بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي
لو كانت دول العالم حرةً نزيهةً، وصادقةً مخلصةً، ومنصفة غير منحازة، وعادلة غير ظالمة، وقانونية غير مزاجية، وموضوعية غير استنسابية، وتحكم بمعايير موحدة، وتحتكم إلى ضمائر حيةٍ، فإنها كانت ستصنف المستوطنين الإسرائيليين بالإرهابيين، وستصف أعمالهم بالإجرام وأفعالهم بالعنصرية، وكانت ستدرجهم ضمن قوائم الإرهاب الدولية، التي تصدرها دورياً وتجددها بانتظام، وتورد فيها أسماء الجهات التي تصنفها إرهابيةً، وتخضعها لقوانينها وأنظمتها العقابية، وتفرض عليها حصاراً اقتصادياً ومقاطعةً سياسية، وتلاحق المتورطين منهم والمتهمين فيهم، وتعمم أسماءهم عبر منافذ العالم كله، البرية والبحرية والجوية، وتفرض على الدول توقيفهم واعتقالهم وتسهيل تسليمهم إلى الدول التي تطالب بهم.
فالمستوطنون الإسرائيليون الذين اعتدوا على بلدات حوارة وبورين وبيتا وزعترة، وحرقوا بيوتها وأشعلوا النار في سياراتها، وعاثوا فساداً فيها، وعرضوا حياة سكانها الذين أصيب بعضهم بالخطر الشديد، وتسببوا في خسارة ملايين الدولارات، هم أنفسهم الذين حرقوا آلَ دوابشة في بيتهم، وهم الذين صبوا البنزين في جوف محمد أبو خضير، وأشعلوا فيه النار حياً، وهم الذين يقطعون الطريق على الفلسطينيين ويطلقون النار عليهم، ويحطمون سياراتهم، ويعتدون على ركابها بالضرب المبرح والمهين، وهم الذين يدهسون الفلسطينيين في الشوارع، ويطلق قادتهم النار على رؤوس أطفالهم.
وهم الذين يشكلون مجموعات "تدفيع الثمن"، وعصابات "فتية التلال"، ويقومون بالسطو على بيوت الفلسطينيين، ويخرجونهم منها بالقوة، ويلقون متاعهم وأثاثهم خارج بيوتهم، قبل أن يستولوا عليها ويسكنوا فيها، في مشاهد تتكرر يومياً في مدينة القدس وأحيائها، وفي مختلف أرجاء الضفة الغربية، التي باتت جميعها مرتعاً للمستوطنين ومطمعاً لهم.
وهم الذين يطلقون النار على المواطنين الفلسطينيين، بحجة الاشتباه فيهم، أو للدفاع عن أنفسهم وصد الاعتداء عليهم، فيقتلون تحت هذه الذرائع الكاذبة الرجال والشيوخ والأطفال والنساء، ويقف الجيش وعناصر الشرطة يرقبونهم ويتابعونهم، لكنهم يسكتون عنهم ولا يعترضون عليهم، بل يساعدونهم ويقفون إلى جانبهم، ويحمونهم ويفرقون الجموع الشعبية التي تتصدى لهم وتحاول رد عدوانهم.
وهم أنفسهم الذين يحرقون أشجار الزيتون ومحاصيل الزروع، ويغرقون الحقول الزراعية بالفضلات والمياه العادمة، ويشعلون النار في جذوع الأشجار وأغصانها، ويتلفونها وثمارها وحصادها، ويمنعون أصحابها من الاقتراب منها لحمايتها، ويعطلون كل مسعى لإطفاء الحرائق ومنع امتدادها.
لكن المجتمع الدولي يغمض عيونه عن المستوطنين وجرائمهم النكراء، رغم أنها واضحة وصريحة، ومكشوفة ومفضوحة، وجريئة ووقحة، ولا يحرك ساكناً ضدها، ولا يسمح لمؤسساته الدولية بالانعقاد من أجلها، بينما يقف ضد الفلسطينيين ويحاصرهم، ويستنكر محاولاتهم الدفاع عن أنفسهم، وحماية مصالحهم، والذود عن حقوقهم، ويصف كل من يدافع عن حقه منهم بأنه "إرهابي"، ويصنف تنظيماتهم بالإرهابية، ويلاحق عناصرهم، ويفرض مختلف العقوبات عليهم، ويسعى لحصارهم وتجفيف منابعهم، ومحاربة كل من يؤيدهم ويساعدهم، أو يؤمن بحقوقهم ويدافع عنهم.
عيبٌ كبيرٌ ما يقوم به المجتمع الدولي، وعوارٌ شديدٌ ما تمارسه بعض دول العالم، التي تمارس الأستاذية على الشعوب المستضعفة المظلومة، وتفرض نفسها شرطيةً عليها، وتقوم بمعاقبة المظلومين وتقف إلى جانب الظالمين، فلا ننتظر من هذه الدول أن تنصفنا، ولا أن تنتصر لنا وتعاقب المعتدين علينا، رغم أن العقل السليم والمنطق الصحيح يفرض عليهم أن يعاقبوا المعتدي، وأن يمارسوا ضده القوة ليوقف ظلمه وعدوانه.
وعليه فليس من المتوقع أن تصدر الولايات المتحدة الأمريكية، أو دول وروبا الغربية، منفردة أو مجتمعة، ومعهم كندا وأستراليا وبعض الدول التي تناصر الباطل وتعادي الحق، قراراً تعتبر فيه المستوطنين الإسرائيليين جماعاتٍ إرهابيةً، وقوىً مسلحةً خارجة عن القانون، تمارس الإرهاب والعنف العنصري ضد الفلسطينيين عموماً، وترتكب ضدهم جرائم الطرد والترحيل والتطهير والإبادة الجماعية.
أمام هذا القصور والانحياز الدولي المشين، الذي يصنف الفلسطينيين وهم أهل الأرض وأصحاب الحق بالإرهاب، يصبح لزاماً على جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، أن يبادرا إلى اتخاذ هذا القرار وتعميمه، والطلب من الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي تبنيه وإدراجه ضمن مقرراتهم، واعتبار إسرائيل كياناً صهيونياً عنصرياً غاصباً ومحتلاً، واعتبار مستوطنيه عصاباتٍ مسلحةً ومجموعاتٍ إرهابيةً.
كما يجب على الدول العربية والإسلامية، بصفاتها الدولية ومنظماتها الإقليمية، إلى جانب السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية، أن يصدروا بحق المستوطنين مذكرات جلب دولية من خلال الانتربول الدولي، والتقدم بشكاوى قانونية ضد قادتهم ومسؤوليهم، ورعاتهم ومموليهم، إلى المحاكم الدولية والوطنية، وإلى محكمتي العدل والجنايات الدولية.
لا نستخف بهذه الخطوات، ولا نستصغر هذه الإجراءات، ولا نتأخر عنها أو نهمل فيها، فهي مؤثرة معنوياً ومادياً، ولها أثر مباشر على الكيان ومستوطنيه، ولدينا من الأدلة المادية والشواهد الحسية، والاحصائيات والبيانات والصور والشهادات، ما يكفي لإدانة الاحتلال ومستوطنيه، وملاحقة مسؤوليه والتضييق عليهم، والمطالبة باعتقالهم ومحاكمتهم، شرط أن نعقد العزم، ونصدق النية، ونخلص العمل، ونعد الخطط، وننتقي الأدوات، ونحسن المواجهة، ونستعين بأهل الخبرة والكفاءة وأصحاب التجربة من المؤيدين لنا والمؤمنين بحقنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق