إلتقيته وقلت له هذا نصب على الناس، لايمكنك فعل ذلك، والقانون يحاسب عليه، ضحك كثيرا وقال لي: أي قانون يادكتور، علاقاتي بالبلد أقوى من القانون الذي تتحدث عنه، فمن تعتبرني انصب عليهم هؤلاء هم من سيدافعون عني لو تحرك ضدي القانون.
كتب رمزي عوض
حدث ذلك في العام 2018، عندما كانت مؤسسة اجتماعية في لبنان تعطي شهادات دكتوراه فخرية وتعين سفراء بالمجان للناس، وكانت تستهدف الناشطين في المجتمع المدني بالاضافة لاعضاء بلديات، وأناس في مراكز ذات سلطة.
الموضوع مسني في مكان ما، كون هذه المؤسسة كنت على علاقة عمل معها في فترة سابقة، فقررت التدخل والنصيحة، وطلبت من مالك تلك المؤسسة التوقف عن ذلك، كون ذلك يتعارض مع القانون، وقد يؤدي لاتهامه او اتهام الناس على انهم منتحلي صفة.
ضحك كثيرا، وأكد على ان خوفي عليه ليس بمكانه، وأنه لم يعارض القانون، وأن من يأخذون منه تلك الشهادات أناس ذوي نفوذ سيدافعون عن شهاداتهم، وبالتالي سيدافعون عنه، لو اضطرهم الأمر.
انتابني الفضول لأعرف السبب الحقيقي وراء ذلك، وأخذت احدثه يمينا ويسارا، فقال لي: انه يبني علاقات بهذه الشهادات، فلربما حصل على تمويل مشاريع لمؤسسته من هنا او هناك، فقلت له: انك تضر بالمستوى الثقافي للمجتمع، ضحك كثيرا وقال لي: ليش وقفت علي أنا؟
فأراني شهادات لدكاترة فخريين، وسفراء في لبنان، ممنوحة من مؤسسات خارج لبنان لاترتقي لمستوى مؤسسته، وقال لي: جحا أولى بلحم ثوره، فبدل ان يستغلهم الغرباء نستغلهم نحن، فانتهى بي اللقاء على اني لن استطيع تغيير رأيه، فتركته لحاله، وانقطعت علاقتي به منذ ذلك الوقت.
ولكن بالمقابل لم اسكت، كتبت بعض المقالات للتنبيه من هذه الظاهرة، وصنعت فيديوهات حول الموضوع لعلي أستطيع صناعة ثقافة مجتمعية ترفض هذه الظاهرة.
وفي احدى المرات تعاملت مع أحد المثقفين لكتابة تقرير مميز حول هذه الظاهرة، لاقى التقرير رواجا، وكانت المفاجأة أن استدعاني رئيس مؤسسة من المجتمع المدني، وهو شخص أكن له ولنشاطه الثقافي كل الاحترام، واعتقد بأني أقصد شهادة الدكتوراه الخاصة به في تقريري ذلك، أراني شهاداته الأكاديمية وكان الواضح أنها حقيقية.
بالطبع كنت أقصد أشخاصا بعينهم، ولكن ليس هو، فاتصلت أمامه بصديقي المثقف وقلت له ان يتحدث عن الموضوع امام صديقنا الدكتور، فتحدث له عن هذه الظاهرة التي تؤدي بانحدار المستوى الثقافي للمجتمع، وأننا نقصد أشخاصا بعينهم، وأن صديقنا الدكتور بعيدا كل البعد عن أي اتهام.
الحادثة لم تقف هنا، ولكن بعد سنة او سنتين تفاجأت بأن صديقي المثقف الذي ساعدني على كتابة التقرير اياه، قد سقط في هذه الدوامة واصبح هو ذاته سفيرا ودكتورا، ولايقبل الا بأن ينادى بالدكتور فلان.
الظاهرة هذه تتغلغل في مجتمعاتنا العربية، فلا من حسيب، ولا من رقيب، وبحسب رأي أحد الباحثين في هذه الظاهرة، فمحاربتها ليست أولوية للحكومات العربية، ولربما تصب في خدمة الحكومات بتجهيل الشعوب وإلهاءها بمناصب وصفات لاتضر بالسلطة بشيء.
اذا يقع عاتق محاربة هذه الظاهرة على المثقفين في البلاد العربية من خلال عدم الاعتراف بهذه المناصب الوهمية التي قد يستغلها، ولربما استغلها عدو العرب الاول كيان الاحتلال الاسرائيلي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق