لم يعد الرأي العام يحتاج للكثير من الجهد والعناء لمعرفة الخبر، والاطلاع على مضمونه، ويمكن معرفة الخبر من وسائل الاعلام المتعددة ومواقع التواصل الاجتماعي التي يمكن لها نشر الخبر بلحظات.
فكل خبر جاد كما يقول المؤرخ عبد القادر ياسين في كتابه "الصحافة سيف ودرع" جدير بالتفسير لتسهيل فهمه، لذلك لا يجوز الوقوف عند سطح الأحداث وذلك فإضافة خلفية تاريخية للخبر، وإلقاء حزمة من الأضواء على جذوره، وتغذيته بالمعلومات بما يساعد القارئ على الاحاطة بشتى جوانب الخبر وخلفياته.
لذلك ليس المطلوب معرفة الخبر فقط، أو معرفة ماذا جرى فحسب، بل المطلوب معرفة لماذا جرى وليس المطلوب النظر إلى الأحداث نظرة سطحية عامة فقط، بل المطلوب وعي الحركة الواقعية وبالتالي موقع الأحداث فيها، وتوقيتها، وأسبابها، وخلفياتها، وليس المطلوب من وسائل الاعلام أو السياسيين أن ينقلوا الخبر فقط، بل الأهم، هو وعي الحركة الواقعية ذاتها.
والمعروف أن الأخبار المجردة لم تعد تجذب القارئ، الذي يريد أن يشبع فضوله، بإجابات شافية عن كيف، ولماذا وقع الحدث وفي أي سياق يأتي هذا الحدث؟، لأن الراي العام يتطلع للإلمام بما وراء الخبر، ففي عام اليوم لم يعد ثمة وجود للأخبار المجردة، والرأي العام يحتاج اليوم ليعلم ويفهم ويبلور وعيا كاملا بما يجري.
الخبر العادي: فشل اجتماعات المصالحة بين "فتح" و"حماس" في الجزائر..هذا خبر عادي لا يضيف لوعي الرأي العام شيئا، لأن المهم هنا، لماذا فشلت جلسات المصالحة، وما هي أسباب هذا الانقسام؟ من يقف خلفه؟ لماذا الادعاء بأن المصالحة قريبة؟ وهكذا.
غرق مركب في عرض البحر ووفاة 50 لاجئا فلسطينيا. هذا خبر تتناقله جميع وسائل الاعلام، وتخرج قيادات الفصائل الفلسطينية تبكي وتنعي وتلقي خطابات العزاء. الأهم من كل ذلك، لماذا هذه الهجرة غير الشرعية، وما الذي دفع اللاجئ الفلسطيني للغرق في "قوارب الموت"، من يقف خلف هذه الهجرة غير الشرعية، ولماذا؟ ولماذا تكثفت الآن ، ومن يتحمل المسؤولية، وما هي التوقعات؟؟ هذه أسئلة وأسئلة كثيرة يجب الاجابة عليها وهي أهم من نص الخبر.
التحليل الاخباري، هي مسؤولية الاعلام والنخب الواعية في المجتمع، هي مسؤولية قيادة الفصائل التي تمتلك موازنات والامكانيات ومسؤوليتها العمل على توضيح ما يجري وتفسير الأحداث وتعميم الوعي، وإطلاع الرأي العام ليس على صور إجتماعات ومهرجانات وخطابات يصرف عليها الملايين والشعب يغرق في "قوارب الموت" جهلا وضياعا ويأسا وإحباطا.
وبالتالي التحليل الاخباري هو خطوة هامة نحو الوعي والمعرفة والتطور الفكري، ولابد من الانتقال بالشعب من مرحلة السطحية وماذا يجري إلى مرحلة وعي عميق و لماذا يجري؟ هذه مسؤولية الاعلام، وليس التمجيد والادعاء والتسحيج والتقاط الصور وطحن هواء، لأن الاعلام يتطلب الجهد والتعب خدمة للشعب والوطن، خدمة لقضايا الفقراء ودفاعا عن حقوق الانسان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق