الميادين
اللاجئ الفلسطيني لؤي البسيوني الذي صنع المستحيل، من خلال مشاركته مع فريق وكالة الفضاء الأميركية "ناسا" في تصميم الطائرة "إنجينويتي"، وهي مروحية روبوتية مبتكرة هبطت على سطح المريخ عام 2021، لم يلتقِ عائلته فترات طويلة وصلت إحداها إلى 12 عاماً متواصلة.
يقول غسان كنفاني: "لا تمت قبل أن تكون نداً". فمن أسرة فلسطينية لاجئة، ملكت بشتاتها خمس جنسيات في العالم، انطلق المهندس لؤي البسيوني نداً يصارع المستحيل، ويحقق الأحلام، ويشارك فريق وكالة الفضاء الأميركية "ناسا" في تصميم الطائرة "إنجينويتي"، وهي مروحية روبوتية مبتكرة هبطت على سطح المريخ عام 2021، في أول رحلة لطائرة تعمل بالطاقة الكهربائية، ويجري التحكم بها من كوكب آخر، يبعد عنها نحو 225 مليون كيلومتر.
ولد البسيوني في ألمانيا، وانتقل مع والديه وأشقائه الثلاثة إلى بلدة بيت حانون شمالي قطاع غزة في سن السادسة، حيث مسقط رأس عائلته الممتدة، التي لا تزال هناك حتى اللحظة، ودرس فيها حتى الثانوية العامة، ثم غادر غزة إلى الولايات المتحدة الأميركية، ليتابع تعليمه في إحدى جامعات ولاية بنسلفانيا عام 1998.
شكلت سنوات النشأة في قطاع غزة والعيش حياة اللاجئين الفلسطينيين محطة مهمة في وعي البسيوني، ففي العام الدراسي الرابع من المدرسة الابتدائية اندلعت الانتفاضة الفلسطينية الأولى، ويذكر البسيوني أن المدارس كانت تغلق بصورة متكررة بسبب الانتفاضة، وأنه كان يدوّن في دفتر ملاحظاته عدد الأيام التي لا يذهب فيها إلى المدرسة، وقد أحصى 79 يوماً مدرسياً في ذاك العام فقط.
وأضاف أن نشأته في بلدة بيت حانون شمالي قطاع غزة، ومعاصرته الانتفاضة الأولى بين عامي 1987-1993 تركته مع درس مهم، علمه ألا يستسلم أبداً، وأن يستمر في الحلم والتطلع إلى المستقبل، والعمل لتحقيقه.
صعوبات وتحديات
وقال البسيوني للميادين نت: "وصلت إلى ولاية كنتاكي وعصفت بي ظروف اقتصادية صعبة اضطرتني إلى العمل بأجور منخفضة لتوفير مستلزماتي الحياتية و جمع نفقات الدراسة".
كان البسيوني يعمل في توصيل البيتزا أكثر من 14 ساعة في بعض الأيام لتوفير نفقات الحياة، وواجه كثيراً من الصعوبات في بلاد الغربة، إلا أن التجربة والاعتماد على النفس كانا شديدي الفائدة له على المستويين الشخصي والعملي، وإضافة إلى ذلك، كان طالباً حين وقعت أحداث 11 أيلول/سبتمبر 2001، وانعكست تبعات الحادث عليه لكونه طالباً عربياً، فبسببها استهدفت الاحترازات الأمنية والممارسات العنصرية العرب عموماً، ما أثر في مواصلة دراسته الجامعية.
ووصف البسيوني هذه الفترة قائلاً: "كانت الحياة بعد 11 أيلول/سبتمبر غاية في الصعوبة، انهار الاقتصاد الأميركي، وأصبح من الصعب جداً أن يجد عربي عملاً، ولم أتمكن من دفع رسوم الدراسة، لكني كنت مستمراً بدأب، معاركاً الرياح، أعمل وأتعلم معاً في كثير من الأحيان".
وفي عام 2004 استطاع الحصول على شهادة البكالوريوس في الهندسة الكهربائية، ثم انتظم بقوة في برنامج الدراسات العليا وحاز درجة الماجستير من جامعة لويفيل عام 2005.
أحلام تتحقق
كان شغف البسيوني أن يلامس الفضاء ويعمل في الطيران مذ كان طفلاً، وكان يحلم بدراسة هندسة الطيران، إلا أن ظروفه الخاصة لم تمكنه من دراستها، فكان البديل دراسة الهندسة الكهربائية، على أمل العودة إلى أرض الوطن وخدمته.
إلى أن أتته الفرصة ليتبع شغفه عام 2012، فانضم البسيوني إلى شركة تعمل في تصميم الطائرات الكهربائية، وتدرّج في مهنته حتى عمل في مشروع خاص بوكالة ناسا، يهدف إلى تصميم طائرة عمودية بغرض الهبوط على سطح المريخ، فواصل الليل بالنهار لينجح في المشروع، حتى تحقق المستحيل وهبطت الطائرة.
المهمة الأصعب
أدى البسيوني الدور الرئيس في فريق تصميم الطائرة المروحية، إذ صمّمت الطائرة لتتحمل نسبة هواء ومعدلات ضغط مختلفة تماماً عن تلك الموجودة على سطح الأرض. وأضاف البسيوني للميادين نت: أن "نسبة الضغط على سطح كوكب المريخ تبلغ 1% فقط من الضغط في كوكبنا، فضلاً عن الإشعاعات الكونية التي لا شبيه لها في الأرض، وعليه كان حتماً علينا أخذ هذه الاعتبارات في التصميم والتشغيل، إذ تمتعت الطائرة بقوة فائقة أكثر بعشرات المرات من مثيلاتها التقليدية للتغلب على الصعوبات التي تواجهها".
فكان له بصمة واضحة خاصة فيما يتعلق بمواد الرصاص الكهربائي، والألياف الكربونية التي تدخل في صناعة هيكل الطائرة، كما أدى الدور الرئيس في تصميم المحرك ومحرك الخادم، وواجهة الكهرباء والأسلاك، وساعد في خوارزمية العاكس التي تتحكم في المحرك داخل المروحية عن بعد.
وأكد البسيوني أن النتائج الهندسية لعملية التحكم عن بعد بطائرة من كوكب آخر لا يمكن حصرها، وأضاف: "إن المشروع الذي بدأت العمل فيه عام 2013 قد يغير مجرى التاريخ، وما كنا نفترضه في السابق، أصبح واقعاً الآن، ونحن نعمل لتطوير مروحيات يمكنها التحليق على سطح الأرض في ارتفاعات أعلى مما تحلق فيه الآن".
وأشار إلى أن وصفة النجاح تعتمد ابتداء على عمل ما تحب، وحب ما تعمله، ويقول: "أنا مهتم بشدة بالطاقة البديلة، وأسعى لتغيير واسع وإحلال مصادر الطاقة النظيفة والبديلة محل المصادر التقليدية للطاقة، وقد أسست شركتي الخاصة للعمل على ذلك، وتطوير تقنيات الطاقة الشمسية والكهربائية الممكن استخدامهما في كثير من التطبيقات العملية".
يذكر أن اللاجئ الفلسطيني الذي صنع المستحيل لم يلتقِ عائلته فترات طويلة وصلت إحداها إلى 12 عاماً متواصلة، وبعد انتقال والديه للعيش في ألمانيا إثر مضايقات الاحتلال، زار البسيوني عائلته عام 2012 في في ألمانيا، "وكان اللقاء حاراً مليئاً بالدموع، فطبيعي لشاب نهشت الغربة عمره، وقد عاد حديثاً ليحتضن والديه أن يفتك الشوق بقلبه، وحين رأيت تجاعيد وجه أمي أدركت مشقة الرحلة وطول سنين التجربة، لكن ما خفف وطأة التعب، أن السنوات ما ضاعت هدراً وقد حقّقت النجاح، وكتبت اسم أول فلسطيني وعربي يترك بصمة على المريخ".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق