انتصار الدنان- العربي الجديد
تتشابه قصص اللجوء التي يرويها اللاجئون الفلسطينيون في لبنان، وتتحدث عن المعاناة التي يعيشونها منذ سنوات طويلة بدءاً من عهد أجدادهم، وصولاً إلى اليوم الذي يشهد أزمات حياتية لا تحصى، ولا أفق لحلها قريباً استناداً إلى الوضع القائم، ما يفاقم الأحوال السيئة وسط عقبات تعترض عملهم في شكل طبيعي، وحصولهم على فرص مناسبة لتوفير احتياجاتهم المتزايدة أيضاً.
تقول لطيفة غازي عيساوي المتحدرة من بلدة ترشيحا بفلسطين، وتقيم في حي المعمورة بالضاحية الجنوبية لبيروت لـ"العربي الجديد": "ولدت لاجئة في لبنان بعيداً عن أرض أجدادي في فلسطين، وأخبرني أبي وأمي قصة خروج عائلتنا من بلدة ترشيحا التي اعتبرت آخر بلدة فلسطينية غادرها أهلها كونها قريبة جداً من الحدود مع لبنان. ومن بلدة ترشيحا توجه أهلي بعدما خرجوا من دون أن يحملوا معهم إلا الملابس التي ارتدوها، إلى بلدة عيتيت في جنوب لبنان، وسكنوا فيها لمدة سنتين، ثم انتقلوا إلى مخيم برج البراجنة للاجئين الفلسطينيين في بيروت حيث عاشوا، مثل سائر اللاجئين في المرحلة الأولى، في خيم قدمتها وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)".تضيف: "عاش أهلي في هذه الخيم حياة صعبة ومرّة ما زال لاجئون آخرون يعيشونها اليوم. عندما كانت تهطل الأمطار كانت تدخل إلى الخيم فتمتلئ بالمياه ويصعب البقاء فيها أو النوم على الفرش داخلها كونه مغطاة بالمياه. وبعد هذه المرحلة بدأ الناس في المخيمات في بناء مساكن باستخدام حجارة على أطراف الخيم التي سقفوها بألواح زينكو، ثم رويداً رويداً بالإسمنت".
تخبر أن أبيها جاء إلى لبنان حين كان في العاشرة من العمر، ولم يستطع متابعة تعليمه، وعمل في السباكة ثم الدهان قبل أن يشترى بيتاً خارج المخيم يعيش فيه أفراد العائلة حتى اليوم. و"بعدما ولدت في المخيم عام 1961 كان والدي حريصاً على تعليمي مع إخوتي لتعويض ما حرم منه شخصياً بسبب اللجوء. أنهيت الصف الثانوي الثاني ثم التحقت بالجامعة من دون أن أكمل سنوات الدراسة فيها، إذ توقفت بعد سنتين فقط ثم عملت في المحاسبة قبل أن أتزوج، وهذا ما لم تفعله شقيقتاي اللتان تخصصتا في الإخراج واللغة العربية".
تضيف: "عشنا في مخيم برج البراجنة حتى بلغت سن الثالثة عشرة، علماً أنني الأخت الكبرى في العائلة. وحياتنا اعتبرت مريحة نوعاً ما مقارنة بلاجئين آخرين كانوا يعيشون في المخيم، لأن والدي كان يعمل واستطاع تأمين ما نحتاجه على الصعيد المادي، وظلت حياتنا جيدة حتى اندلعت الحرب الأهلية في لبنان حين توقف عمل والدي شرقي العاصمة بيروت، وصار يؤدي أي مهنة متوفرة يستطيع القيام بها لتأمين ما نحتاجه من متطلبات حياتنا اليومية.
وعندما بلغت سن الثامنة عشرة بدأت أعمل أيضاً كي أساعد والدي، والتحقت بمهنة التعليم في مدرسة، ثم مارست مهنة المحاسبة لمدة خمس سنوات قبل أن أتزوج وأتوقف عن العمل ثماني سنوات، ثم أعود للعمل في محل لبيع الملابس يمتلكه صهري في مخيم برج البراجنة. وعندما بلغت سن الخامسة والأربعين انفصلت عن زوجي، وكان عندي ابنة، فعدت إلى العمل كي لا أحتاج إلى أحد، كما عدت مجدداً إلى بيت أهلي".
ظلت لطيفة تعمل في محل صهرها إلى حين توفي والدها، ثم تركت العمل لمدة سنتين بعد إقفال المحل، قبل أن تفتح ابنتها لها محلاً يضم بضائع خاصة بالتراث الفلسطيني من لوحات وحقائب وصور ومحافظ وغيرها وبعض الملابس الخفيفة.
تعلّق على وضعها الحالي بالقول: "نعيش أسوأ أيام في لبنان بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار، وعدم توفر الكهرباء والخدمات، والأحوال صعبة جداً وتتطلب أن يعمل جميع أفراد العائلة كي يؤمنوا معيشتهم".
وعن العودة إلى فلسطين بعد مرور سنوات طويلة من اللجوء إلى لبنان، تقول لطيفة: "صحيح أنني لم أولد في فلسطين، لكنني أشعر مع كل نسمة هواء تأتي نحوي من الجنوب بأن فلسطين تدعوني إلى العودة إليها. وأتمنى بالطبع أن يأتي يوم عودتي إلى بلدتي ترشيحا، فنحن فعلياً ضيوف في لبنان، وانتمائي الأول والأخير يظل لفلسطين، لذا أتمنى العودة. وفي فلسطين تملك عائلتي أراضيَ وبيوتا استولى عليها العدو الصهيوني، لكننا سنعود إليها".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق