فتحي كليب / مسؤول دائرة وكالة الغوث في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
في حزيران من عام
2021 وبعد مرور سنتين على الازمة اللبنانية، اصدر البنك الدولي تقريرا وصف فيه
الازمة باعتبارها واحدة من أسوأ ثلاث ازمات عالمية منذ القرن التاسع عشر. تلا ذلك
عدد من التقارير صدرت عن مؤسسات دولية ومحلية تحذر من استفحال الازمة وشمولها
لفئات اجتماعية اكثر تأثرا من غيرها، ومن ضمن هذه الفئات اللاجئون الفلسطينيون
الذين ليس لديهم اي مصدر خدماتي يعتمدون عليه في معيشتهم سوى وكالة الغوث التي تعاني
بدورها من ازمة مالية ومن عجز مالي يتكرر كل عام وينعكس على مستوى الخدمات التي لم
تعد تلبي الحد الادنى من الاحتياجات المعيشية.
وتجد تحذيرات
المنظمات الدولية والمحلية ترجماتها في المعطيات الرقمية عن المستوى الذي بلغته
الاوضاع الاقتصادية في لبنان والتي وصلت درجة الانهيار الشامل، ومن ابرزها: إنهيار
الليرة اللبنانية وفقدانها لاكثر من 85 % من قميتها، تراجع سعر صرف الليرة امام
الدولار بنسب تراوحت بين 20 و 30 ضعفا، ارتفاع نسب التضخم لتتجاوز 200%، ارتفاع
اسعار المواد الغذائية بنحو 350%، ازدياد الفاتورة الصحية حوالي 450% وقضايا النقل
بأكثر من 500%، ما وضع لبنان في المرتبة الاخيرة عربيا لجهة ارتفاع مؤشر اسعار
المستهلك للغذاء (216%) وفقا لتقرير صادر عن البنك الدولي عام 2020، وبالتأكيد فان
الارقام تضاعفت اكثر منذ عامين نظرا لانهيار قطاعات اقتصادية جديدة.
ونظرا لأن اللاجئين
الفلسطينيين كانوا اكثر الفئات تأثرا بالازمة، فقد ارتفعت الاصوات الشعبية مطالبة
وكالة الغوث، باعتبارها القطاع العام للاجئين، بالاستجابة للحد الادنى من التحديات
التي فرضتها الازمة بانعكاساتها المخيفة على كافة العائلات الفلسطينية التي باتت
عاجزة، وفقا لتقارير حديثة، عن تأمين حاجاتها من الغذاء، مما دفع بالبعض الى ركوب
البحر في مغامرة غير محسوبة النتائج، وآخرون افترشوا مكاتب الاونروا مطالبين
بمعالجات وغيرهم لم يجد سوى التحرك الشعبي وسيلة لايصال صوتهم الى الدول المانحة
لتأمين اموال كافية تمكن الاونروا من التصدي لعشرات المشكلات الاجتماعية الآخذة
بالانتشار..
تقر الاونروا في
تقاريرها وفي تصريحات مسؤوليها بأن ما قدمته منذ العام 2019 لا ينسجم والحد الادنى
مما هو مطلوب، في ظل ثبات الموازنة العامة وعدم زيادتها، بل انخفاضها (من 132
مليون دولار تقريبا عام 2019 الى نحو 120 مليون عام 2021)، وهذا ما اقر به مدارء الاونروا في اقاليم سوريا، لبنان والاردن في الحيثيات
المقدمة من قبلهم لاقرار موازنة العام 2023 والتي تعتبر "الحد الأدنى من
المساعدة المطلوبة للتخفيف من الآثار الأسوأ للتدهور السريع في الوضع الإنساني
لمئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينين".
ان التطوير الذي
طرأ على بعض الخدمات، إن وجد، انما جاء من خارج البرامج العادية وبدعم مباشر من
بعض الدول المانحة التي فضلت تقديم دعمها لبرامج معينة وليس الى الموازنة العامة،
وهذا بدوره يحتاج الى نقاش في مكان آخر، ومنها على سبيل المثال: 1) مشروع
"المال مقابل العمل" الذي بدا عام 2019 بتمويل من البنك
الألماني للتنمية. 2) تقديم مساعدات نقدية عام 2020 بمبلغ 112 الف للفرد، وهو
مشروع لاقى نقدا وسعا من اللاجئين نتيجة الفوضى والهدر والفساد الذي شابه. 3)
تقديم مساعدات نقدية لفئات معينة من اللاجئين (الاطفال، بعض المرضى وكبار سن)..
وغير ذلك فلا يمكن القول ان الاونروا تدخلت بشكل غير تقليدي لتواكب الازمة
اللبنانية.
ويبدو واضحا ان
البون بات شاسعا بين تقديرات الاونروا لاحتياجات اللاجئين وبين استجابة الدول
المانحة لنداءاتها المتكررة. فالبرامج العادية لم تعد قادرة على تلبية كافة
الاحتياجات التقليدية والمستجدة، ما دفع الاونروا لاصدار نداء طارئ في بداية العام
2022 لتطوير خدمات التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية وكانت استجابة الدول
المانحة له محدودة جدا، ثم اصدرت نداء ثانيا (تشرين اول 2022) بقيمة (13 مليون
دولار) قالت مصادر الاونروا انه حصل خلال شهر ونصف على نحو 50 بالمائة، ما
يؤشر الى ان هناك تجاوبا مع التحذيرات التي اطلقها المفوض العام في شرحه للاسباب
الموجبة لاطلاق النداء ومنها مستويات الفقر غير المسبوقة والتي وصلت إلى 93%،
ومعدلات البطالة المرتفعة للغاية، ودرجات اليأس المتزايدة تنتشر في انحاء لبنان،
غير ان هذا التجاوب سرعان ما سيتلاشى، وكأن هناك يد خفية تعرف متى يجب دفع الاموال
ومتى يجب حجبها.. اي ان يبقى عجز الموازنة والمشكلة المالية سيفا مسلطا فوق رقاب
اللاجئين، وان يبقى الابتزاز حالة تتحرك على وتر التطورات السياسية.
لقد سبق للاونروا
وان انجزت عددا من المسوحات الاجتماعية، الداخلية والعامة، ادت الى استجابة جزئية
ببرامج دعم ومساعدة كانت موضع نقد سياسي وشعبي، نظرا لحصر تقديماتها بفئات معينة
من اللاجئين، وهو ما ادى الى بروز حالات اعتراضية في اكثر من مخيم كاد بعضها ان
يتسبب باشكالات غير محسوبة النتائج، ما دفع بالاونروا الى الاعلان من مسح اجتماعي
جديد تم البدء به بالتعاون مع مركز الاحصاء الفلسطيني، غير ان المشكلة تبقى قائمة اذا
انطلقت الاونروا من خلفية التمييز بين فئات تستحق واخرى مكتفية وهو امر يتناقض مع
تقارير الاونروا والمنظمات الدولية حول نسب الفقر وشمولها لجميع اللاجئين تقريبا.
ان التقارير
الدولية والمحلية حول نسب التضخم والغلاء وانهيار قيمة الليرة وارتفاع نسب البطالة
والفقر، كلها تؤكد ضرورة التعاطي مع تداعيات الازمة اللبنانية بشكل مختلف عن
السابق، إذ لم يعد يكفي المطالبة بخطة طوارئ اغاثية، نظرا لوصول الواقع الاقتصادي
والاجتماعي للاجئين الفلسطينيين مرحلة متقدمة من الخطورة. وعلى سبيل المثال، فقد
تراجع الانفاق السنوي على اللاجئ من قبل الاونروا من 379 دولارا امريكيا عام 2020
الى 349 عام 2021 والى اقل من ذلك عام 2022 مقارنة بثبات الموازنة وازدياد
الاحتياجات. وهذا يؤكد على الحاجة الفعلية لكل اوجه الدعم الاغاقي، خاصة ونحن على
ابواب شهر رمضان.
كما لم يعد كافيا
الطلب من الاونروا ومسؤوليها تفهم المطالب الشعبية المحقة، بل بات الامر يتطلب من
كافة الاطر الوطنية، الفصائلية والشعبية، اعطاء الاولوية لحماية الشعب الفلسطيني،
اقتصاديا واجتماعيا وتوفير مقومات العيش الكريم له، وصياغة استراتيجيات موحدة
تتبنى المطالب الشعبية وتضغط من اجل تحقيقها، وعلى خلفية أن ما يحدث هو جزء من حرب
التجويع الاسرائيلية والامريكية التي، مهما تمادت في عدوانيتها، فلن تحرف بوصلة
النضال الوطني ولن تثني الشعب الفلسطيني عن مواصلة نضاله من اجل حقه بالعودة ودعم الشعب
الفلسطيني الذي يخوض معركة الحرية والكرامة في فلسطين بمختلف الاشكال النضالية..
لذلك فان كافة المكونات الوطنية مدعوة الى التكاتف والتآزر للتخفيف عن اللاجئين
الفلسطينيين ما يعيشونه، خاصة واننا امام انهيار اقتصادي يتطلب من الاونروا
الاستجابة لنتائجه باجراءات سريعة وبدعم من مختلف منظمات الامم المتحدة التي
بامكانها المساهمة في التخفيف عن اللاجئين الفلسطينيين اعباء الازمة الاقتصادية
الشاملة وفي مقدمتها:
اولا) اعطاء
الاولوية لزيادة الموازنة العامة المخصصة لبرامج التعليم والصحة والاغاثة
الاجتماعية وبما ينسجم مع الواقع الاقتصادي والاجتماعي في لبنان بشكل عام، وهذا
يعني بشكل واضح ضرورة التصدي لعشرات المشكلات التي ازدادت حدة منذ العام
2018 وفي كافة المجالات.
ثانيا) ادخال
اللاجئين الفلسطينيين في برنامج الطوارئ العام بالاونروا على غرار اللاجئين في
الضفة الغربية وقطاع غزه، وعلى خلفية ان الازمة في لبنان هي ازمة ممتدة لسنوات، وان
مؤسسات الدولة اللبنانية وبنتيجة القوانين التمييزية لن تطال اللاجئين الفلسطينيين
بأية تقديمات مستقبلية.
ثالثا) دعوة
الفصائل الفلسطينية للاصرار على شمول المساعدات لجميع الفلسطينيين، والتعاطي مع
كافة فئات اللاجئين وفق معيار واحد وهو حاجتهم الماسة للدعم الاقتصادي والاجتماعي،
بعيدا عن اي تسييس او خدمة لمشاريع تتجاوز صلاحيات الاونروا وحدود التفويض الممنوح
لها.
رابعا: العمل
فلسطينيا على تشكيل هيئات اختصاص تقنية خاصة بوكالة الغوث ترصد استراتيجيات وكالة
الغوث وتقترح المعالجات لأي خلل تعتقد انه يحرف الوكالة عن مسارها المتعلق حصرا
بتقديم الخدمات للاجئين الفلسطينيين، وتعمل على ممارسة الدور الرقابي لاداء
الاونروا لوظيفتها..
7 شباط 2023
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق