قال القيادي التاريخي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، صلاح صلاح، إنّ الثورة الفلسطينيّة انطلقت في منتصف الستينات من مخيمات اللّجوء في الدول العربية المجاورة ل فلسطين (لبنان، سوريا، الأردن)، والتي يعاني سكانها الفقر والبؤس والاضطهاد.ولفت صلاح في ورقة قدمها خلال الندوة العالمية التي نظمتها "دارة فلسطين"، بمناسبة مرور أربعين عاماً على مجزرة صبرا وشاتيلا، إلى أنّ جود اللّاجئين في المخيمات شاهد على سياسة التطهير العرقي التي نفذتها الحركة الصهيونية بما ارتكبته قواتها من جرائم ومجازر بحق الشعب الفلسطيني.
وأفاد بأنّ الثورة تعكس غضب الشعب الفلسطيني وإدانته للأمم المتحدة ولأصحاب القرار في المحافل الدولية التي تترك العنان للعدو الصهيوني الذي يتصرف بدون حسيب ولا رقيب.
وتحدّث صلاح عن الإنجازات السّياسية التي استطاعت الثورة بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية أن تحقّقها، وذكر منها: الحصول على اعتراف بها كممثلة شرعيّة للشعب الفلسطيني، وموافقة ١٠٣ دول على فتح سفارات لها في بلدانها إضافةً لقبولها عضو مراقب في الجمعية العمومية للأمم المتحدة.
وتابع صلاح:" كان للمنظمة دور هام في الإقرار بحق الشعب الفلسطيني بممارسة كافة أشكال النضال لتحرير وطنه وإقامة دولته المستقلة، كما صدر حوالي 120 قرارًا في الأمم المتحدة ولجانها المختلفة أكّدوا حق اللّاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى أراضيهم".
وبحسب صلاح هناك عوامل دفعت لتمادي "إسرائيل" في رفض تنفيذ قرارات الشرعيّة الدوليّة، وتجاهلها أي اعتبار أخلاقي وإنساني وقانوني للرأي العام الدولي؛ من بينها نزعة التفوق بالقوة، حيث ترى "إسرائيل" أنها تمتلك من القوة ما يمكّنها من التفوّق على كل الأنظمة العربية وأنها تستطيع تحقيق ما تريد بدون أي رادع.
وأضاف بالقول: "بالقوة اغتصبت إسرائيل جزءًا من فلسطين عام ١٩٤٨ يتجاوز ما أقرته الأمم المتحدة بقرار التقسيم رقم ١٨١ بـ ٢٢% من مساحة فلسطين، وبالقوة احتلت في حرب عام ١٩٦٧ ما تبقى من فلسطين، ومنطقة الجولان في سوريا، ومزارع شبعا في لبنان، وبفضل الحرب أيضًا عام 1973وما تلاها فرض الكيان الصهيوني؛ بدعم من الإدارة الأمريكية، شروطه على مصر في ديفيد وعلى الأردن في وادي عربة وعلى م.ت.ف في أوسلو".
إلى جانب نزعة القوّة، يرى صلاح أنّ هناك عاملًا آخرًا شجّع "إسرائيل" على تماديها في التغوّل على الحقوق وهو عامل الدعم المطلق والغطاء السياسي الكامل الذي توفره الولايات المتحدة الأمريكية للكيان، عبر تطوير قوته العسكرية والمادية من ناحية، وتعزيز علاقاته الدبلوماسية مع الكثير من دول العالم بما فيها بعض الدول العربية التي بدأت تظهر العلاقات معها إلى العلن بعد أن كانت سرية".
ونوّه إلى أنّ الحركة الصهيونية لها امتدادات ونفوذ مكّنها من التأثير على أصحاب القرار لمصلحة "إسرائيل" في الكثير من دول العالم خاصة في أوروبا، لافتًا إلى أنّها استغلت قضية "الهولوكوست" لتحقيق هذا التأثير.
وذكر صلاح بعض العوامل الذاتيّة والعربيّة التي أسهمت في عدم انصياع الاحتلال للقرارات الدوليّة، في مقدمها حالة الانقسام والتخلف والتبعية التي تعاني منها الأنظمة العربية والقوى السياسية.
وأردف قائلًا: "استخدمت إسرائيل هذه العوامل لتتمادى في أعمالها العدوانية بحق الكثير من الدول العربية وخصوصًا لبنان التي نالت النصيب الأكبر من الغارات الجوية والبحرية؛ حيث تم في إحداها قصف مطار بيروت الدولي عام 1968 مما أدى إلى تدمير ١٣ طائرة مدنية، ومرة ثانية عام ٢٠٠٦ حين استهدفت خزانات الوقود والمدرجات، كما دمرت أحياء كاملة في الضاحية الجنوبية لبيروت".
وخلال حديثه تطرّق صلاح صلاح إلى المجازر الوحشيّة التي ارتكبها العدو الصهيوني في لبنان، والتي من بينها مجزرة قانا الأولى عام ١٩٩٦ ضد المدنيين الذين لجأوا إلى مركز القوات الدولية "ليونيفيل"، ظناً منهم أن علم الأمم المتحدة سيحميهم، "فاستشهد منهم ١٠٦ مواطنين جميعهم أطفال ونساء"، ومجزرة قانا الثانيّة في عام ٢٠٠٦ حين قصف الطيران "الإسرائيلي" مبنًى راح ضحيته ٥٥ شخصاً بينهم ٢٧ طفلاً بالإضافة إلى عدد من الجرحى.
وتابع صلاح: "المخيمات الثلاثة عشر في لبنان لم يسلم منها ولا مخيم من القصف جواً وبحراً وبعضها جرى تدميره بالكامل كمخيم النبطية، ومخيم عين الحلوة، حيث ترافق مع حالات الدمار وقوع آلاف الضحايا أكثرهم من النساء والأطفال الذين كانوا يختبئون في ملاجئ لم يستثنها القصف".
ولفت صلاح، إلى وجود سلسلة أخرى من الجرائم التي لم ترتكبها القوات الصهيونيّة مباشرة، بل على يد عملائها وبتشجيع وحماية من ضباط القوات الصهيونية وأبرزها مجزرة مخيم تل الزعتر، التي ارتكبت فيها قوّات حزب الكتائب اللّبناني وقوّات حزب الأحرار أبشع المجازر التي يصعب وصفها، مستذكرًا عبارة نقلها أحد الصحفيين عن لسان دورى شمعون، زعيم حزب الأحرار: "من المستحيل، ولو على وجه التقريب، تقدير عدد الذين قتلوا في مجزرة الأمس في تل الزعتر يوم دخلت المليشيات اليمينية المخيم"، وبحسب تقدير زعيم الحزب راح ضحية المجزرة ما بين ١٤٠٠ إلى ٢٢٠٠ جثة داخل المخيم، عدا عن الذين جرت تصفيتهم خارج المخيم، على الطرقات أثناء هروبهم.
وقال صلاح: "لم تأخذ مجزرة تل الزعتر نفس الصدى الإعلامي الذي أخذته مجزرة صبرا وشاتيلا، لكنها لا تقل عنها مأساوية بكل المقاييس الأخلاقية والإنسانية والعنصرية".
واستذكر صلاح مجزرة صبرا وشاتيلا، مقتبسًا نصًّا من مقال لـ أمنون مابليوك: "الصحفيون والدبلوماسيون الأميركيون والأوروبيون يتجولون الآن فيما تبقى من شوارع المخيم، ويكتشفون مئات الأجسام المبعثرة والأوصال والأعضاء المقطعة؛ أم تضم طفلها اخترقت رأس كل منهما رصاصة واحدة، نساء عاريات قُيدت أيديهن وأرجلهن خلف ظهورهن، رضيع مهشّم الرأس في بركة من الدم وإلى جانبه مصاصة من الحليب، وعلى طاولة الكوي بالقرب من أحد البيوت قطعوا أعضاء رضيع وصفّوها باعتناء بشكل دائرة ووضعوا الرأس في الوسط".
وأشار صلاح إلى أنّ جميع المجازر وجرائم الحرب التي ارتكبتها القوات الصّهيونيّة أثناء أعمال عدوانية وحروب متعاقبة منذ عام ١٩٦٨، كانت تستهدف تدمير المقاومة الفلسطينيّة وإنهاء وجودها في لبنان، وكسر إرادة اللّاجئين الفلسطينيين المقيمين في لبنان، إضافةً إلى إنهاء نفوذ سوريا وإخراج قواتها من لبنان -رغم وجودها بقرار من جامعة الدّول العربية وبرضى من الولايات المتحدة الأميركية-، وضمان انتخاب رئيس جمهوريّة في لبنان موالٍ لإسرائيل، علاوةً على القضاء على وجود حزب الله وتنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد لتصفية قضيّة فلسطين وتوسيع نفوذ إسرائيل وهيمنتها على المنطقة.
وأكّد صلاح تمسّك اللاجئين الفلسطينيين في بلدان اللجوء ودول الشتات بحقهم بالعودة، مشيرًا إلى أنّهم يجدون من خلال حملات المقاطعة دعماً واسعاً في أوساط الرأي العام العالمي بما في ذلك الولايات المتحدة الأميركية.
ويرى صلاح أنّ هناك فشلًا ذريعًا "للجيش الإسرائيلي" بالقضاء على المقاومة اللبنانية، متمّمًا: "انهزمت إسرائيل أمام المقاومة في حربين مدمرتين عامي ٢٠٠٠ و٢٠٠٦ وأصبحت تهديدات حزب الله تشكل قوّة ردع تجعله يفكر ألف مرة قبل القيام بأي عمل عدواني ضد لبنان".
وفي ختام حديثه، نوّه صلاح إلى أنّ شعوب الدّول العربية التي عقدت اتفاقيات سلام، أو التي طبّعت علاقاتها مع "إسرائيل" لم تنجح بإقناع شعوبها لتأييدها بما قامت به، حيث لا زالت شعوب تلك البلدان ككل الشعوب العربية ترى في "إسرائيل" دولة استعمار استيطاني عنصري اغتصب فلسطين ويسعى إلى الهيمنة على المنطقة العربية، ويجب مواجهته والتصدي لأعماله العدوانية الإجراميّة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق