بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي
من يعرف إيتمار بن غفير كان يدرك تماماً أنه سيقدم على اقتحام المسجد الأقصى المبارك، وسينتهك حرمته، وسينفذ تهديداته، وسيستمر في إطلاق وعوده، وسيواصل تصريحاته الحمقاء ومواقفه الاستفزازية الخرقاء، وسيصر على سياسته الغبية وأفكاره العنصرية المتطرفة، ولن يغيره المنصب أو تعقله المسؤولية، ولن يردعه المجتمع الدولي ولن تخيفه أصوات المعارضة، ولن يلجمه نتنياهو، ولن يضغط للتأثير عليه أو تغيير رأيه، بل سيبقى كما عرفناه أهوجاً مضطرباً، عنصرياً متشدداً، يظن نفسه أنه الأقوى، وأن أحداً لن يرده أو يقوى على صده، فهو يعتمد على القوة العمياء والعنف الأهوج، التي لن تنفعه كثيراً ولن تبقيه أبداً، مهما ظن أنه الأقوى والأقدر، فهو كالثور المذبوح، يرغي ويزبد والدماء تنعب من شرايينه وهو في طريقه إلى السقوط النهائي لا محالة.
لا جديد في اقتحام بن غفير للمسجد الأقصى المبارك سوى أنه أصبح وزيراً في الحكومة الصهيونية الجديدة، فهو قد اعتاد على محاولات اقتحام باحات المسجد الأقصى، وكان ينظم الكثير منها ويدعو إليها ويعلن بتبجحٍ وتحدي عن مواعيدها، ويطالب المستوطنين بتأييده ومشاركته فعالياته الاستفزازية، وكانت الشرطة والأجهزة الأمنية الإسرائيلية تتابع نشاطه وترصد تحريضه، وتعرف مواعيده، بل وتواكبه عند الاقتحام وتحميه أثناء التجوال، وتيسر الطريق له وتسهل مهمته، وتصد الفلسطينيين إن حاولوا منعه، وتعتقلهم وتطلق النار عليهم، وتتهمهم بأنهم من بادر بالاعتداء وعرضوا حياة المستوطنين للخطر.
الجديد في غزوة بن غفير القصيرة السريعة، التي جرت خلسةً ونفذت على عجلٍ وباضطرابٍ في غير موعدها، أنه بات في قمة السلطة وصاحب القرار الأول في تقنين الاقتحامات وتنظيم الاعتداءات على المسجد الأقصى المبارك، فهو وزير الأمن القومي "الداخلي"، ما يعني أنه قائد الشرطة والمسؤول عن الأمن والحماية، والمعني بأذونات الموافقة وقرارات الرفض، والمسؤول عن الطرد والإقصاء، والمنع والحرمان وتنفيذ الاعتقالات وفرض الإقامات الجبرية المنزلية والمناطقية، حيث تخضع القدس وأحياءها والمسجد الأقصى وبواباته لسلطة الشرطة التي تخضع لتعليماته وتأتمر بأوامره، وتنفذ برامجه، ولا تستطيع الاعتراض على سياسته.
هذا يعني أننا قد نشهد في الأيام القادمة اقتحاماتٍ جديدةً ومحاولاتٍ أخرى كثيرة للاعتداء على حرمة المسجد الأقصى المبارك، طالما أن بن غفير قد أصبح هو المقنن والمشرع، وصاحب السلطة ومالك القرار، وشريكاً في الحكومة وعضواً في الكابينت، علماً أن من سبقه كانوا مثله لكن بنعومةٍ وهدوء، حيث كانوا يسهلون له ولغيره عمليات الاقتحام بسريةٍ وصمتٍ، ودون جلبةٍ أو فوضى، أو تصريحاتٍ ووعودٍ وتهديدات، لكن بن غفير يتطلع إلى المجاهرة والإعلان، والإصرار والتكرار، لكي الوعي الفلسطيني والعربي والإسلامي، وتعويدهم على يوميات الاقتحام ومواقيت الصلاة، وجداول الطقوس وهيئات العبادة.
بالعودة إلى سجل بن غفير الشخصي الذي يفاخر به ولا يخفيه، ويعلن عنه ويتمادى فيه، فسنجد أنه ينتمي إلى تنظيم "كاخ" الإرهابي فكراً، ويتخذ من زعيمه مائير كهانا مرشداً روحياً له، ويتبنى أفكاره ويعلق صوره ويحيي ذكراه، ويمجد باروخ جولدشتاين منفذ جريمة مجزرة الحرم الإبراهيمي عام 1994، ويعتبره بطلاً قومياً ومخلصاً دينياً، ويرى أن مقتله كان جريمةً كبيرة، وسُبةً ولعنةً وعاراً على الجنود الذين أطلقوا النار عليه، وأنه يجب إعادة الاعتبار له وتكريمه، والاعتذار إلى عائلته وتعويضه، ولعله أسوأ من الاثنين وأكثر عنصريةً منهما، وأشد فحشاً وأكثر دموية، وأوقح أسلوباً وأرعن سلوكاً، فهو مصرٌ بسياساته ومواقفه، وتصريحاته وممارساته، على وصل الماضي الإرهابي بالحاضر الأسوأ.
أمام هذا الواقع الذي قد يستجد ويتكرر، ويتقنن ويتشرع، ويصبح أمراً واقعاً وحدثاً مألوفاً، ينبغي أن يكون أولاً للفلسطينيين موقفهم الصارم والواضح، كموقفهم في مواجهة البوابات الإليكترونية وإغلاق بوابات الحرم، حيث أجبروا سلطات الاحتلال ورئيس الحكومة نفسه نتنياهو على التراجع والانكفاء، وفتح البوابات وإزالة المعدات.
كما يجب على العرب والمسلمين جميعاً، أنظمةً وشعوباً، حكوماتٍ ومنظماتٍ، أن يكون لهم موقفهم القومي والديني إزاء العدوان الجديد، ومواجهته بكل السبل الممكنة للجم العدو وكبته، وإعلامه أن القدس كما المسجد الأقصى عقيدةً دينيةً، وآياتٍ قرآنية، لا يمكن العبث بها أو التساهل فيها، وإلا فإن للفلسطينيين كامل الحق في أن يردوا على ممارسات الاحتلال بمقاومتهم، وأن يجبروه بالقوة على التراجع، وشعبنا على ذلك قادر، وعلى حماية حقوقه ومقدساته ماضٍ مهما كلفه ذلك شهادةً واعتقالاً، وتضييقاً وحصاراً، وحرباً وعدواناً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق