بقلم د. أكرم صالح
بالأمس القريب كنا نقول أهلا بك يا رمضان؛ وها نحن اليوم نقول وداعاً، وليس ما بين اليوم والأمس إلا أياماً معدودات مرت وكأنها لحظات! فما أسرع أيامك! وما أقصر لياليك! هل فعلا رحلت يا رمضان؟! أم أن ما رحل كان مجرد يوم أو بعض يوم؟!
مخطئ من كان يظن أن رمضان قد انتهى! نعم لقد رحل الشهر بروحه؛ إلا أن روحانياته باقية فينا أبدا ما حيينا.
إنها الحقيقة المرة، لقد انطفأ الهلال؛ وانطفأت معه قناديل الليل التي زينت شوارع رمضان، سكنت مفرقعات الأطفال، وهدأت سيمفونية الصحون والملاعق التي كنا نسمعها مع غروب شمس كل يوم جميل، وبحزن أخمد المسحرون فوانيسهم وبدؤوا عطلتهم لعام جديد.
كل هذه الأمور وغيرها ليست إلا عادات تقليدية، وممارسات شعبية، ومن قال إن العبادات تنتهي بانتهاء هذه العادات أو تلك الممارسات؟!
نعم لقد رحل الشهر بكل ما فيه؛ غير أن أعماله ما زالت موجودة ولا ينبغي لها الرحيل أبدا! فمن صام شهرا كاملا من أوله إلى آخره يستطيع أن يصوم يوما ويفطر يوما؛ أو أن يصوم الاثنين والخميس؛ أو الأيام الثلاثة البيض من كل شهر؛ ومن قام الشهر كله يصلي لله في كل ليلة 11 ركعة واقفا بين يديه؛ بإمكانه أن يصلي بعض ركعات قليلة؛ ولو ركعتين في كل ليلة؛ وكذلك فإن من ختم القرآن كله مرة أو مرتين أو ربما مرات عدة بوسعه أن يختمه في كل شهر مرة؛ وليس أقل من أن يقرأ ما تيسر منه آناء الليل وأطراف النهار؛ ومن شعر بألم الفقراء وأحس بجوعهم ووقف إلى جانبهم في رمضان؛ لماذا ينساهم بعد رمضان وهم ما زالوا ينتظرون منه ذاك الإحسان؟! فتصدق ولو بالقليل فإنك لا تدري لعل صدقة صغيرة تتصدق بها تكون سببا لنجاتك من النيران، وفوزك بالرضوان والجنان بإذن الله الرحيم الرحمن. ألم تسمع إلى قول المصطفى العدنان عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام في الحديث الصحيح الذي أخرجه الشيخان: "اتقوا النار ولو بشق تمرة". وأخيرا إني لأعجب ممن تذوق لذة الإيمان بالدعاء ومناجاة الرحمن؛ كيف تطيب له نفسه أن يتركها بعد رمضان؟!
وهكذا هي أعمال الخير كلها لا تنتهي بانتهاء الأيام أو الشهور؛ فاجعل لنفسك ولو نصيبا يسيرا من هذه الأعمال الطيبة المباركة تداوم عليها في كل يوم وليلة؛ فإن أحب الأعمال إلى الله تعالى أدومها وإن قل، وإن رب رمضان هو رب الشهور كلها؛ فكن عبدا لله وحده؛ ولا تكن عبدا لما سواه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق