وكالة القدس للأنباء - محمد حسن
ارتبطت حياة الأجداد في فلسطين المحتلة بالعفوية والفطرة، وكنا نجدهم كثيراً ما يتغنون بالزمن الماضي الجميل، نسمع قصصاً ما زالت خالدة في الذاكرة، عن علاقات الناس، وبساطة الحياة، والتعاون والمحبة.. واليوم أصبحت هذه اللحظات تكاد تكون في الإرث القديم، إلى أن أطلت الحجة أم العبد بصوتها الشجي والعذب لتعيد ذكريات ذلك الماضي.
"شدوا بعضكم يا أهل فلسطين شدوا بعضكم" هي كلمات تتردد على لسان كل فلسطيني في هذا الوقت، أنشدتها الحاجة أم العبد بصوتها الحنون جداً وبشكل عفوي على أحد المحطات التلفزيونية ضمن برنامج عن قصص فلسطين، وأصبحت "ترند" رقم واحد على "تيك توك" ويتم تدوالها بشكل واسع جداً على وسائل التواصل الاجتماعي، وسط تفاعل قوي من المشاهدين.
وبين أحاديثها المتنوعة، تُغني السيدة المعروفة بـ"أم العبد" لفلسطين أغنيتها المشهورة مؤخّراً:
شدّوا بعضكم يا أهل فلسطين شدوا بعضكم
ما ودَّعتكم، رحلت فلسطين، ما ودعتكم
على ورق صيني لأكتب بالحبر على ورق صيني
يا فلسطينِ، عَ اللي جرى لك يا فلسطينِ
وشكلت الحاجة أم العبد القاطنة حالياً في مخيم الزرقاء للاجئين الفلسطينيين في الأردن، نقطة التقاء للشعب الفلسطيني بكافة أماكن تواجده، وعلى مختلف انتماءاته، لكونها نجحت في إعادتنا بالذكريات إلى أيام زمان حيث المحبة والتعاون، كما استطاعت جذب الشعوب العربية للتضامن مع تضحيات الشعب الفلسطيني، على الرغم من تطبيع بعض الأنظمة العربية مع الكيان الصهيوني، الذي يحتل الأرض ويشرد شعب بأكمله بعاداته وتقاليده ويدنس المقدسات.
يتجول الزمن موثقاً الصورة الحية في الذاكرة، فقد استطاعت الحاجة ام العبد الإبقاء على الصلة بين الماضي الفلسطيني والحاضر في عقول وقلوب الاجيال من خلال غناء التراث الفلسطيني، في وقت تسعى فيه أنظمة إستعمارية وأخرى تابعة لإنهاء القضية الفلسطينية بشتى السبل.. فهي نطقت باسم فلسطين وكأنها هي المحتلة وتنده لأهلها ليشدوا على بعضهم كي يستعيدوها من دنس العدو، وتستنجد بالأمة العربية والإسلامية لتحريرها من مغتصبيها.
الحاجة حليمة سليمان الكسواني "أم العبد" وُلدت في عام 1938 لعائلة قروية تعمل بالزراعة، عاصرت نكبتين وانتهى بها المطاف في بلاد اللجوء، وتحولت في الآونة الأخيرة إلى أيقونة فلسطينية وعربية، تنشد للوطن والأرض والأسرى، ويتناقل أغانيها أغلب المشهورين على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يبدو التأثر واضحا عليهم، وبعضهم تغزو الدموع عيناه، ويصف صوتها بالعذب والحنون جداً، ويستذكروا من خلالها أمهاتهم وجداتهم.
حركت كلمات الحاجة مشاعر وقلوب الفلسطينيين جميعهم، وجعلتهم أقرب إلى بعضهم من خلال كلماتها التي تنادي بالوحدة والتعاون والتعاضد، وجاء موعد نشر الأغنية التراثية بالوقت الذي كان فيه أهلنا في نابلس يتعرضون لعدوان صهيوني، استهدف القضاء على "المقاومين الجدد" الذين أعادوا تصويب المشهد في الضفة المحتلة، بعملياتهم البطولية والنوعية التي طالت الجنود الصهاينة وقطعان المستوطنين، وهو ما أقلق قادة العدو.
بصوتها الشجن والمعجون بالقهر والحنين إلى الوطن، ايقظت الحاجة حليمة الشعوب العربية من غفوتها، وأفاضت عيون اللاجئين والمغتربين بالدموع، فهي استطاعت أن تختصر أوجاع فلسطين بأحساسها الصادق، ومن خلال كلامها الواقعي لما جرى في فلسطين، وعدم قدرة الأهالي على توديع أراضيهم أو الموت في سبيلها، ظناً منهم بأن الاحتلال الصهيوني سينتهي خلال ساعات أو أيام قليلة، لكن كان الغدر أكبر بكثير من ظن الأهالي.
ليس صوتها الجميل ما لفت انتباه المشاهدين، إنما تجاعيد وجهها أيضاً التي فيها حكاية من الفقدان للأرض والأحباب، ففي كل تجعيدة تحكي عن قصة مدينة أو قرية محتلة في فلسطين، تحكي عن التراث، عن العادات والتقاليد، وعن خير أيام زمان، وما أجمل ذلك الزمان، الذي نتمناه أن يعود، حيث لا نتمنى شيئاً بعده.
وعن هجرتها من فلسطين تقول الحاجة أم العبد: "أنا من بيت إكسا من القدس، وهاجرت مرتين مرة في الـ48 والثانية في الـ67، ففي الأولى جرى طردنا من أراضينا، ولما رحلنا، اليهود فظعت في دير ياسين، وطلعوا على بلدنا احنا وشردنا، هدموا البلد كلها، ودونا على الشونة (الكرامة هلقيت)، صرنا خط أمامي بينا وبين اليهود الشيك، رجعونا على البلد، لقينا البلد مهدمة وخربانة، ولا في أكل ولا شرب، والناس جوعانة وميتي من القلة، إلا هم بقولوا هي الصليب الأحمر في بلاطة، وطلبنا منو أكل، إلا هوي جبلنا تمر نوكل، وبعدها جرى تشريدنا في بلاد اللجوء".
وأشارت إلى أنه "عندما هاجمت العصابات الصهيونية قرية دير ياسين وارتكبت فيها المجازر، اضطر والدي مخافة اعتداء العصابات الصهيونية على النساء وقتل الأطفال لمغادرة القرية باتجاه الأغوار الأردنية".
وأضافت: "بعد نحو العامين من الإقامة بمنطقة الأغوار الأردنية الحارّة، طلبت القوات الأردنية من أهالي "بيت اكسا" العودة للقرية بعد توقيع الجيش الأردني هدنة مع قوات الاحتلال الإسرائيلي، وعندما عدنا للقرية وجدنا البيوت مدمرة، وأغراض العائلة مسروقة من قبل المستوطنين".
وتابعت حديثها وهي تتنهد: "دمرتنا اليهود، الله ياخدها ويوخد الخونة الي كانوا السبب بتهجيرنا من أرضنا"، وختمت: "أنا ما زلت أعيش على ذكريات الماضي، أحفظ أهازيج الفلاحين، واحتفظ بثوبي التراثي والتقليدي حتى اليوم، الذي صنعته بيدي".
وعن الأعراس في فلسطين، قالت: بنلبس الثوب الفلسطيني التقليدي في ليلة الحنا، نروح نحني العروس، وبنجيب ثوب تاني مليح وبنلبسه يوم الزفة للعريس، وبنروح بنجيب العروس وبنروح على الصالة، وبنلبس البابوج الحلوة والخركة، وبنسوي حالنا وبنركب بالباص، وبعدها على العرس".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق