وكالة القدس للأنباء – ميرنا الحسين
"أم عزيز" كان اسمها.. وخنساء الشتات لقبها، رحلت اليوم عن دنيانا بهدوء بعد صراع مع المرض، رحلت بعد سنوات من الحرقة والانتظار لا تعرفها سوى أمهات فلسطين، فهي التي انتظرت لسنوات عجاف عودة أبنائها الأربعة: "عزيز، منصور، إبراهيم، وأحمد" بعدما اختطفوا على يد حزب الكتائب والجيش "الإسرائيلي" في أحداث مجزرة صبرا وشاتيلا عام 1982.
حالة من الحزن تخيم اليوم على مخيم برج البراجنة، فأم عزيز ديراوي لم تكن إمرأة عادية، ولم تكن تلك المسنة التي تجلس داخل منزلها لا تعرف عن العالم الخارجي شيئاً، بل كانت تتابع أخبار فلسطين عن كثب، وتشارك في جميع المسيرات والمناسبات الفلسطينية، وعندما ضعفت صحتها قبل أعوام، كانت دائماً جاهزة لأي يد تمتد لها لتساعدها على الخروج من منزلها، وتذهب بها حيث المسيرة التي تسمع عنها من أقاربها وجاراتها.
بحرقة وغصة قلب تخبرنا اللاجئة الفلسطينية ام علي وهي احدى جارات الحاجة الراحلة أم عزيز، حيث قالت خلال اتصال هاتفي مع "وكالة القدس للأبناء": "ام عزيز كانت بركة الحارة، ولم تزعج احدا طيلة حياتها، بل على العكس، كانت طيبة حنونة محبة ومعطاءة، كان كل همها في الحياة ان تلتقي بأبنائها، وها هي اليوم رحلت والغصة في قلبها".
وأضافت: "كانت لا تكل ولا تمل من المشاركة في المسيرات والوقفات التي تعنى وتهتم بالقضية الفلسطينية بشكل عام، والوقفات التي تنظم للمفقودين بشكل خاص، ولم تكن تتقبل من أي شخص كلمة اولادك رحمة الله عليهم، كانت تصرخ في وجهه وتقول لا أولادي مفقودين وسوف يعودوا يوما ما، خسارة كبيرة بالفعل رحمة الله عليها".
رحلت خنساء الشتات وهي تعتصر ألماً وشوقاً لرؤية أبنائها الأربعة، فهي التي عاشت مجازر عدة بقسوتها وذلها منذ أن هجرت من فلسطين عام 48 إلى اليوم الذي فقدت فيه أبناءها، لكنها لم تكن تقنع باحتمال فكرة رحيلهم إلى بارئهم، بل كانت تنتظرهم وتتفقد صورهم كل ليلة وكأنها تلقي السلام عليهم واحداً تلو الآخر، ثم تجلس على أريكتها لتستريح .
الحاجة أم عزيز كانت مثالاً للمرأة الفلسطينية الصابرة المحتسبة التي تتفاخر بها الأجيال، فهي التي واجهت الصعاب بكل إرادة صلبة، ووقفت في وجه ضغوط الحياة، وسطرت بكلمات من نور سجلاً أبيض في قلب كل من عرفها.
74 عاماً مضت على لجوء الحاجة أم عزيز من فلسطين إلى لبنان، ومنذ أحداث النكبة وهجرتها إلى مخيم برج البراجنة، وهي ما زالت ترتدي الثوب الفلسطيني التقليدي لتحافظ على تراثه، فهي التي كانت تهتف باسم فلسطين في كل مكان وتهتدي بها مثالاً لتعز في الدنيا وتسعد بنعيم الآخرة.
أهالي مخيم برج البراجنة وشخصيات كثيرة ومهمة نعت الحاجة أم عزيز بحرقة، وهي تتجهز لمواراتها في الثرى غداً الاربعاء بعد صلاة الظهر في مقبرة المخيم، لتشيع تلك المرأة الصبورة والحكيمة إلى مثواها الأخير وفي قلبها حسرة على فقدان فلذات أكبادها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق