في ظل تنامي قوى المقاومة والحديث عن وحدة الموقف والمصير بين الساحات المختلفة، وضع الاحتلال "الإسرائيلي" جملة من التحديات التي يراها قد تهدد مستقبله الوجودي، وتتمثل هذه التحديات في:
▪️ أولاً: الملف النووي الإيراني الذي يشكك الاحتلال في سلمية برنامجه، وبالتالي الاستعداد للتحرك عسكرياً تجاه المواقع النووية في إيران.
▪️ ثانياً: مواجهة حركتي "حماس" والجهاد الإسلامي في فلسطين وحزب الله في لبنان.
▪️ ثالثاً: تحدي تصاعد أعمال المقاومة في الضفة الغربية.
▪️ رابعاً: الوجود العسكري لحزب الله والحرس الثوري الإيراني في سوريا.
إذاً هي أربعة تحديات تحدث عنها الاحتلال "الإسرائيلي" في أكثر من مناسبة وأكثر من موقف، ولا يخفى أن قادته يعيشون حالة من القلق والخوف والذعر وعدم اليقين لما سيؤول إليه المصير إزاء هذا التطور الكبير والاستراتيجي. ولا يخلو يوم إلا ويتحدث الاحتلال "الإسرائيلي" عن تنامي قدرات المقاومة، وخاصة العسكرية منها. وعليه بدأ إعداد الخطط والبرامج والسياسات وتنفيذ عشرات المناورات لرفع الجهوزية العسكرية وتدريب الجبهة الداخلية في حال تعرّض كيان الاحتلال "الإسرائيلي" لحرب في أكثر من جبهة أو ساحة.
لمحاكاة حروب متعددة الجبهات، تشمل سوريا ولبنان وغزة والضفة الغربية المحتلة، بدأ جيش الاحتلال "الإسرائيلي"، مساء 29 مايو 2023، مناورة "القبضة الساحقة" التي تستمر لمدة أسبوعين. وبحسب بيان قيادة جيش الاحتلال، فإن الجيش سيتدرب على عمليات دفاعية وهجومية، في إطار الحروب متعددة الجبهات والأطراف، وخلالها تفحص جاهزيته ومستوى التنسيق بين وحداته المختلفة، في حين أن سلاح الجو سيتدرب على شنّ هجمات في العمق، وسلاح البحرية على مهام هجومية ودفاعية.
أمّا على مستوى الجبهة الداخلية، فستشمل المناورة تدريبات على الخطط العملياتية في الحيّز المدني، بينها إنقاذ الجرحى والعالقين، فيما سيشمل التدريب لأول مرة التمرّن على تشغيل خلايا التحكم الطيفية التي تهدف لتكوين صورة الوضع في مجال قتال "السبكتروم" وهو تحقيق اتصالات لاسلكية على أعلى مستوى، وغيرها.
▪️ لتحليل الموقف وطرح السيناريوهات، لا بد أن نعود قليلاً إلى الوراء، أي ما قبل بدء المناورة العسكرية بأيام قليلة، حيث شنّت قيادة الاحتلال "الإسرائيلي" السياسية والعسكرية والأمنية جملة واسعة من التهديدات تجاه قوى المقاومة في قطاع غزة ولبنان، ووصولاً إلى التهديد بالتحرك عسكرياً تجاه إيران. وفي ضوء ذلك، تصاعدت معها التحليلات عن وجود مخططات "إسرائيلية" لعدوان جديد، سواءً ضد إيران أو الجبهة الشمالية أو قطاع غزة.
أتت جملة التصريحات والتهديدات، في ظل حالة من التوتر التي تشهدها المنطقة، بدءاً من المناورة العسكرية التي أجراها حزب الله منذ أيام، والتي تمت على بُعد 20 كم من حدود فلسطين المحتلة مع لبنان، وجولة التصعيد في قطاع غزة، والكشف عن منشأة نووية جديدة في إيران وتصاعد الحديث عن قرب إيران من الوصول إلى العتبة النووية، كما لا يمكن إغفال حقيقة أن الاحتلال "الإسرائيلي" منزعج من حالة التقارب والتصالح الذي حدث بين إيران ودول المنطقة.
كما أن جملة التهديدات أتت في سياق التقييم السياسي والعسكري والأمني عن تآكل قوة الردع لدى الاحتلال "الإسرائيلي" الذي يدرك أن عدوانه الأخير على قطاع غزة لم يؤثر على الأوزان وطبيعة المشهد الاستراتيجي في المنطقة، وقواعد الاشتباك مع أطراف محور المقاومة حزب الله وحركة حماس وإيران.
▪️ هل يستهدف الاحتلال الإسرائيلي حزب الله في لبنان؟
إن الاحتلال الإسرائيلي معنيّ باستعادة قوة الردع وفرض معادلات جديدة تكبح جماح تنامي وحدة محور المقاومة في المنطقة، والواضح أن الاحتلال "الإسرائيلي" قد أطلق استراتيجية التفرد بكل ركيزة من ركائز المحور على حدة، إذ تارة يستهدف غزة، ومن ثم يضرب مواقع عسكرية تتبع حزب الله والحرس الثوري الإيراني في سوريا. والسؤال الكبير الآن هو: هل سيفعلها جيش الاحتلال ويكسر كل قواعد الاشتباك مع حزب الله، ويستهدفه في لبنان؟
وللإجابة عن هذا السؤال يمكن اقتباس عدة إشارات نشرتها القنوات العبرية بالقول "ما حدث مؤخراً في عملية الدرع والسهم في قطاع غزة، قد يحدث في أماكن أخرى، وبطريقة أوسع وأكبر، فالضربة المفاجئة هي جوهر الاستراتيجية العسكرية الجديدة "لإسرائيل".
أيضاً جيش الاحتلال "الإسرائيلي" عقد قبل أسبوع ونصف الأسبوع مؤتمراً خاصاً حضره ضباط كبار للتعرف على قوة الرضوان التابعة لحزب الله اللبناني، ودراسة قدراتها وأساليب عملها في حال اقتحمت مدن الكيان "الإسرائيلي" المحتل ، ومنها في "إسرائيل" تقرر تغيير اللعبة، وقد يكون هناك موقف هجومي بدلاً من موقف دفاعي وغيرها الكثير مما تحدثت عنه صحافة الاحتلال "الإسرائيلي" قبل المناورة العسكرية بأيام.
▪️ السيناريوهات المتوقعة وجاهزية المقاومة
في ضوء ما سبق من معطيات وتصريحات وتحليلات، وأمام ما تحدّث عنه قادة الاحتلال "الإسرائيلي" وبشكل مركز تجاه الجبهة الشمالية، التي تعتبر واحدة من أكثر الساحات خطورة على الكيان المحتل، يمكن أن يتم وضع 4 سيناريوهات، أهمها:
▪️ السيناريو الأول: تنفيذ اغتيال لأحد القيادات الكبيرة لدى حزب الله في لبنان تؤدي لنشوب حرب بين كلا الطرفين لمدة أيام أو أسابيع.
▪️ السيناريو الثاني: تنفيذ اغتيال لأحد قيادات الفصائل الفلسطينية في لبنان، ما يعني ضمناً الرد عسكرياً، ففي ظل معادلة أكد عليها "حسن نصر الله" في أحد خطاباته – أن أي استهداف لأي من قيادات الفصائل الفلسطينية أو غيرها، فذلك يعني أن المقاومة سترد.
▪️ السيناريو الثالث: أن يشن جيش الاحتلال "الإسرائيلي" ضربة عسكرية موحدة تستهدف الجبهة الشمالية والجنوبية في آن واحد، ويحقق فيها جيش الكيان المحتل جملة من الأهداف العسكرية، ويعيد من خلالها تثبيت قواعد الاشتباك كما يريدها هو، لا كما تريدها قوى المقاومة مجتمعة.
▪️ السيناريو الرابع: ألا يقوم الاحتلال "الإسرائيلي" بأي استهداف لقوى المقاومة وحزب الله اللبناني، وأن المناورة التي يجربها تأتي في سياق رفع الجهوزية العسكرية، وهي مثل غيرها من المناورات التي ينفذها الاحتلال بين الفينة والأخرى.
لا شك أن قيادة قوى محور المقاومة تعي أنها تتعامل مع احتلال غادر، يقتنص الفرصة المناسبة للانقضاض على عدوه، وكل التجارب السابقة تؤكد هذه الفرضية.
وعليه، فإن من غير المستبعد أن يحوّل الاحتلال "الإسرائيلي" المناورة العسكرية، التي يجريها الآن على كامل أراضي فلسطين المحتلة، إلى عملية عسكرية واسعة، تبدأ شرارتها بعملية اغتيال أحد قادة محور المقاومة، وتتدحرج إلى حرب واسعة النطاق.
إن حدث هذا السيناريو، فإن المنطقة مقبلة على تغيرات جذرية ستكون لصالح المقاومة بإذن الله تعالى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق