتذكر كعوش كيف حصل على أول آلة عود وبمحض الصدفة، قال: "حين كنت ادرس في مدرسة المقاصد في صيدا، ذهبت أنا وأصدقائي لمحل فلافل لتناول وجبة الغداء، فسمعني صاحب المحل وأنا ادندن بعض الأغاني، فأعجب بصوتي وقال لي لماذا لا تغني وتتدرب على العود، قلت له ان شراء العود مكلف، فأهداني عود وعدت به الى المنزل فرحا، في يومها سهرت مازجا بين العزف على العود والقرأة في الكتاب، أعزف قليلا وأقرأ قليلا".
ولفت الى ان والده شجعه وطلب منه عدم اهمال الدراسة، واضاف: "تواصلت مع أحد الاشخاص في ضيعة المية ومية وبدأ يعلمني على أصول العزف وكيف أدوزن العود وعلى السلم الموسيقي والمبادئ، وانا تابعت بمجهودي الخاص وسهرت وتعبت، وخلال خمسة أشهر بدأت أعزف، وكانت بداية الثورة".
وأكد أنه باشر بتأليف الأغاني وتلحينها على العود، واول اغنية كتبها كانت في منتصف الستينيات، حينها كان الفلسطينيون يعانون من مضايقات الشعبة الثانية، الذي كانونا يمنعون أي نشاط يتعلق بفلسطين، قائلاً: "انا عملت أغنية مموهة رمزية غير مكشوفة وهي بعنوان: "يا مركب سر على مهلي " وكانت أول اغنية كتبتها.
يا مركب سر على مهلي .. أنا مشتاق اشوف أهلي
صبرت سنين وانا مشتاق .. أشوف بيارتي وسهلي
يا مركب روح على حيفا .. على عكا وعلى يافا
وغزة قلبي ما شافا، ما شاف اللد والرملة
يا مركب خذ معاك جنود .. وخذ الباقي عن الحدود
وشعبي كلو لما يعود .. باهلي يجتمع شملي
واضاف: "بعد سنتين وصل الفدائيون الى لبنان وكان معهم سلاح "الكلاشنكوف، وحينها كانت أول مرة اسمع فيها أزيز اطلاق النار في المخيم، حينها كتبت اغنيتي الثانية وهي: "تسلم ايدك يا فدائي لما بتطلق نار، لما ترجع ارض بلادي وعنا بتمحي العار".
وأشار العم كعوش إلى أنه منذ ذاك الوقت تابعت مجريات عمليات الفدائيين على حدود فلسطين وفي داخلها. فكل عملية كنت أكتب لها أغنية وألحنها، وبدأت مهرجانات انطلاقة الثورة، انطلاقة المنظمات، مهرجانات وطنية، تأبين شهيد، فاصبحت أمارس عملي بهذا اللون الشعبي والوطني والثوري، منوهاً الى انه يمتلك مجموعة كبيرة من الأغاني التي انتشرت في المخيمات، وفي الكثير من المناطق اللبنانية وحفظها الكثير من الناس.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق