مع صمت الجيوش، وإقفال الحدود، وحالة التخبط والفوضى الأمنية والمعيشية على امتداد الساحات العربية، وفي ظل أزمة الحركة الوطنية الفلسطينية، تشكل مقاومة الأبطال والمجموعات المسلحة في فلسطين بارقة الأمل الوحيدة، ليس لاستعادة الحقوق الوطنية ووضع حد للعدوان والتعنت الاسرائيلي، بل لتؤكد مجددا، أن لا إمكانية للتعايش مع هذا الكيان العنصري المحتل ولو على جزء صغير من الأرض العربية الفلسطينية، وأن الشعب الفلسطيني يرفض الاحتلال وطواق للحرية والتحرير .
إلا أن هذه الظاهرة التي تقاتل وتواجه جيش الاحتلال لا يمكن لها أن تجني ثمارها إن لم تتمكن من تطوير أساليب نضالها وتحولت إلى ظاهرة شعبية ثورية في وجه العدو، أي أن تكون خطوة نحو ثورة شعبية تعزز الروح النضالية في صفوف الشعب وتعمل على تنظيم الصفوف وحشد الطاقات في الميادين في إطار حرب التحرير الشعبية.
لا شك أن مواجهة جيش الاحتلال وعمليات الطعن ظاهر وطنية خلاقة، تجعل العدو يحسب ألف حساب خلال عدوانه، لكن من الصحيح أيضا أن تكون هذه الظاهر في إطار المشروع الوطني الفلسطيني المقاوم، تقودها قيادة موحدة صلبة، ووحدة وطنية جادة ومشروع نضالي يعمل على تعزيز قدرات الشعب ورفع مستوى وعيه وتنظيم صفوفه وحشد طاقاته في ميادين المواجهة.
مقاومة هجمات الاحتلال وعمليات الطعن ظاهر وطنية خلاقة، لكنها لا تصنع نصرا ولا تدحر احتلال ولا تحرر أرض إلا إذا كانت إما خطوة تستنهض الشعب وقواه وطاقاته نحو ثورة عارمة، وإما أن تكون حلقة من حلقات النضال الوطني الفلسطيني العام، وفي إطار مشروع سياسي فلسطيني مقاوم.
فدحر الاحتلال وتحرير الأرض يحتاج لثورة تحشد في طاقات الشعب بقيادة قوى وفصائل ثورية ووحدة وطنية بعيدا عن الانقسام والانشقاق والاغتيال وكاتم الصوت، ونخب إعلامية وسياسية وإجتماعية تضع إمكانياتها في خدمة الثورة، ووضع حد لحالات اليأس والاحباط والارتزاق التي تتفشى في صفوف الشعب.
ولا شك بأن اللاجئين الفلسطينيين والفصائل السياسية والنخب الثقافية والاعلامية الفلسطينية في لبنان دور هام في دعم ظاهرة مواجهة الاحتلال في فلسطين، إن أرادت ذلك، لكن عليها أن تثبت جدارتها وجديتها وقدرتها على المساهمة في المشروع الوطني الفلسطيني العام الهادف إلى تحرير الأرض واستعادة الحقوق الوطنية والانسانية، ولا تكتفي بالبيانات والتصريحات والتهليل والتمجيد لبطولات المواجهة مع الاحتلال، وإصدار بيانات الادانة للعدوان والمجازر التي يرتكبها العدو على أرض فلسطين.
الفلسطينيون في لبنان، هم جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني الذي تشرد واحتلت أرضه وارتكب بحقه أبشع أنواع القتل والمجازر وقدم التضحيات الجسام لاستعادة حقوقه، لذلك فمن حق هذا الشعب أن يكون رافدا من روافد الثورة والمواجهة، وإذا كان النضال المسلح من لبنان أصبح أمرا مستعصيا نظرا لظروف هذا البلد الشقيق واحتراما لسيادته وقوانيه المتبعة، ونظرا للوضع الفلسطيني المأزوم أيضا، لكن وحتى يكون للخطابات والشعارات وبيانات الادانة والاستنكار وتصريحات التمجيد والتهليل معنى هناك ضرورة للبحث والاجابة كيف يمكن دعم مقاومة الأبطال في فلسطين، وكيف يمكن أن يكون الفلسطينيون في لبنان رافدا من روافد الثورة.
لا بد من التأكيد أولا أننا لا نقصد هنا الدعوة لإطلاق النار الفلسطينية من جنوب لبنان، فلبنان كما ذكرنا لم يعد يحتمل مثل هذه الأساليب التي اتبعت خلال سنوات ما قبل الاجتياح وما قبل انطلاقة المقاومة اللبنانية، وعباراتنا أيضا لا تعني بأي حال من الأحوال الدعوة لليأس والاستسلام، ولا تعني أيضا أن مقاومة المجموعات المسلحة على أرض فلسطين ليست لها قيمة، بل نجدد التأكيد على أنها ظاهرة بطولية في وجه الاحتلال.
لكن ميادين النضال والثورة للفلسطينيين في لبنان وإمكانية دعم المقاومة في فلسطين أمر ممكن دون المساس بالسيادة اللبنانية ودون أي خرق للقوانين والأعراف المتبعة على أرض هذا البلد الشقيق.
أولا ، تنظيف المخيمات الفلسطينية من الآفات الاجتماعية وحالة الفوضى، والمساهمة في رفع مستوى الوعي وتنظيم الصفوف يشكل رافعة وركيزة في المشروع الوطني الفلسطيني.
ثانيا، العمل على تشكيل الأطر الثقافية والاعلامية الصادقة والفاعلة والقادرة داخل المخيمات ما يساهم في رفع مستوى وعي الشعب وتنظيم صفوفه.
ثالثا، استعادة دور الفصائل السياسية داخل المخيمات والعمل بقيادات فاعلة ومتمكنة وواعية .
رابعا، قيادة سياسية قادرة على الحوار في ما بينها ومع وكالة الأونروا والسلطات اللبنانية المعنية والمؤسسات الدولية من أجل وضع حد لمعاناة اللاجئين الفلسطينيين، فالقيادي الضعيف والذي لا يمتلك القدرات، لا يكون قادرا على طاولة الحوار ولا يحقق أهداف الشعب.
من حق الفلسطينيين في لبنان بحياة حرة كريمة، ومن حقهم أن المساهمة في المشروع الوطني الفلسطيني من أجل استعادة الحقوق، ولكن أيضا على الفلسطينيين والفصائل السياسية واجبات تجاه أنفسهم وتجاه قضيتهم وتجاه لبنان المضيف، أبرزها ومن الضروري تكرارها: وضع حد للآفات الاجتماعية والمخدرات وسماسرة تهريب البشر والفارين من وجه العدالة داخل المخيمات.
وضع حد للسلاح المتفلت، وتنظيم الصفوف وتحمل المسؤوليات في رفع مستوى الوعي والانتماء الوطني ، ورفع المستوى التربوي والتعليمي والاهتمام بالوضع الصحي وبالبيئة والنظافة .
هذه مهمات الفصائل والقيادات الفلسطينية أولا وأخيرا بالحوار مع الأونروا والتنسيق مع المؤسسات الرسمية اللبنانية، وعلى الفصائل أن تتحمل مسؤولياتها وتقوم بذلك لأنها المسؤولة عن هذا الشعب، وتمتلك القدرات والامكانيات والاعتراف الرسمي.
بهذا وحده يصبح للشعارات والخطابات وبيانات تمجيد المقاومة وتصريحات الادانة والاستنكار للعمليات والمجازر التي يرتكبها العدو قيمة ومعنى، وبهذا يمكن لنا أن نكون صادقين لو قلنا أننا ندعم شعبنا في الوطن المحتل ونحيي مقاومته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق