عماد عفانة
في ظل المساعي الحثيثة والجهود الكبيرة المستمرة التي يبذلها الاحتلال مدعماً بحليفه الأمريكي لإنهاء وجود "الأونروا" تحت ذرائع وحجج واهية لا سند قانوني لها، وإنما تهدف في حقيقتها لإلغاء حق العودة للاجئين الفلسطينيين وتصفية القضية الفلسطينية وتحقيق الشرعية القانونية لدولة الاحتلال، وإزالة أي دليل على جرائمها بحق الشعب الفلسطيني، نجد أنفسنا أمام تساؤلات موضوعية
اكتسبت “الأونروا” أهميتها القانونية والسياسية كونها ارتبطت منذ إنشائها بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم في فلسطين المحتلة، فقد تضمن القرار 302 لسنة 1949 الذي أنشات الأونروا بموجبه، إشارة صريحة وواضحة إلى حق العودة في ثلاثة مواضع تغطي بنود القرار حيث ذكرت الفقرة 11 من القرار 194 في الديباجة وفي الفقرة 5 وفي الفقرة 20، وهذا حتما له دلالة خاصة في التأكيد على الارتباط الوثيق بين “الأونروا” وحق العودة.
وهنا يتبادر للذهن تساؤلات مهمة جداً أجاب عنها علي هويدي مدير عام “الهيئة 302 للدفاع عن حقوق اللاجئين،،،
هل إنهاء وجود “الأونروا” ينهي حق العودة أو يلغيه؟
بمعنى آخر كيف يؤثر انهاء الأونروا على حق العودة من الناحية القانونية؟
إن حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم التي هجروا منها قسراً حق قانوني أصيل غير قابل للتصرف، نابع من حرمة الملكية الخاصة التي لا تزول بالاحتلال أو بتغيير السيادة على البلاد، وهذا الحق ثابت وفق أحكام القانون الدولي.
1- حق العودة لا يسقط بالتقادم، مهما طالت المدة التي حرم فيها الفلسطينيون من العودة إلى ديارهم.
2- وهو مكفول بمواد الميثاق العالمي لحقوق الإنسان الذي صدر في 10 ديسمبر 1948، إذ تنص الفقرة الثانية من المادة 13 على أن “لكل فرد حق مغادرة أي بلد، بما في ذلك بلده وفي العودة إلى بلده؟
3- وحق العودة منشؤه القرار رقم 194 لشهر ديسمبر 1948 أي قبل سنة من إنشاء “الأونروا” وعليه فإن الوكالة لم توجد حق العودة والصحيح أن الوكالة أوجدت لتسهيل تنفيذ حق العودة على أرض الواقع.
4- ومن المفارقات المهمة أن القرار 194 قد صدر في اليوم التالي لصدور الميثاق العالمي لحقوق الإنسان، وفي هذا الأمر دلالة قوية على اصرار المجتمع الدولي على قوننة حق العودة حيث أكدت الأمم المتحدة على القرار منذ عام 1948 أكثر من 135 مرة ولم تعارضه إلا الكيان المحتل وبعد اتفاقية أوسلو عارضته أمريكا.
5- يعتبر انهاء “الأونروا” كلمة السر لإنهاء حق العودة، إذ فعلياً لا يمكن انهاء حق العودة دون إنهاء “الأونروا” فهي أهم نتائج هذا الحق وأدوات تنفيذه على أرض الواقع، وهذا ما يفسر سعي الاحتلال الحثيث وتدعمه الولايات المتحدة الأمريكية لإنهاء الوكالة والغائها من الوجود، ولو كانت مجرد وكالة انسانية لما كرس الاحتلال كامل امكانياته السياسية والقانونية والدبلوماسية والإعلامية لإنهاء وجودها ومحاولة تحويل صلاحياتها إلى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين لأنه يدرك الاهمية القانونية لهذه الوكالة.
في ظل المساعي الحثيثة والجهود الكبيرة المستمرة التي يبذلها الاحتلال مدعماً بحليفه الأمريكي لإنهاء وجود “الأونروا” تحت ذرائع وحجج واهية لا سند قانوني لها، وإنما تهدف في حقيقتها لإلغاء حق العودة للاجئين الفلسطينيين وتصفية القضية الفلسطينية وتحقيق الشرعية القانونية لدولة الاحتلال، وإزالة أي دليل على جرائمها بحق الشعب الفلسطيني، نجد أنفسنا أمام ثلاث تساؤلات موضوعية:
هل بالإمكان قانوناً تفكيك “الأونروا” وإنهاء خدماتها؟
نعم، فأونروا وكالة دولية مؤقتة تأسست بقرار من الجمعية العامة، ويمكن قانوناً انهاؤها بقرار من الجمعية العامة
ثانياً-هل يجوز للأمم المتحدة كمنظمة دولية تمثل المجتمع الدولي وتضم 194 دولة أن تلغي قرار اصدرته واستقرت عليه لأكثر من 70 سنة؟
نعم، فلا يوجد نص في ميثاق الأمم المتحدة يمنع ذلك، والقاعدة القانونية تقول أن الأصل في الأشياء الإباحة، وقد حصلت سابقة خطيرة في 16 ديسمبر 1990 عندما أصدرت الجمعية العامة قرارها رقم 8646 والذي ألغي قرارها السابق رقم 3379، الصادر في10 نوفمبر1975 والذي ينص على أن “الصهيونية هي شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري”
ثالثاً- هل وقف تمويل “الأونروا” وتجفيف مصادر تمويلها سيؤدي فعلياً لإنهاء وجودها قانوناً؟
نعم، فالأونروا وكالة إغاثة تقدم خدماتها لأكثر من 6 مليون لاجئ فلسطيني، وترعى أكثر من نصف مليون طالب على مقاعد الدراسة وتشغل أكثر من 28 ألف موظف وبالتالي فإن تجميد أو وقف تمويلها سيفاقم أزمتها المالية وسيوقف نشاطاتها الخدمية والانمائية، وستكون نتائج ذلك كارثية على المستوى الإنساني والاجتماعي والاقتصادي والسياسي سواء تجاه ملايين اللاجئين أو تجاه حكومات الدول المضيفة لهم، مما سيخلق أزمة إنسانية تعجز “الأونروا” عن تدراكها مما يجعل استمرارها بلا جدوى عملياً لعدم مقدرتها على أداء المهمات التي أنشئت من أجلها، وسيكون وجودها مصدر قلق وأزمات للأمم المتحدة، فتصبح “الأونروا” هي المشكلة بعد أن كانت هي الحل وتصبح عقبة أمام انقاذ اللاجئين الفلسطينيين، إذ لا يجوز لهم الاستفادة من خدمات مفوضية الامم المتحدة لشؤون اللاجئين لكونهم خاضعين لولاية “الأونروا” ويصبح الحل لأزمة اللاجئين يتمثل في انهائها مما يجعل الطريق ممهداً أمام الاحتلال مدعوماً بحليفتها أمريكا وبعض الأصدقاء من العرب لاستصدار قرار أممي بإلغاء وكالة “الأونروا” وانهاء وجودها قانوناً، وتحويل كافة صلاحياتها إلى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين كما صرح قادة الكيان الصهيوني اكثر من مرة.
فبقاء “الأونروا” يقوض شرعية دولة الاحتلال ويبطل عضويتها في الأمم المتحدة، ويعتبر هذا الأمر من أهم الآثار القانونية التي يسعى الاحتلال لتحقيقها من خلال إنهاء وجود الوكالة لضمان شرعيته القانونية وسلامة عضويته في الأمم المتحدة، هذه العضوية التي تعثرت وتأخرت لمدة سنة بعد اعلان قيام دولة الاحتلال في مايو 1948، وبعد جهود مضنية ودعم لا محدود سياسي ودبلوماسي من الولايات المتحدة وروسيا استطاعت دولة الاحتلال بالمراوغة السياسية نيل الاعتراف بها كدولة عضو في الأمم المتحدة ولكن عضويتها ولدت ناقصة ومشروطة وغير مكتملة إلا بتنفيذ قراري الجمعية العامة رقم 181 الصادر في 29 نوفمبر سنة 1947 (قرار التقسيم) وقرار 194.
فيما يخص الشرط الأول فإن دولة الاحتلال لا تجده عائقاً إذ أسقطته مسبقاً بتوقيعها اتفاقية أوسلو، ولكن يبقى التهديد الوحيد لوجودها القانوني والعائق الوحيد امام اكتمال عضويتها وشرعيتها الدولية ونقاء صفتها القانونية وشخصيتها الدولية هو حق عودة اللاجئين إلى ديارهم والذي ارتبط تنفيذه بوكالة “الأونروا”، لذا تسعى دولة الاحتلال جاهدة بكل امكانياتها إلى تفكيك الوكالة وإنهاء وجودها بهدف شرعنه وجودها القانوني وانقاذ عضويتها في الأمم المتحدة.
لقد تعايشت وكالة “الأونروا” مع اللاجئين الفلسطينيين بشكل يومي لأكثر من 7 عقود، وهي حاضنة لذاكرتهم وتحتفظ بآلاف الوثائق التي تشهد على فاجعة الفلسطينيين التاريخية، وينظر اللاجئون الى “الأونروا” على اعتبار أنها رمز لضمان حقوقهم القانونية في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم.
وبذلك أضحت “الأونروا” الشاهد الأخير على جرائم الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني، ومصدر تاريخي لتوثيق هذه الجرائم والانتهاكات للقانون الدولي وجميع تقاريرها تعتبر أدلة إدانة ضد الاحتلال كما أن لديها أرشيف كبير موثق خطياً بالمستندات وتسجيلات بالصوت والصورة لهذه الجرائم سيستفاد منها كأدلة قانونية دامغة لإثبات ارتكاب قادة الاحتلال لجرائم حرب وجرائم ضد الانسانية وجرائم الإبادة والتطهير العرقي في حال تمت إحالة ملف الاحتلال إلى المحكمة الجنائية الدولية وتمت محاكمته عنها ولو بعد حين.
لذا تسعى دولة الاحتلال بكل طاقاتها وتسخر كافة امكانياتها لإعدام هذا الشاهد وانهاء وجوده فعلياً حتى تخفي أهم مصدر للأدلة على جرائمها ضد الشعب الفلسطيني، لذلك لا من التأكيد على أن:
“الأونروا” ليست هبة او منحة من الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين بل هي استحقاق قانوني فرضته الظروف السياسية وتضحيات وصمود الشعب الفلسطيني وسندها القانوني الأصيل هو مسؤولية الأمم المتحدة قانوناً عن مأساة اللاجئين الفلسطينيين كونها المتسبب الرئيسي في ذلك، وما تمديد ولاية “الأونروا” لأكثر من 7 عقود بإجماع أممي الا اعتراف من الأمم المتحدة بهذه المسؤولية القانونية وتجديد لالتزاماتها بتحقيق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم في فلسطين وأيضاً تأكيد لشهادة المجتمع الدولي على جرائم الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني.
وبأن مساعي دولة الاحتلال لإنهاء ولاية “الأونروا” وقرار حليفتها الولايات المتحدة الأمريكية استئناف مساهمتها المالية التي تأتي في إطار ابتزاز سياسي كما ورد في اتفاق الاطار الموقع بين “الأونروا” والإدارة الامريكية في 14/7/2021، يعتبران مخالفة صارخة للقانون الدولي العام وخرق لميثاق الأمم المتحدة واخلال بالوفاء في التزاماتهما كونهما عضوين في الامم المتحدة وبموجب مصادقتهما على ميثاقها بأن تعملا بكل امكانياتهما على حفظ السلم والأمن الدوليين الفقرتين (ب/ج) من المادة 55 والفقرة (ب) من المادة 56 من ميثاق الامم المتحدة. هذا الالتزام يعتبر قاعدة قانونية آمرة في القانون الدولي وتمثل التزام عام ومطلق غير مقيّد، ولا يجوز خرقه في أي حال من الأحوال، كما ويعتبر أي عمل بخلاف ذلك عملاً غير مسؤول وغير مسوَّغ قانوناً وأخلاقاً ومخالف لجميع الأعراف الدولية والمبادئ العامة للقانون والعدالة.
وبأن الخدمات التي تقدمها “الأونروا” هي حقوق مكتسبة للاجئين الفلسطينيين استفادوا منها طوال عقود، لذا فإن المساس بهذه الحقوق بأي شكل من الأشكال وتحت أي مسمى بما يؤثر سلبا على المركز القانوني للاجئ الفلسطيني، هو خرق لمبادئ العدالة وأحكام القانون الدولي.
إن تذرع أي دولة مانحة بحريتها وحقها في وقف أو تخفيض مساهماتها في تمويل “الأونروا” هو ادعاء غير صحيح قانوناً ويخالف المبادئ العامة للقانون، وهي أحد مصادر القانون الدولي، لأنه سيترتب على ذلك تهديد حياة أكثر من 6 مليون لاجئ فلسطيني، وانتهاك حقوقهم الانسانية في التعليم والصحة والإغاثة وهذا يعتبر تعسفاً في استعمال الحق لأنه أُريد به الإضرار بالغير وهو مناط بالمسؤولية قانوناً.
أصبحت “الأونروا” حاجة إنسانية ملحة لكونها أصبحت أحد ركائز العمل الانساني العالمي وتلعب دوراً اساسياً لا يمكن الاستغناء عنه وتجاوز مهام الإغاثة والتشغيل والتنمية التي تقوم بها، بل ساهمت في احلال السلم والامن في المنطقة وتخفيف حدة التوتر وتحقيق الاستقرار السياسي في منطقة مضطربة سياسياً.
إنّ “الأونروا” وكالة إنسانية تقع مسؤولية حمايتها وتوفير الحصانة القانونية لها على عاتق المجتمع الدولي والأمم المتحدة، ولا يجوز أبداً وتحت أي ظرف الزج بها في خضم صراعات سياسية، وما تمارسه الولايات المتحدة من أبشع صور الابتزاز السياسي العلني لفرض مسار سياسي معين بما يخدم مصالح الاحتلال، هو انتهاك صريح لحقوق أكثر من 6 مليون لاجئ فلسطيني.
التوصيات
- نوصي بمخاطبة المجتمع الدولي ممثلاً بالأمم المتحدة، وكافة الدول الأعضاء فيها، وجميع اجهزتها الرئيسية، والمؤسسات والوكالات التابعة لها، وعلى رأسها اللجنة الدولية للصليب الأحمر، ومجموعة دول عدم الانحياز، ومنظمة التعاون الاسلامي، وجامعة الدول العربية، ومطالبتهم بالاضطلاع بمسؤولياتهم الإنسانية والاخلاقية والقانونية والسياسية، والتصدي لكل المحاولات التي من شأنها استهداف الوكالة، والعمل الفوري على استصدار قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة يتضمن:
– وقف التسول للأونروا، والزامية أن يكون تمويل “الأونروا” بشكل كامل من ميزانية الأمم المتحدة نفسها، على غرار أجهزتها الست الدائمة، مع مراعاة زيادة هذه الموازنة سنوياً بما يتناسب مع النمو الطبيعي للاجئين الفلسطينيين من خلال فرض مساهمة الزامية على الدول الأعضاء حسب موازنتها السنوية العامة بالتنسيق بين المجلس الاقتصادي والاجتماعي واللجنة الاستشارية للأونروا وتحت إشراف الأمين العام للأمم المتحدة مباشرة ويساعده المفوض العام للأونروا.
– رفض جميع المساعي الداعية إلى أنهاء الوكالة والتأكيد على استمرارية ولايتها لحين عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم والتعويض عليهم واستعادتهم لممتلكاتهم عملاً بأحكام الفقرة 11 من قرار الجمعية العامة رقم 194 لسنة 1948.
– توسيع ولاية ومسؤوليات “الأونروا” لتشمل خدماتها اللاجئين الفلسطينيين في جميع أماكن تواجدهم في دول العالم، وليس في مناطق عملياتها الخمسة فقط.
– أخيراً ننوه وعلى المستوى الشعبي الفلسطيني نوصي بضرورة نشر الوعي بالحقوق القانونية والإنسانية والسياسية المكتسبة للاجئين الفلسطينيين، وحثهم على تسجيل أبناءهم وأحفادهم في سجلات “الأونروا” كلاجئين، لضمان بيان العدد الحقيقي لهم واحباط أي محاولة لتصفية قضيتهم مستقبلاً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق