فتحي كليب / مسؤول دائرة وكالة الغوث في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
عندما تأسست وكالة الغوث عام 1949، لم يكن مدرجا على جدول اعمالها التعاطي مع قضايا طارئة، وكانت اولوية المجتمع الدولي الاستجابة لتحديات الاغاثة والايواء التي فرضت نفسها بقوة في الاسابيع والاشهر الاولى للنكبة، رغم ان الاونروا قدمت خدمات خارج اطار برامجها العادية، لكنها ومع عجز هذه البرامج عن الاستجابة لحالات مستجدة، اضطرت الى اعتماد برامج الطوارئ بشكل رسمي بحيث اصبح لها موازنة ثابتة الى جانب موازنة البرامج العادية وموازنة المشاربع فيما بعد..
وخلال فترة اكثر من سبعة عقود، اعتمدت وكالة الغوث هذا النمط من البرامج، سواء عبر دعم مباشر منها او بالتعاون مع بعض مؤسسات الامم المتحدة في الدول العربية المضيفة، وكان هدفها التخفيف من آثار الحروب التي تعرض لها وشهدها اللاجئون الفلسطينيون في مختلف عملياتها تقريبا. وباتت خدمات وبرامج الطوارئ جزءا رئيسيا من عمل الاونروا، رغم عديد الملاحظات التي يمكن طرحها حول طريقة تمويل هذه البرامج وحصرها بدول معينة دون غيرها وتحويل خدمات كانت ضمن البرنامج العام واصبحت جزءا من برامج الطوارئ..
مثل هذه الخدمات، اعتمدت في المراحل الاولى للنكبة، وان لم يكن بشكل رسمي تحت عنوان برامج الطوارئ. كما اعتمدت خلال وبعد العدوان الاسرائيلي عام 1967 والذي كان من نتيجته احتلال الضفة الغربية وقطاع غزه ومناطق عربية في مصر وسوريا.. كما تدخلت الاونروا بشكل طارئ خلال الحرب الاهلية في لبنان وما رافقها من ازمات كان اهمها تدمير العديد من المخيمات، ولجأت ايضا الى خدمات الطوارئ بسبب ما احدثته انتفاصة اطفال الحجارة عام 1987 في الضفة الغربية وقطاع غزه والقدس، بعد ان لجأ الاحتلال الاسرائيلي الى فرض عقوبات جماعية وحصار ادى الى اوضاع اقتصادية واجتماعية صعبة. ومؤخرا اعتمدت برامج طوارئ بعد تدمير مخيم نهر البارد في لبنان عام 2007، وخلال اكثر من عدوان تعرض لها قطاع غزه، اضافة الى تداعيات الحرب الكونية التي شنت على سوريا والتي كان من نتيجتها تدمير عدد من المخيمات..
كانت المساعدات الغذائية وتوزيع الخيم والملابس على اللاجئين هو الشكل الاساسي للدعم المباشر الذي تقدمه وكالة الغوث وغيرها من مؤسسات، لكن مع مرور الزمن تطور عمل الاونروا واصبحت برامج الطوارئ جزءا من عملياتها الاساسية، لها موازنتها المنفصلة عن موازنة الصندوق العام، واصبحت التبرعات من قبل الدول المانحة تقدم خصيصا لهذه البرامج. وتشمل خدمات الطوارئ في الوقت الراهن عدة ملفات منها:
- المساعدات الغذائية والاغاثة المباشرة وغير المباشرة. وهذا النوع من الدعم يعتبر جوهر برامج الاونروا، ويستدل على ذلك من اسمها "اغاثة وتشغيل اللاجئين".
- ايصال المياه الى المستفيدين من اللاجئين سواء عبر صهاريج، في اوقات سابقة، او عبر مد وترميم شبكات البنى التحتية، والهدف من ذلك كان ضمان عدم انتشار الامراض السارية والمعدية والوبائية على اختلافها.
- توفير المساكن عبر ثلاثة طرق: اما اعمار مباشر لمنازل دمرت بشكل كامل او ترميم لبعضها التي تم تدميرها بشكل جزئي وتحتاج فقط الى ترميم وثالثا امكانية تقديم مبالغ مالية تقديرية لتكلفة بناء منزل..
وقد شاع هذا النوع من الدعم الطارئ بسبب ما تعرض له اللاجئون الفلسطينيون في اكثر من منطقة. وتفيد المعطيات على سبيل المثال انه نتيجة العدوان الاسرائيلي على قطاع غزه عام 2021 تم تدمير (1041) مسكناً بشكل كلي، (768) بشكل بالغ، و(13500) وحدة سكنية بشكل جزئي متوسط وطفيف. اما في لبنان فهناك 5500 منزل بحاجة الى ترميم، وفقا لمعطيات الاونروا، والرقم الفعلي يتجاوز 7000 منزل، وعادة ما يحدث ان تنهار المنازل فوق رؤوس ساكنيها كما حدث في اكثر من مخيم.. وفي سوريا هناك مخيمات بأكملها تحتاج الى اعمار، مخيم اليرموك اهمها، وهي تشمل آلاف المنازل التي تتطلب اما اعادة اعمار او ترميم. هذا اضافة الى قضايا صحية وتعليمية طارئة وتوزيع مساعدات نقدية لم تكن تجاربها مشجعة بسبب المعايير التمييزية اولا وقلة المبالغ المالية المرصودة وارباكات ادارية كانت موضع انتقاد من قبل اللاجئين.
- في لبنان اضيف الى خدمات الطوارئ برنامج "النقد مقابل العمل" الممول اساسا من "بنك التنمية الالماني"، وهو برنامج تم استحداثة لتوفير فرص عمل لآلاف الشباب بشكل مؤقت (40 يوما)، ولمرة واحدة سنويا.
النظرة الى برنامج الطوارئ خلال السنوات الماضية تؤكد بأن اعتبارات سياسية هي السبب وراء عدم قدرة البرنامج عن تلبية كافة احتياجاته بسبب معاناة دائمة من عجز كبير في موازنته. وتبدو الصور اكثر وضوحا في استعراض موجز لعملية تمويل هذا البرنامج:
فخلال الفترة بين اعوام 2015 و 2017 قدمت الولايات المتحدة الامريكية ما مجموعه 597 بالمقارنة مع رقم منخفض جدا قدمه الاتحاد الاوربي وبلغ 41 مليونا للفترة ذاته. وعندما قطعت الولايات المتحدة مساهمتها في العام 2018، عاني هذا البرامج بجميع ملفاته من مشكلة حقيقية لجهة عدم قدرة الدول المانحة على تعويض النقص الذي احدثه الاجراء الامريكي المفاجئ. لذلك فان المراهنة على الولايات المتحدة في تمويل القضايا الطارئة هو رهان ليس في مكانه، خاصة وانها طرف اساسي في المشكلة، بسبب مواقفها المعلنة من ديمومة وكالة الغوث وخدماتها والمنحازة لصالح الموقف الاسرائيلي، ولا يمكن بالتالي لجلاد ان يكون نصيرا للضحية، لهذا السبب يصبح مطلوبا من الامم المتحدة التفكير بمبادرات غير تقليدية لمواجهة الازمات الناتجة عن تداعيات العدوان الاسرائيلي والضغوط المتزايدة على الوكالة وبرامجها.. ولو ذهبنا بعيدا في التفكير لوصلنا الى استنتاج ان ابقاء برنامج الطوارئ تحت رحمة دولة واحدة من شأنه الاضرار بجميع برامج الاونروا، ولنا في ذلك تجربة فاشلة حين كانت تتم تغطية العجز في موازنة الطوارئ من موازنة الصندوق العام.. ما يوقع الموازنتين في عجز تراكمي ينتقل من سنة لاخرى..
انطلاقا من ذلك، هل يحتاج اللاجئون الفلسطينيون لخطة طوارئ اغاثية، او برامج غير تقليدية تستجيب للتحديات الاقتصادية والاجتماعية المتزايدة؟ وهل تستند مطالب ومناشدات اللاجئين للدول المانحة والاونروا في آن الى مسوغات واقعية تدفعهم لاطلاق اتهاماتهم بأن هناك حرب تجويع تشن عليهم من قبل الولايات المتحدة واسرائيل وبالشراكة مع دول عربية وغربية.. ويبدو واضحا ان موجبات اعتماد الاونروا لما هو ابعد من خطة طوارئ كثيرة ويمكن الاشارة الى ابرزها:
- تصريحات متكررة للمفوض العام لوكالة الغوث بان الموازنة المخصصة للبرامج العادية ما زالت على حالها منذ نحو عشر سنوات (والتي تراوحت خلال الاعوام الستة الماضية بين 700 و 800 مليون دولار) رغم زيادة الاحتياجات المعيشية للاجئين بشكل مضاعف.
- اطلاق الاونروا لنداء خاص باللاجئين الفلسطينيين في لبنان مطلع العام 2022 ودعوتها المانحة لتوفير التمويل لتأمين مساعدات نقدية وغذائية وصحية وتعليمية وغيرها، وهذا النداء يمثل اقرارا بأن البرامج العادية لم تعد قادرة على تلبية احتياجات اللاجئين، بعد ان وصلت اجراءات التقشف وضبط التكاليف الى حدودها القصوى، كما تقول الوكالة.
- التداعيات الاقتصادية والمعيشية والنفسية للازمة اللبنانية والتي وصفت من قبل البنك الدولي (حزيران 2021) باعتبارها "واحدة من أشد ثلاث أزمات، على مستوى العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر". وهو ما انعكس سلبا على كافة اوضاع اللاجئين الفلسطينيين الذين يعتبرون من اكثر الفئات الاجتماعية حاجة للمساعدة وفقا لتقارير الامم المتحدة، تترجمها نسب الفقر المرتفعة بين اوساط اللاجئين الذين يقعون تحت خط الفقر (86 بالمائة) وأكثر من (80 بالمائة) من أطفال اللاجئين الفلسطينيين الرضع لا يحصلون على ما يكفي من المتطلبات الغذائية للنمو الصحي، وفقا لمعطيات وكالة الغوث ومؤسسات الامم المتحدة.
- استمرار المشكلة المالية التي ترتب عليها عجزا سنويا ادى اما الى الغاء برامج او تخفيض خدمات الاونروا. ونتيجة لعدم تجاوب الدول المانحة مع النداءات والمناشدات المتكررة للتصدي للتداعيات الاقتصادية والاجتماعية للازمة اللبنانية دفعت الاونروا لتحويل مبلغ مالي من ميزانية الرئاسة الى مكتب لبنان مخصصة لقطاع الاستشفاء وتم استثناء فئات معينة من اللاجئين من الاستفادة منه، اضافة الى اجراءات جديدة شملت المهجرين الفلسطينيين القادمين من سوريا الى لبنان.
- في اقرار آخر من الاونروا بصعوبة الاوضاع التي يرزح اللاجئون تحت وطأتها، اعلنت الاونروا مؤخرا انها بصدد اجراء مسح اجتماعي جديد، بسبب الشكاوى العديدة من اللاجئين الذين تنطبق عليهم معايير اعتبارهم كحالات عسر شديد وترفض الاونروا اعتمادهم بسبب الازمة المالية، حتى لو كانت المعايير مجحفة.. وتبين الارقام انه منذ اكثر من عشر سنوات لم يرتفع العدد سوى بضع آلاف (من 54.5 الف نسمة عام 2010 الى نحو 61 الف عام 2021)، اما موازنة هذا القسم فلم ترتفع سوى بنسب لا تكاد تذكر (بلغت عام 2012 نحو 12 مليون ارتفعت بعد ثماني سنوات عام 2020 الى نحو 13 مليون دولار، واذا ما احتسبنا النفقات الادارية، فان المتبقي لا يكاد يلبي الحد الادنى من احتياجات المستفيدين).
لكل ما سبق نقول: ان إقرار خطة طوارئ اغاثية، اقتصادية واجتماعية واغاثية شاملة ومستدامة هو مطلب اجماعي سياسي وشعبي فلسطيني، وهو الحد الادنى مما هو مطلوب من وكالة الغوث وغيرها من منظمات ومؤسسات دولية، خاصة في ظل تسليم الجميع بأن ما يقدم من دعم اقتصادي واغاثي لا يمكنه تلبية سوى نسب صغيرة من الاحتياجات التي تتزايد باستمرار. صحيح ان هناك مؤسسات وجمعيات تحاول ان تسد بعض الثغرات، الا ان هذا لا يجب ان يشكل بديلا عن دور الاونروا. فما يحتاجه اللاجئون الفلسطينيون اليوم هو خطط طوارئ اغاثية متوسطة وطويلة المدى، وقد تمتد لعدة سنوات على غرار خطط الطوارئ التي اعتمدتها الاونروا في فترات سابقة اقل خطرا وصعوبة من الازمة الراهنة. مع التأكيد الدائم على حاجة جميع للاجئين للدعم الاقتصادي ورفض المنطق الاستنسابي في تقسم اللاجئين بين من يستحق ومن لا يستحق..
لسنا بحاجة لاعادة التأكيد على ما بات يشكل حقيقة ناصعة بالنسبة للاجئين لجهة تسييس التمويل من قبل بعض الدول المانحة، التي تتشارك مع العدو الاسرائيلي في مخططات افقار اللاجئين الفلسطينيين في لبنان والمهجرين من سوريا، وفي مناطق اخرى ايضا، وبعض اعضاء الادارة المحلية والمركزية في الاونروا يجارون الضغوط الدولية التي لا تخفي عداءها للاجئين، وهي تلجأ للحرب الاقتصادية كسلاح تعتقد ان بامكانه تحقيق ما عجزت عنه الاساليب العسكرية والسياسية والدبلوماسية. ولهذا السبب ربما، وتحت غطاء الازمة المالية، تتهرب من الاستجابة للتحديات الاقتصادية والاغاثية المتزايدة للاجئين في في لبنان، رغم اقرارها عبر تصريحات مسؤوليها ان هناك استهداف واضح للوكالة واللاجئين في آن، وكانت كلمة المفوض العام في اجتماع اللجنة الاستسارية الذي عقد في بيروت مؤخرا الاكثر وضوحا حين قال ما حرفيته: "الحملات المنسقة لنزع الشرعية عن الأونروا بهدف تقويض حقوق لاجئي فلسطين تتزايد في وتيرتها وعدوانيتها"، لذلك وجب على جميع الاطر السياسية والشعبية الفلسطينية ايجاد السبل الكفيلة بدفع اسرائيل والولايات المتحدة والدول المانحة الى اعادة النظر بحرب التجويع التي تشن على اللاجئين الفلسطينيين والتحذير من نتائج وتداعيات هذه السياسة على الاوضاع المحلية والاقليمية والدولية.
5 أيلول (سبتمبر) 2022
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق