تسابق المبادرات الخيرية، الفردية منها والجماعية، الأيام الأولى من شهر رمضان الفضيل، فالأزمة المعيشية التي تفتك بالمواطنين منذ أربع سنوات تزداد تفاقماً، في ظل الغلاء وارتفاع الأسعار، فتأتي هذه المبادرات لتجسّد جانباً من روحانية الشهر الكريم بالتكافل الاجتماعي. هذا العام يختلف رمضان عن سابقاته، ثمّة اجماع على أنّه الأصعب في السنوات الاخيرة، فالاجراءات الاحترازية التي رافقت تفشي جائحة «كورونا» وأطفأت أضواء الفوانيس وزينة الساحات والشوارع وأجبرت المواطنين على ملازمة منازلهم، تكاد لا تُذكر أمام غول الفقر والجوع الذي يؤرق الناس هذه الأيام، وهي تفقد قسراً غالبية العادات والتقاليد التي دأبت عليها، من الطعام والشراب حتى الحلويات.
ويختلف رمضان عن سابقاته بتراجع عدد المبادرات الفردية والجماعية نتيجة الضائقة المالية، وبنوعية التقديمات، بعد غياب الافطارات الجماعية، أو وجبات الطعام اليومية الساخنة، أو توزيع الحصص التموينية والغذائية، مقابل تواضعها ورمزيتها في بعض الأحيان حرصاً على استمرار التكافل الاجتماعي والتكاتف في هذه الايام الفضيلة.
ولا يخفي حمتو «أنّ نار الأزمة المعيشية الخانقة لن تطفئ وهج الإيمان ومعاني صوم الشهر الفضيل المتمثّلة بالتكافل الاجتماعي والتضامن رغم استنزاف قدرة الجمعيات على سدّ فراغ مؤسّسات الدولة على مرّ السنوات الماضية، وفي نواحٍ كثيرة، ولن نألو جهداً في تقديم الأفضل ونفكّر بشكل مشترك بمشاريع ومبادرات لها طابع الاستدامة، إن كان على مستوى منطقة صيدا أو حتى على مستوى الأحياء، لتبقى صيدا مدينة رمضانية بامتياز ونموذجاً للتكافل الاجتماعي والمودّة والرحمة بين أبنائها الذين يشكّلون عائلة صيداوية واحدة وموحّدة».
وقد سارع أئمّة المساجد وخطباؤها من على منابرهم في أول صلاة جمعة، ومعهم مفتي صيدا وأقضيتها الشيخ سليم سوسان، إلى دعوة التجّار واصحاب المولّدات والسوبرماركت إلى مراعاة المواطنين في قلّة حيلتهم، وتحويل الشهر الفضيل موسماً للخير والرحمة وليس للربح والتجارة والاحتكار والابتزاز، ودعوة الأغنياء والميسورين إلى النظر للفقراء بعين الرعاية وعطاء من دون منَّة، والجمعيات والمؤسسات الاهلية الى زيادة تقديماتها لتحاكي احتياجاتهم ومعاناتهم.
والى جانب مبادرات مؤسّسات المجتمع المدني تنشط أيضاً مبادرات من أفراد ومجموعات هدفها التكافل ومساعدة الفقراء والمحتاجين، ومن بينها مبادرة «بصمة خير» التي يشرف عليها هلال حليمة «أبو فرج» ويعاونه فيها أولاده وفريق من عشرة متطوعين، 7 شباب و3 نساء، بهدف ايصال الخضراوات على أنواعها الى منازل الفقراء والمتعففّين.
ويشرح أبو فرج لـ»نداء الوطن» أنّ المبادرة انطلقت العام 2019 عقب الأزمة الاقتصادية والمعيشية وتواصلت خلال جائحة «كورونا» وتستمرّ حتى اليوم، «وتقوم على الذهاب إلى حسبة صيدا يومياً وجمع الخضار من بعض أصحاب المحال التجارية مجّاناً، في الحسبة نحو 60 محلاً، يقوم أصحاب 12 منها بالتبرّع اليومي لنا، وتتركّز حول «الخس والبقدونس والكزبرة والنعنع والبصل الأخضر والفجل والملفوف والكوسا والقرنبيط والباذنجان وسواها حسب المواسم، ونشتري أحياناً بعض الاحتياجات الأخرى لنكمل التوزيع».
ويوضح «أنّ الفريق يقوم بعمل تطوّعي، يعمل 8 ساعات بين نقل الخضار وتوضيبها، ونحصل على الخضراوات من حشائش وخضار وفواكه بالمجّان، ورغم ذلك علينا مصاريف كثيرة لجهة استئجار «بيك آب» يومياً ندفع له 500 ألف مراعاة للمبادرة، واستئجار محلّ لفرز البضاعة وترتيبها في أكياس نايلون وحدها كلفتها 70 دولاراً شهرياً، وتوزّع في رمضان يومياً وفي باقي أيام العام 3 مرات ويوم الخميس يكون مفتوحاً لمن حضر. ونوزّع لنحو 2500 عائلة في الأحياء الأكثر فقراً وشعبية في صيدا القديمة، وحي غسان حمود، الهبة، الفوار، المسلخ، القلعة البرّية، وبعض الأحياء في مخيم المية ومية وعين الحلوة، الناس بحاجة للمساعدة مهما كانت وخاصة الخضراوات في شهر رمضان لإعداد صحن الفتوش».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق