عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
■ فاز جو بايدن بالرئاسة الأميركية بصعوبة حيث شكل دونالد ترامب، خصماً عنيداً، أرغم بعض الولايات على إعادة الانتخابات، وإعادة فرز الأصوات، كما اهتزت أركان النظام السياسي في الولايات المتحدة، حين اقتحم أنصار ترامب مبنى الكابيتول في اعتداء على «المؤسسة التشريعية»، أي الكونغرس الأميركي.
وبذلك انشغلت إدارة بايدن في تضميد جراح الانقسام الداخلي في الولايات المتحدة وآثاره على نظام الحكم، كما انشغلت، على الصعيد الخارجي، في إعادة تجميع القوات الأميركية المنتشرة في الخارج، خاصة في أفغانستان، وفي العراق، فضلاً عن تعزيز الدور الأميركي في سوريا، عبر الدعم الملموس للوجود العسكري الأميركي في شمال شرق سوريا، في إطار التدخل في الشؤون العربية، ومزاحمة الدور الروسي على النفوذ في غرب آسيا.
كما أطلق بايدن مشروعه لترميم وتطوير البنية التحتية للبلاد، ما أدخله في صراع مع الجمهوريين في الكونغرس.
وهكذا تكون القضية الفلسطينية، وفي السياق الوعود الأميركية للقيادة السياسية للسلطة الفلسطينية قد أدرجت على جدول أعمال الإدارة الأميركية، لكن في أسفل القائمة، وفي تقرير أكثر ترجيحاً قد تكون أحيلت إلى الولاية الثانية لبايدن، (على فرضية مسبقة باحتمال نجاحه في الولاية الثانية) حين تكون الإدارة الأميركية قد أنجزت حل القضايا الكبرى، بما يتيح لها التفرغ للقضايا الأصغر، ومنها القضية الفلسطينية، دون أن تتوقف خارجية بايدن، ومبعوثه إلى المنطقة هادي عمرو، عن التأكيد اللفظي عن التزامها «حل الدولتين» لإنهاء الصراع في المنطقة.
لماذا «حل الدولتين»؟
لقي الحديث عن «حل الدولتين» ترحيباً حاراً من القيادة السياسية لسلطة الحكم الإداري الذاتي في رام الله، إذ رأت فيه، كما فسرته، اعترافاً من الولايات المتحدة بضرورة قيام دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل، علماً أن الجانب الأميركي، لم يكشف ولا حتى جزئياً، عن مضمون «حل الدولتين»، وعن مضمون «الدولة الفلسطينية» ... ما هي حدودها؟ ما هي مساحتها؟ ما هي علاماتها وصلاحياتها السيادية؟ ما هي علاقتها بدولة إسرائيل؟ ومتى سيتم الإفراج عن هذا «الحل»؟ وما هي الصيغة التفاوضية لولادته: حل تحت سقف «الرباعية الدولية»، برعاية أميركية منفردة، أم برعاية دولية، تحت إشراف الأمم المتحدة ومجلس أمنها؟
في هذا السياق تجاهلت القيادة السياسية للسلطة الفلسطينية، الخلفية السياسية للإدارة الأميركية لـ«حل الدولتين»، وهي ذات الخلفية التي كان قد طرحها الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون، وعاد وأكد عليها زميله في الحزب الديمقراطي باراك أوباما، ووزيرة خارجيته (آنذاك) هيلاري كلينتون.
تكمن الخلفية السياسية للإدارة الأميركية في الدعوة لـ«حل الدولتين» بعيداً عن الاعتراف بالحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني، وحقه في تقرير المصير على أرض وطنه، وبما يشمل كافة فئات الشعب الفلسطيني (أراضي الـ48 + أراضي الـ67 + الشتات).
تدعو الولايات المتحدة، عبر إدارة بايدن، إلى «حل الدولتين» بديلاً لما يسمى «حل الدولة الواحدة»، تقديراً منها أن ضم الضفة الفلسطينية وقطاع غزة، إلى دولة الاحتلال، سيكون على حساب يهودية دولة إسرائيل، وبحيث تصبح (إسرائيل) دولة ثنائية القومية «يهودية وعربية»، وهو بالنتيجة سيعطل الدور السياسي والأمني الاستراتيجي الذي تلعبه إسرائيل في سياق الهيمنة الأمريكية على المنطقة، أي أن إسرائيل، الحليف الاستراتيجي الأول للولايات المتحدة في المنطقة، لن تعود «إسرائيل» التي أسسها المشروع الصهيوني، وتبناها كل من بريطانيا وفرنسا الاستعماريتين، ثم انتقل التبني إلى الولايات المتحدة بعد هزيمة حرب حزيران (يونيو) 67، بعد أن أثبتت إسرائيل جدارتها في أن تكون حليفاً استراتيجياً للولايات المتحدة في مشروعها الامبريالي الخاص بمنطقة الشرق الأوسط وكثيراً ما اضطرت الوزيرة هيلاري كلينتون إلى تقديم نصائح إلى رئيس الحكومة الإسرائيلية تحذره فيها من خطورة ضم الضفة وقيام الدولة الواحدة، على المشروع الصهيوني، وكثيراً ما نصحته بضرورة القبول بإقامة كيان فلسطيني إلى جانب إسرائيل، تحافظ عليها دولة يهودية صهيونية بوظيفتها «التاريخية».
وهذا بالضبط ما تستهدفه إدارة بايدن من «حل الدولتين»، أي الفصل بين الشعبين دون ضمان حقوق الشعب الفلسطيني.
نحن و«حل الدولتين»
لا يقوم «حل الدولتين»، على أساس تطبيق قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، بما فيها حق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره، بل يقوم بدلاً من ذلك، على نسف هذه القرارات، ويطرح الرؤية الأميركية للحل بديلاً لقرارات الشرعية الدولية، والأساس الأهم في الرؤية الأميركية هو «ضمان أمن إسرائيل وحقها في الدفاع عن نفسها»، وضمان يهوديتها بما هي مشروع صهيوني لدولة اليهود في العالم.
وبذلك يتحدث الحل عن «دولتين»، علماً أن الدولة الإسرائيلية قامت عام 1948، وتجاوزت حدود القرار 181، وتوسعت أكثر فأكثر في حرب حزيران (67) العدوانية، وبالتالي فإن المقصود بـ «حل الدولتين» أن الصيغة النهائية لإسرائيل لم تقم بعد، وأن رسم حدودها الأمنية (كما تفسره إسرائيل) يتطلب بالضرورة إعادة رسم الحدود بين «الدولتين»، بديلاً لحدود 4 حزيران 67، التي تصر إسرائيل على اعتبارها غير آمنة لها، وهو ما يفسر لماذا اسقطت الولايات المتحدة، منذ بوش الابن، اعترافها بحدود 4 حزيران، واعتبرتها خطوطاً وهمية لا وجود لها، وغير عملية لأي تسوية مع الجانب الإسرائيلي، أي أن الهدف الأول من «حل الدولتين» هو منح إسرائيل الحق في إعادة رسم حدودها، على حساب الأرض الفلسطينية (الضفة) والسورية (الجولان) واللبنانية (مزارع شبعا وتلال كفر شوبا)، هذا جانب واضح وصريح، تؤكده التصريحات الأميركية والإسرائيلية في العديد من المناسبات.
وإذا كانت علامات الدولة الإسرائيلية، تبدو واضحة في الرؤية الأميركية لـ«حل الدولتين»، فإن الولايات المتحدة تتكتم حول علامات الدولة الفلسطينية، دون أن يعني ذلك أنها لا ترسل إشارات، هنا وهناك، تشير إلى «التزامات» هذه «الدولة»، حتى بموافقة القيادة السياسية للسلطة الفلسطينية، فإسرائيل (ومعها الولايات المتحدة) تطلب «ضمانات» بعدم تدفق فلسطينيي الشتات على «الدولة الفلسطينية»، وأن يكون حق الإقامة في «الدولة» الفلسطينية لحاملي «الرقم الوطني» الحالي الذي تمنحه دولة الاحتلال، عبر إدارتها المدنية لأبناء الضفة الفلسطينية حصراً، والذريعة الإسرائيلية في ذلك، أن فتح الباب أمام فلسطينيي الشتات، قد يفتح الباب لتسرب «الإرهاب» الفلسطيني من لبنان وسوريا وغيرها، فضلاً عن أن الازدحام السكاني في «الدولة» الفلسطينية قد يحدث اضطرابات اجتماعية وسياسية، من شأنها أن تؤثر على أمن إسرائيل.
طبعاً، وفي هذا السياق، وافقت القيادة السياسية للسلطة على أن تكون معابر «الدولة» الفلسطينية تحت الرقابة الدولية، بحيث تشارك دولة ثالثة، إلى جانب «الدولتين» الفلسطينية والإسرائيلية في مراقبة حركة العبور، أي تماماً، كما كان الحال عليه في معابر قطاع غزة، حيث كانت الرقابة ثلاثية: فلسطينية وإسرائيلية وأوروبية.
وهكذا لا تكون «الدولة» الفلسطينية دولة «كل الفلسطينيين»، ولا تكون «دولة» ذات سيادة على حدودها، وعلى قرارها بمنح الجنسية لمن تريد، بل هي «دولة» لجزء من الشعب الفلسطيني، وتحت الوصاية الأمنية لإسرائيل، ولطرف «ثالث».
وهنا، يتبدى واضحاً أن «حل الدولتين» لا يحرم اللاجئين من حق العودة إلى ديارهم في أراضي الـ48 فحسب، بل ويحرم كذلك على اللاجئين الانتقال للسكن في الضفة الفلسطينية أو في قطاع غزة، ويتركهم للمصير المجهول، مشتتين في بلاد الهجرة واللجوء.
كذلك يتجاهل «حل الدولتين» مسألة القدس، والمستوطنات، والحق الفلسطيني في شاطئ البحر الميت، وغير ذلك من القضايا الجوهرية التي تندرج في رزمة الحقوق الوطنية المشروعة، فضلاً عن الفصل بين «الفلسطينيين» في «الدولة» الفلسطينية، و«الفلسطينيين» في أراضي الـ48.
إن مشروع «حل الدولتين» لن يتجاوز إقامة كيان فلسطيني مقطع الأوصال، تربط بين مناطقه المشتتة والمنفصلة عن بعضها عوائق إسرائيلية، كالجسور والأنفاق والطرق الالتفافية، ما يجعل حتى تنقل الأفراد داخل «دولتهم» مشروطاً بتأشيرة عبور إسرائيلية، دولة كانتونات بديلاً للدولة المستقلة كاملة السيادة.
محطتان لكل منها جدول أعمالها
خلال 3 سنوات من ولاية بايدن، رئيساً للولايات المتحدة، اقتصر التفاعل السياسي المباشر، بين القيادة السياسية للسلطة الفلسطينية، والإدارة الأميركية على محطتين اثنتين، زار فيهما وزير الخارجية توني بلينكن، وفريق عمله (هادي عمرو، وبربارة ليف) رام الله، التقى خلالها الرئيس محمود عباس، وأعضاء المطبخ السياسي في «المقاطعة».
الأولى: تمت في أعقاب «معركة القدس – سيف القدس» في العام 2021، كان لهذه المعركة تداعياتها الكبرى، التي وحدت جبهات المواجهة الفلسطينية على محاورها الثلاثة (أراضي الـ48 + الضفة + القطاع)، وقدمت تجربة جديدة متطورة لخطط النضال الفلسطيني وآفاقه، ما عزز ثقة الشعب الفلسطيني بمقاومته الشعبية والمسلحة، وعزز ثقة الفلسطينيين بأنفسهم في الـ 48، جزءاً لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني، وأن قضيته ليست منفصلة عن القضية الفلسطينية بآفاقها القومية والوطنية.
أحدثت «معركة القدس – سيف القدس» زلزالاً في الحالة الفلسطينية، أبرز أهمية المقاومة الشاملة، كما أبرز عزلة السلطة الفلسطينية وقيادتها السياسية، باعتراف أعضاء في اللجنة المركزية لحركة فتح، وقد قال أحدهم يومها إن السلطة عاشت أسبوعين دون أن تتصل بها عاصمة عربية واحدة، وأن الاتصالات انصبت على القطاع، كما أحدثت المعركة زلزالاً داخل إسرائيل حين اكتشفت – لمرة جديدة - هشاشة جبهتها الداخلية، خاصة إذا ما اندلعت قوة غضب مؤطرة للفلسطينيين داخل المدن والبلدات المختلطة وباقي البلدات العربية في الجليل، والساحل، والمثلث وباقي أنحاء إسرائيل.
وكان من الطبيعي أن تحدث هذه المعركة زلزالاً في البيت الأبيض، وفي وزارة خارجيته ومجلس أمنه القومي، وكذلك في العواصم العربية المجاورة لفلسطين، في تصورات مرتقبة لما يمكن أن تكون عليها الحالة الإقليمية، لو تكررت «معركة القدس» وأخذت أبعاداً أكثر اتساعاً.
جاء وزير الخارجية الأميركي بلينكن إلى رام الله، ليطفئ الحريق الذي أشعلته «معركة القدس – سيف القدس»، وليرسم للفرقاء (إسرائيل + السلطة + العواصم المجاورة) خطة عمل وأدواراً، لكل منها، لمنع تكرار الزلزال، وضبط الوضع بما لا يشوش على الإدارة الأميركية ومصالحها في المنطقة، ولا على حكومة الثنائي «لابيد – غانتس».
الرسالة التي حملها إلى إسرائيل، أن واشنطن تجدد لدولة الاحتلال حقها في الدفاع عن نفسها «ضد الإرهاب» الفلسطيني، وفي السياق «أقنعها» أن مساعدة الفلسطينيين على تحسين أحوالهم المعيشية، يكفل بإبعاد التوتر، و«إقناع» المواطنين بالابتعاد عن العنف والإرهاب.
أما الرسالة التي حملها إلى رام الله، فهي تمحورت حول النقاط التالية:
• التأكيد على أن الإدارة الأميركية لا تملك الآن الوقت الضروري لفتح ملف «حل الدولتين»، وأن هذا الحل مؤجل حتى إشعار آخر، طبعاً، دون أن يعني التخلي عنه.
• إن على السلطة الفلسطينية أن تتحمل مسؤولياتها الأمنية في ضبط الوضع في مناطقها، وأن تعزز من التعاون الأمني مع قوات الاحتلال.
• إن تحسين الأوضاع المعيشية في الضفة، كفيل بتخفيض العنف والتوتر، ويساعد السلطة الفلسطينية على إعادة تقديم نفسها إلى الرأي العام سلطة فاعلة وذات قدرة على تأمين احتياجات السكان.
وبناءً على هذا، دعا بلينكن القيادة السياسية للسلطة الفلسطينية إلى الكف عن مطالبة الإدارة الأميركية بوضع «حل الدولتين» على النار، فهذا لا يخدم السياسة الأميركية في المنطقة، ويقدمها على أنها إدارة قاصرة، وأن البديل – المؤقت – هو القبول لـ«الحل الاقتصادي»، أي تحسين مستوى معيشة الفلسطينيين.
من جانبها لم تملك القيادة السياسية للسلطة إلا القبول بما جاء به بلينكن، لكنها اقترحت، أن يكون «الحل الاقتصادي» مرتبطاً بما يسمى «أفق سياسي»، بما يربط حسب – رأي السلطة – بين «الحل الاقتصادي» و«حل الدولتين»، وهكذا وضع «حل الدولتين» جانباً، وصار الحديث يدور عن الـ«الأفق السياسي» بديلاً، وهي خطوة تراجعية كبرى، عبرت عن هشاشة الاستراتيجية السياسية للقيادة السياسية للسلطة الفلسطينية، وصار الإعلام الرسمي لقيادة السلطة يتحدث عن القبول بـ«حل اقتصادي مقرون بأفق سياسي».
المحطة الثانية:
ترافقت المحطة الثانية مع مجيء حكومة الائتلاف اليميني والمتشدد والفاشي برئاسة بنيامين نتنياهو، صعّدت فيها الحكومة الإسرائيلية سياساتها العدوانية بكل أشكال الإجرام، وأعلنت أن برنامجها يقوم على حسم الصراع وضم الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى جانب – طبعاً – القدس والجولان، قابلها الشعب الفلسطيني بمقاومته الباسلة، بينما وقفت القيادة السياسية للسلطة الفلسطينية موقف المتفرج، أكد عدم امتلاكها رؤية خاصة بها، سوى الرهان على الوعود الأميركية.
هذا التطور أحدث قلقاً في واشنطن، من أن يؤدي إلى اضعاف السلطة الفلسطينية وربما تفكيكها (والبعض قال انهيارها)، خاصة في ظل التصعيد الإسرائيلي، وتراجع أسهم السلطة في حسابات الشارع السياسي الفلسطيني، ولا مبالاة الجانب الإسرائيلي، وانسداد العملية السياسية، وتزايد الحديث عن البحث عن وريث للرئيس محمود عباس.
مثل هذا التطور وهذا القلق، استلزم زيارة ثانية من بلينكن إلى رام الله، والقدس المحتلة، يرافقه فريق عمله الخاص بالقضية الفلسطينية، انتهت بالاتفاق على إطلاق مسار جديد للعلاقة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، من شأنه أن يملأ الفراغ السياسي في عقد اجتماع أمني، برعاية أميركية وحضور مصري وأردني، أطلق عليه بداية «مسار العقبة» وهو المرفأ الأردني الذي استضاف اللقاء الأول.
اقتصرت النقاشات على الجانب الأمني، جرى فيها التأكيد على ضرورة إحياء كل أشكال التعاون الأمني بين السلطة وقوات الاحتلال، من أجل فرض الحصار على المقاومة الشعبية والمسلحة، وتقويض أركانها وخنقها، لكن وقبل أن يجف حبر بيان العقبة كان المستوطنون، بإشراف وزير الأمن القومي بن غفير يحرقون بلدة حوارة، وشعار بن غفير: ما تقرر في العقبة يبقى في العقبة، ثم استأنف المسار أعماله في اجتماع ثان في شرم الشيخ المصرية، حيث أعيد التأكيد على قرارات العقبة، ومع ذلك لم ينفذ أي شيء منها، وأمام استفحال أعمال القتل الإسرائيلي تعطل المسار، غير أنه أنتج أمراً خطيراً، حين حوّل قضية الشعب الفلسطيني من قضية تحرر، إلى مجرد تفاهمات أمنية بين السلطة والاحتلال، ورسم العلاقة الثنائية في مسارها، يمثله وزير الشؤون المدنية في السلطة الفلسطينية من جهة، ومستشار الأمن القومي من الجانب الإسرائيلي من جهة أخرى.
خلاصة أولى:
يتبين من هذا العرض، للعلاقة بين القيادة السياسية وإدارة بايدن، أنها رسمت خطاً بيانياً هابطاً، ابتدأ بالحديث عن «حل الدولتين»، ثم انتقل إلى الحديث عن «الحل الاقتصادي»، ثم لاحقاً إلى استجداء «أفق سياسي»، لينتهي المطاف عند تحويل القضية الفلسطينية إلى مجرد «تفاهمات أمنية» ليس إلا.
خلاصة ثانية:
رغم مرور حوالي عامين ونصف العام على وصول إدارة بايدن إلى البيت الأبيض، فإن وعوده ليس فقط لم تتحقق، بل – وأيضاً – لا يلمح المراقبون أية إشارة تشي بقرب الوفاء بهذه الوعود.
• فمكتب مفوضية م. ت. ف. في واشنطن، لم يفتح بعد، والذريعة في ذلك أن إدراج الكونغرس للمنظمة على لائحة الإهاب، يشكل عقبة أمام الرئيس الأميركي.
• كما أن القنصلية الأميركية في القدس المحتلة، لم تفتح مرة أخرى، وقد أبلغت واشنطن السلطة الفلسطينية أن سفارة الولايات المتحدة في القدس المحتلة هي المنفذ الوحيد للعلاقة مع السلطة، وأن إدارة بايدن استحدثت في السفارة مكتباً يديره الجنرال مايك فنزل مهمته التنسيق الأمني والإداري السياسي بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني.
• كذلك لم تستأنف الولايات المتحدة مساعداتها إلى السلطة الفلسطينية بعد أن أوقفها الرئيس ترامب، وتكتفي إدارة بايدن بصرف بضعة ملايين إلى المستشفى الفلسطيني في القدس (المقاصد) وبعض المؤسسات الأهلية التي ترى واشنطن أن خدماتها لا تدعم الإرهاب الفلسطيني.
• أما العملية السياسية، فقد أودعت ثلاجة الانتظار الطويل، وقد هبط سقفها لتصبح بمثابة «تفاهمات أمنية».
• لم تمارس الولايات المتحدة أية ضغوط ذات مغزى لمنع إسرائيل، من ضم الأراضي الفلسطينية (مثال: المستوطنات الأربع شمال الضفة التي استعيدت بعد إخلائها منذ أيلول 2005).
• كذلك لم تتخذ إدارة بايدن إجراءات ذات معنى، تحد من تغول الاحتلال وتصاعد إجرامه ضد الفلسطينيين
خلاصة أخيرة:
تجربة القيادة السياسية للسلطة الفلسطينية منذ نهاية العام 2004، مع العملية السياسية دليل آخر، شديد البلاغة يؤكد أن المفاوضات الحقيقية تجري في الميدان، وليس إلى طاولة المباحثات بين الوفود.
هذه القاعدة تجاهلتها القيادة السياسية للسلطة، ورأت أن المفاوضات هي مجرد مباحثات، دون احتساب الميدان، بل أحياناً سلكت اتجاهاً معاكساً مع الميدان، حين كانت تعمد إلى إخفاقه وإخماد ناره، ظناً أنها بذلك ترضي «الشريك» الأميركي والإسرائيلي، وهو ما عمق مأزقها، فلا هي كسبت الموقف الأميركي، ولا كسبت الموقف الإسرائيلي، وخسرت (أخيراً وليس آخراً) ثقة شعبها بها.
وكأن القيادة السياسية للسلطة، لم تكن تقرأ حقائق السياسة الأميركية في المنطقة، ومصالحها، وكأن القيادة السياسية للسلطة لم تكن تقرأ حقيقة المشروع الصهيوني.
هل بنت مواقفها على الوهم، أم أنها بنت مواقفها على قاعدة تغليب مصالحها الطبقية على حساب مصالح شعبها■
انتـهــى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق