وثيقة الأمن القومي الأمريكية تهديدات وفرص.


بقلم: تمارا حداد.
في الولايات المتحدة الأمريكية يتم تقديم من كل رئيس يستلم كرسي الرئاسة استراتيجية تُساهم في تحديد مسار عمله المُستقبلي، فالرئيس الأمريكي "دبليو بوش" وضع عقيدة "وقائية" وأوباما أرسى التحرك نحو عالم خالِ من الأسلحة النووية مع استخدام القوة الناعمة، بينما ترامب قام بإحياء القوة" التنقيحية"، بينما الرئيس الأمريكي الحالي وضع استراتيجية حيث صدرت في 12 أكتوبر لعام 2022 حيث ركزت على استعادة الديمقراطية وتقوية الجبهة الداخلية وتقوية القوة العسكرية والصناعية والتكنولوجية وتعزيز المواطن الأمريكي بالإضافة إلى بناء التحالفات والشراكات الدولية.
في الواقع أن استراتيجية الأمن القومي الامريكية لا تصدر بشكل عبثي بل بناءً على معلومات وبيانات لما يحدث من أوضاع وتغيرات في العالم، حيث تسعى الولايات المتحدة الاميركية إلى تحديث رؤيتها المُستقبلية بناءً على التهديدات الداخلية والخارجية التي تواجهها والفرص التي تسعى من خلالها إلى إبقاء وجودها كقوة واحدة على رأس النظام الدولي وإنهاء أي تهديد قد يُؤثر على وجودها الوحدوي. 
فأبرز تهديد للولايات المتحدة الأمريكية هو ظهور قوى أخرى كالصين التي أصبحت قوة بشرية وتكنولوجية وعسكرية وصناعية ودبلوماسية، صحيح أن بايدن زار الصين قُبيل فترة وقابل الرئيس الصيني لكن هذا لا يعني أن الأمور تسير بشكل مُريح بالنسبة للولايات المتحدة الامريكية بل تسعى إلى تقليل الصراع الأمريكي_ الصيني إلى جانب تقوية جبهتها الداخلية لتُنافس الصين بصورة مسؤولة تجُنباً للاحتكاكات مع الصين والدخول إلى حروب عسكرية قد يُضر بمصالح أمريكا قبل الصين. فأميركا تسعى لمواجهة الصين بتعزيز نقاط القوة الأميركية من خلال إعادة التركيز على التعليم والصحة ومواجهة تحديات تغير المناخ واستخدام الطاقة الخضراء وتقليص أزمة الطاقة وحل مشاكل الأمن الغذائي، وتعزيز التجارة الدولية.
 التهديد الآخر بالنسبة لأميركا هو روسيا لذلك ستسعى إلى تقديم الدعم لاوكرانيا بشكل شامل حتى تستمر الحرب لأبعد الحدود لإنهاك القوة الروسية عسكرياً ومالياً وبشرياً، فروسيا إذا وصلت لمرحلة أنها لن تستطع الفوز بشكل مباشر على أوكرانيا فأنها قد تلجأ لانهاء هذا الأمر من خلال استخدام الاسلحة النووية وهذا ما لا تريده اميركا أن تلجأ روسيا لاستخدام السلاح النووي بل تسعى إلى تجنب هذا الأمر.
وأما الرؤية الامريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط نجد أنها لم تعطي اميركا اهتماماً كبيراً لهذه المنطقة بل سعت إلى تعزيز الاندماج الاسرائيلي في المنطقة لتكون اسرائيل بديلاً عن التواجد الاميركي في المنطقة من خلال توطيد العلاقات العربية_ الاسرائيلية بكافة المجالات المختلفة. بالإضافة الى التركيز على آلية الوصول إلى حل أزمة الاتفاق النووي_ الامريكي وبشروط أميركية حتى لا تتصاعد قوة ايران النووية في المنطقة بحيث لا تُمثل تهديداً أمنياً مستقبلياً ولن تسمح لها بتعريض حرية الملاحة للخطر بالتحديد في مضيقا هُرمز وباب المندب.
صحيح أن أميركا ما زالت تُعاني تحدي اندماج اسرائيل بشكل تام ولا تريد الخروج من منطقة الشرق الاوسط كونها منطقة حيوية بالنسبة للمصالح الامنية والاقتصادية الاميركية ولكن تسعى الى تأطير سياسة اندماجها بشكل مرحلي الى انهاء المرحلة الاخيرة من الاندماج الاسرائيلي_ العربي.
وفيما يتعلق بالقضية الفلسطينية فلم تظهر وثيقة الأمن القومي الاميركية أي بُعد مستقبلي لحل القضية الفلسطينية بل انتاب ذلك غموضاً في الحل وذكرت أنها تريد تحقيق القدر المتساوِ ضمن مجالات الأمن والازدهار والديمقراطية للفلسطينيين والاسرائيليين دون مؤشرات سياسية لحل القضية.
إن آلية العمل لدى بايدن وهي التركيز على الديمقراطية والدبلوماسية والقوة الناعمة في العمل الخارجي الدولي وهذا ما شهدناه من زيارة بايدن للعديد من الدول العربية وآخرها زيارة مصر في قمة المناخ حيث الهدف من هذا تعزيز تحالفاته لإقامة تكتل شرق أوسطي يشبه حلف شمال الاطلسي ضد ايران والقوى الأُخرى التي تمثل تهديداً مباشراً لمصالح أميركا واسرائيل.
إن أُولى ملامح وثيقة الأمن القومي الأمريكية بعد دراسة التهديدات والفرص:
الاستمرار في نهج النموذج الرأسمالي والليبرالية والإبقاءعلى النظام الدولي المهيمن عليه أمريكيا بمشاركة الدول التي تتقاسم معها ذات النموذج.
الاستمرار في نهج الديمقراطية كمُحرك أساسي لها وتوظيف الديمقراطية كاداة للاستمرار في تدخلها الخارجي للدول الأخرى وصولاً إلى أخذ الثروات والإطاحة بالأنظمة غير الموالية لها.
الاهتمام بالجبهة الداخلية من خلال تقوية الجيش الاميركي للدفاع عن مصالحها دون الدخول لحروب عسكرية كما العراق وافغانستان.
تعزيز مجالات التنمية المستدامة في المجالات الاقتصادية والبيئية والاجتماعية والتكنولوجية والتجارة الدولية والتركيز على فئة الشباب والنساء.
تحديث العولمة الاميركية لمواجهة التهديدات من قبل الصين وتعزيز الشراكات العالمية لمنافسة مبادرة الحزام والطريق الصينية.
توظيف ورقة حقوق الانسان ضد الصين بحُجة انتهاكاتها ضد الآيغور وحُجة عدم القيام بالديمقراطية في هونج كونج، بالاضافة الى منع الصين من ضم تايوان من خلال الدعم العسكري لتايوان.
احتواء الحضارة الأوراسية التي تنشرها روسيا في المنطقة لاحتواء محاولة تغيير النظام الدولي ذو الرؤوس متعدد الاقطاب، لذلك فإن اميركا ستستمر في دعم اوكرانيا واستنزاف الاقتصاد الروسي ومنعها من استخدام السلاح النووي .
خلاصة: تسعى أميركا إلى تجاوز المشاكل الحزبية الداخلية للتفرغ للصراعات الخارجية لمواجهة الخصوم تحديداً الصين وروسيا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق