بوابة اللاجئين الفلسطينيين/الوليد خالد يحيى
استضاف النادي الثقافي الفلسطيني في مخيم مار الياس للاجئين الفلسطينيين ببيروت، مساء أمس الثلاثاء 8 تشرين الثاني/ نوفمبر، الأديب الروائي والشاعر الفلسطيني إبراهيم نصر الله، وذلك في جلسة حوارية حضرها حشد من الشبان والشابات، استحضرت الأديب والقائد الفلسطيني غسان كنفاني في ذكرى استشهاده الـ 50.
واكتظت قاعة المركز الثقافي الفلسطيني بالحاضرين، بينما امتدّ الحضور حتّى خارج القاعة الصغيرة، وتنوعوا بين فئات عمرية مختلفة، ولا سيما الفئة الشابّة، في مشهد عكس إقبال شبّان المخيمات على استحضار إرث غسّان كنفاني الفكري والنضالي في ازقّة مخيماتهم الضيّقة.
وقدّم الروائي نصر الله عرضاً حول الأديب الشهيد غسان كنفاني، وتجربته الشخصية مع أعمال الشهيد وأثرها وقوّة تأثيرها، ومعاني حضورها المتواصل ودلالاته بعد مضي 50 عاماً على رحيله.
وتحدث نصر الله، عن قدرة غسان كنفاني على تجاوز الزمن وعبور الذائقة المتحولة للأشخاص مع مرور الوقت، معتبراً أنّ من قرأ غسان في ستينيات القرن الماضي وأحبه، يقرأه اليوم ويحبه، لأنه قدّم أدباً جيداً، قادراً على أن يبقى جديداً، حيث أنّ كتبه امتحنت بعامل الزمن كأكبر ناقد يفوق امتحان النقّاد التقليديين.
غسّان أعادني من الموت إلى المخيّم
وتطرق نصر الله، إلى تجربته في التعرف إلى أدب غسان وحجم تأثير إبداعه الأدبي، وكيف شكّل له عامل نجاة في فترة عصيبة عاشها كفلسطيني في صحراء السعودية، حيث خاض تجربة تدريس في عمر 22 عاماً.
وقال: إنّ قراءة غسان كنفاني، أشعرته بأنّه ذهب إلى المكان الخاطئ، حيث أنّ صحراء السعودية حينذاك، كانت مكاناً بائساً وتنتشر فيه الأمراض، والمآل فيها يكون صعباً، وشعر بأنّه يجب أن يكون في أقرب نقطة إلى فلسطين، وهي مخيم الوحدات للاجئين الفلسطينيين في الأردن حيث نشأ، ما ترك أثراً كبيراً على كتاباته لاحقاً، وكان بالنسبة له أشبه بسكة الحديد التي وضع عليها القطار.
ويقول الأديب الكبير إبراهيم نصر الله: إنّه "لولا غسان لما نجوت، ولكنت مثل كثير من المدرسين الشباب الذين معي وذهبوا الى هناك وأكلتهم الصحراء" مشيراً إلى أبطال قصّة غسان الشهيرة (رجال في الشمس)، كمثال عن مآل الشبّان الذين كانت الصحراء وجهتهم، ويقول: إنّ نهايتهم لم تقل قساوة عن نهاية أبطال الرواية.
من يقرأ كتابك الجيد يتعاطف معك ومن يقرأ كتاباً سيئاً فهذا يسيء للقضية
وأشار الأديب نصر الله إلى النوعيّة والفرادة التي اتسم بها أدب غسان كنفاني، والتي نقلت القضية الفلسطينية إلى العالمية على صعيد الأدب، وصارت عاملاً لجلب التعاطف مع القضية الفلسطينية، باعتبار أنّ من قرؤوا كتابات غسّان لم يفعلوا ذلك لأنهم متعاطفون مع القضية الفلسطينية، بل لأنّه قدّم أدباً جيداً يستحق القراءة.
ولفت نصر الله إلى أنّ "إنّ القضايا الكبرى بحاجة إلى مستويات عالية للتعبير عنها، وإذا لم نعبر عن هذه القضايا في أدبنا بهذه المستويات العالية نظلم قضايانا ونهمشها"، وأشار إلى ترجمة قصّة "القنديل الصغير" لغسان إلى اللغة البرتغالية، ووجود كتبه مترجمة إلى عدّة لغات.
وقال في هذا الصدد:أحس أنه من حق هؤلاء البشر أن يقرؤوا كتب غسان والإبداع الفلسطيني لأنه جيد، ولا أريد ان يقرؤوا لأنهم متعاطفون مع فلسطين، بل لأنها كتب جيدة موضوعة على الرفوف مع كتب أخرى، ومن يقرأ كتابك الجيد يتعاطف معك ومن يقرأ كتاباً سيئاً فإن الكتاب يسيء للقضية.
وتحدث نصر الله عن أثر أدب غسّان، الذي يمتد من الثقافي إلى الإنساني الكفيل بتغيير حياة القارئ، معتبراً ذلك "القوة الكبرى للأدب القادر على صياغة المصائر بقوته وجماله ورؤياه" مشيراً إلى أنّ غسان كنفاني كان يستقي شخصياته من تراب الواقع والظروف التي خلقوا منها، ولكن حين كانوا يذهبون إلى سطور وصفحات غسان كنفاني كانوا يصبحون بشر غسان كنفاني في الحياة والفن، وبالتالي هنا تكمن قوة شخصيات غسان التي أخرجها من الواقع وأعطاها الخلود.
غسان اغتيل لأنّه فلسطيني ومثقف
وشهد اللقاء حواراً مفتوحاً بين الحاضرين والأديب إبراهيم نصر الله، وشمل عدّة مناح تتعلق بأدب غسّان وأهميته ورمزيته ودلالات استحضاره، ومنها علاقة الأديب والمثقف الفلسطيني بالسياسة، وحرص كيان الاحتلال على استهداف كل ما هو فلسطيني بغض النظر عن تموضعه السياسي ونوع الفاعلية التي يمارسها.
فلسطينيتنا تفرض علينا أن يكون كل فرد جيشاً
وفي إجابة على سؤال طرحه بوابة اللاجئين الفلسطينيين حول الجدل الذي كثيراً ما يثار حول علاقة المثقف بالسياسة، وخصوصاً في حالة الشهيد غسان كنفاني حيث تحيل بعض الآراء سبب اغتياله إلى عمله السياسي.
أحالنا الأديب إبراهيم نصر الله: إلى ما ورد في روايته "أعراس آمنة" حيث تقول الأم لأولادها وهم متعددو الانتماءات السياسية: "إذا كنت فتح إسرائيل تقتلك إذا كنت حماس إسرائيل تقتلك إذا كنت جبهة شعبية إسرائيل تقتلك، إذا كنت ماشي بالشارع إسرائيل تقتلك، وإذا كانت أختك تنشر الغسيل إسرائيل تقتلها."
وأضاف نصر الله في معرض إجابته، إنّه إذا كان فعل القتل الذي يمارس ضدنا بسبب العمل السياسي، فأبسط شيء يمكن أنّ نفعله هو أن نكون محايدين ونتقبل الغرب، إلّا أنّ الفلسطيني دائماً يعيش الموت حتّى وإن كان خارج الوطن حيث لا دبابات وطائرات تقصفه بشكل دائم.
واعتبر نصر الله، أنّ غسان كنفاني كان عليه أن يكون بحد ذاته جيشاً، كاتباً روائياً وفناناً وكاتب مقالات وكاتب قصة قصيرة ومسرحياً، وعليه أن يكون قائداً، فهذه المسائل لم يفعلها غسان لأنه يحب أن يفعلها، بل لأنه يشعر بأن فلسطينيتنا تفرض علينا أن يكون كل فرد جيشاً.
يقول نصر الله: حينما نتأمل بالفترة الأخيرة ما يقوم به الشباب الفلسطينيون من عمليات في منتهى الشجاعة، صرنا نحس أن هذا الفرد جيش، وهذه عظمة فلسطين أن تتجاوز فرديتك وتعطي بأكثر من مجال، وتصبح متعدداً
وختم إجابته قائلاً: "طبعا نتمنى انه غسان يكون بيننا ونحتفل بعيد ميلاده السادس والثمانين ولكن ليس لدى الفلسطيني أي خيار سوى أن يكون هكذا، مضيفاً: "نحن يمارس علينا شكل من أشكال الموت في مخيماتنا، المنفى موت، حتّى الحلم ممنوع من أن تحلم بالعودة اللي بيتك، وعليك أن تموت ويدفن جدك وأمك وأهلك هنا"؟
ضرورة استدعاء فكر غسان كنفاني في المخيمات
وحول أهمية الفعالية وحضور غسان كنفاني في المخيمات، قال مدير النادي الثقافي عمار يوزباشي لبوابة اللاجئين الفلسطينيين" إنّ استدعاء غسان جاء رداً على محاولات تفصل بين العمل الثقافي والعمل الاجتماعي والعمل العسكري والعمل الكفاحي اليومي والتصاق المثقف بقضايا شعبه.
وأضاف: يوزباشي، أنّ ما نريده من هذا اللقاء، التكريس لدى شبابنا مبدأ غسان بأنّ كل الحقيقة للجماهير، وخصوصاً اننا نعتبر غسان مازال شاباً وهو الذي رحل عنّا بعمر صغير.
ومن هنا جاءت استضافة الأديب والروائي والشاعر الفلسطيني الكبير إبراهيم نصر الله، الذي فيه الكثير من الخصال التي تشبه غسان كنفاني هو ربط استمرار العملية النضالية. بحسب مدير النادي الثقافي.
وفقد الشعب الفلسطيني والأدب والعربي، الأديب والثائر الفلسطيني غسان كنفاني من مواليد العام 1936، إثر تفجير سيارته في منطقة الحازمية قرب العاصمة اللبنانية بيروت يوم 8 تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1972، واستشهدت برفقته ابنة شقيقته فايزة، لميس حسين نجم (17 عاماً)، على يد عملاء الموساد الصهيوني.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق